الخط الساخن : 01118881009
جلسة 6 مايو سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (65)
القضية رقم 87 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – المحكمة الدستورية العليا “اختصاص”.
تقرير هذه المحكمة اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شرط قبولها أمامها.
2 – المحكمة الدستورية العليا “ولاية”.
ولاية هذه المحكمة في شأن الرقابة القضائية على الدستورية لا تنبسط إلا على القانون بمعناه الموضوعي – انصرافها إلى النصوص القانونية سواء وردت في تشريعات أصلية أم فرعية.
3 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط هذه المصلحة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها منطقياً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي – وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
4 – مبدأ المساواة أمام القانون “نطاقه” – استثمار.
هذا المبدأ لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، بل يمتد إلى ما كان منها قد تقرر بقانون – المزايا التفضيلية لمشروعات الاستثمار تغدو حقوقاً لا يجوز موازنتها بأعباء تحد منها.
5 – مبدأ المساواة أمام القانون “مغايرة – مركز قانوني: عناصره”.
من غير الجائز للمشرع أن يفرض تغايراً في المعاملة ما لم يكن مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنه – تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً – المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون هي التي تتحد في العناصر التي تكون كل منها بحيث لا يقوم هذا المركز إلا بتضاممها.
6 – استثمار “مزايا”.
عدم جواز الرجوع عن المزايا المكفولة للمشروعات الخاضعة لنظام الاستثمار من خلال موازنتها بأعباء جديدة تفرض عليها.
7 – حق الملكية الخاصة “نطاق الحماية المقررة لها”.
امتداد الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة إلى كل حق ذي قيمة مالية – اتساعها للأموال بوجه عام.
8 – تشريع “قراراً محافظ الإسكندرية رقما 74 لسنة 1991، 33 لسنة 1995: عوار”.
انطواء ما تضمنه هذان القراران من زيادة تعريفة بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحلات التجارية على عدوان على الملكية الخاصة وإخلال بمبدأ المساواة.
1 – قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي يتطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلها للخوض في موضوعها.
2 – اختصاص هذه المحكمة – في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية – ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ بما مؤداه ألا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة: سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض تلك الرقابة – بالتالي – عما سواها.
3 – من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
4، 5 – مبدأ المساواة أمام القانون الذي أرساه الدستور بنص المادة 40 منه – بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعي – لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وإنما يتعلق كذلك بما يكون منها قد تقرر بقانون في حدود السلطة التقديرية التي يملكها المشرع. فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. وكلما كفل المشرع لمشروعات بذواتها مزايا تفضيلية قدر ضرورتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رءوس الأموال الوافدة إلى مصر، وكان أصحابها قد قدروا عائد استثمار هذه الأموال فيها على ضوء هذه المزايا، فإنها تغدو حقوقاً لا يجوز تهوينها، ولا موازنتها بأعباء تحد منها.
إن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون يتحقق بأي عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أياً من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايراً في المعاملة ما لم يكن مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفاً منافياً لمبدأ المساواة، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها. ولا يتصور بالتالي أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التي يفرضها الدستور على هذا الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالي أن يكون التقدير الموضوعي لمعقولية التقسيم التشريعي منفصلاً كلية عن الإغراض النهائية للتشريع.
إن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميماً مجاوزاً نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها.
إن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التي يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور؛ وقد تخل الآثار التي يحدثها التمييز – من حيث مداها – بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها، ويعتبر التمييز غير مغتفر في هاتين الحالتين كلتيهما، بل ربما كان التمييز أكثر خطراً في الصورة الثانية التي يبدو فيها النص التشريعي المطعون فيه محايداً في مظهره، مخالفاً للدستور في أثره.
إن المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية لم يُدخلها المشرع في اعتباره – بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز القانوني إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانوني عنها، أن تكون قيداً عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التي ربطها بوجوده، إذ هي كامنة فيه، فلا يجوز نقضها.
6 – القول بأن المزايا التفضيلية التي ربطها المشرع باستثمار رءوس الأموال العربية والأجنبية، ينبغي مقابلتها ببعض الأعباء التي توازنها، مؤداه أن المزايا التي قدر المشرع ضرورتها لتدفق هذه الأموال لمصر، جاوزت حدودها المنطقية، وهو ما لا دليل عليه، بعد أن كفلتها قوانين الاستثمار على تعاقبها دون انتقاص منها، وبما لا يجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
7، 8 – الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام، وكان القراران المطعون فيهما – بالأعباء التي فرضاها – قد انتقصا من عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية عن طريق الأسعار الأعلى التي ألزماهما بأدائها عن استهلاكها من المياه، فإنهما يتمحضان عدواناً عل الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32 و34 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من إبريل سنة 1998، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية: قرار محافظ الإسكندرية رقم 274 لسنة 1991، فيما تضمنه من زيادة الفئات المحددة لسعر بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحال التجارية اعتباراً من 1/ 1/ 1991، وقراره رقم 33 لسنة 1995 فيما تضمنه من زيادة الفئات المحددة لسعر بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحلات التجارية اعتباراً من 1/ 7/ 1994؛ وكذلك قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 بجداول الفئات الجديدة لأسعار المياه طبقاً لما وافقت عليه اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية وذلك فيما تضمنته من زيادة الفئات المحددة لسعر بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحلات التجارية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعويين رقمي 900 و901 لسنة 1995 تجاري أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد الشركة المدعية باعتبارها شركة منشأة طبقاً لنظام استثمار المال العربي والأجنبي بطلب الحكم بإلزامها بقيمة استهلاكها للمياه طبقاً للقرارات المشار إليها مع الفوائد القانونية والتعويض. وبعد أن أصدرت المحكمة قراراً بضم الدعويين المشار إليهما لكي تصدر فيهما حكماً واحداً، أقامت الشركة المدعية دعوى فرعية ضد المدعى عليه الخامس طالبة الحكم بإلزامه برد المبالغ التي قامت بسدادها إليه بالزيادة في الفترة من يناير سنة 1995 حتى يناير سنة 1998، ودفعت بعدم دستورية كل من قراري محافظ الإسكندرية رقمي 274 لسنة 1991 و33 لسنة 1995 وقراري وزير التعمير الصادرين في 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 السالف الإشارة إليها؛ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة المدعية برفع الدعوى الدستورية فقد أقامتها.
وحيث إن قرار محافظ الإسكندرية رقم 274 لسنة 1991 قد تضمن في مادته الأولى محاسبة شركات الاستثمار على مسحوباتها من المياه بأسعار تزيد على الأسعار المقررة لمحاسبة الشركات والمحال التجارية اعتباراً من 1/ 1/ 1991 كما تضمن قرار المحافظ رقم 33 لسنة 1995 في مادته الأولى القواعد التي يتم على أساسها محاسبة شركات الاستثمار عن مسحوباتها من المياه بما يزيد على الأسعار المحددة لغيرها من الشركات والمحال التجارية اعتباراً من 1/ 7/ 1994.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي يتطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلها للخوض في موضوعها.
وحيث إن الدستور قد عهد – بنص المادة 175 – إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وبناء على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، فخولها اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح؛ مانعاً أي جهة من مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد لبناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، مؤكداً أن اختصاص هذه المحكمة – في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية – ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ بما مؤداه ألا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة: سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض تلك الرقابة – بالتالي – عما سواها.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 1639 لسنة 1968 بإنشاء الهيئة العامة لمرفق مياه الإسكندرية، قد نص في مادته الأولى على تبعية هذه الهيئة لوزير الإسكان والمرافق، كما نص في مادته الرابعة على اختصاصها باقتراح تعريفة بيع المياه، وفي المادة السادسة على سريان هذه التعريفة بعد اعتمادها من الوزير المختص. ثم عُدلت تبعية هذه الهيئة إلى محافظ الإسكندرية بقرار رئيس الجمهورية رقم 2420 لسنة 1971، ومن ثم غدا محافظ الإسكندرية – دون غيره – هو المختص بإصدار القرارات التنفيذية المتضمنة تعريفة بيع المياه بالإسكندرية، متى كان ما تقدم، وكان قرار محافظ الإسكندرية المطعون فيهما يتعلقان بالقواعد التي يتم على ضوئها محاسبة مشروعات الاستثمار عن استهلاكها من المياه من خلال قاعدة قانونية مجردة فينحل كلاهما بذلك إلى لائحة تنبسط عليها الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية، بيد أن هذه الرقابة لا تمتد إلى تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية، بيد أن هذه الرقابة لا تمتد إلى توجيهات اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية المشار إليها آنفاً والصادر بشأنها القراران المنسوب صدورهما لوزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988؛ إذ أن تلك التوجيهات – ما لم تستند إلى قانون يعهد إلى هذه اللجنة باختصاص محدد في هذا الشأن – لا تعدو أن تكون مجرد توصيات غير ملزمة لا سند لها من أحكام القانون، ولا تعد تشريعاً بالمعنى الموضوعي مما تنبسط عليه رقابة هذه المحكمة.
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعي يدور حول محاسبة الشركة المدعية – باعتبارها شركة استثمار – عن قيمة استهلاكها من المياه بأسعار يزيد على ما هو محدد لمحاسبة الشركات والمحال التجارية الأخرى، فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فيما تضمنه قراراً محافظ الإسكندرية الرقيمان 274 لسنة 1991 و33 لسنة 1995 في هذا الشأن، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكامهما.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على القرارين المطعون فيهما – محددين إطاراً على النحو المتقدم – مخالفتهما لأحكام المواد 4 و8 و40 من الدستور قولاً منها بأن القرارين المطعون عليهما يزيدان من أعباء الشركات الاستثمارية بالمقارنة بنظيرتها العاملة في نفس النشاط، مما يهدر فرص التنافس المشروع بينها، ويؤديان – بالأعباء التي فرضاها – إلى انتقاص عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية، كما يعتبران عدواناً على الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32 و34 من الدستور.
وحيث إن المشرع أصدر نظام استثمار المال العربي والأجنبي بالقانون رقم 43 لسنة 1974 متوخياً – وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون – إيجاد مناخ ملائم لتسهيل انتقال رءوس الأموال العربية والأجنبية للعمل في مصر مع تقديم حوافز مناسبة للاستثمار – عربياً كان أم أجنبياً – وذلك في إطار من الضمانات الكافية ضد المخاطر غير التجارية، مراعياً تخطي العوائق الإدارية والإجرائية التي تؤثر على نمو حجم الاستثمار، وذلك تقديراً من المشرع بأن استثمار رءوس الأموال العربية والأجنبية في مصر – وعلى ما تنص عليه المادة الثانية من هذا القانون – يعتبر في المجالات التي حددتها – ومن بينها التصنيع والتعدين والنقل والسياحة – لازماً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية. ولئن كان المشرع قد أقر بعدئذ قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 230 لسنة 1989 ملغياً بمقتضاه القانون السابق عليه، إلا أن استثمار الأموال العربية والأجنبية ظل لازماً لتحقيق خطة التنمية – سواء في مجال أولوياتها أو على ضوء أهدافها – وعلى الأخص كلما كان الاستثمار متطلباً في المجالات التي حددها هذا القانون، ويندرج تحتها ما يكون مرتبطاً منها بالتقدم الصناعي، أو التطوير السياحي أو باستصلاح واستزراع الأراضي والإسكان والتعمير. بل إن هذا القانون، تضمن حكمين متكاملين، هما المنصوص عليهما في المادتين 6 و9 التي تكفل أولاهما للمشروعات الخاضعة لأحكام هذا القانون – وأياً كان جنسية مالكيها أو محال إقامتهم – تمتعها بالضمانات والمزايا والإعفاءات التي حددها هذا القانون، مع جواز إضافة مزايا أخرى غيرها بقرار من مجلس الوزراء وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام. كما تحظر ثانيتهما فرض أية أعباء أو التزامات أو غيرها على هذه المشروعات تخل بمبدأ المساواة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التي تعمل في النشاط ذاته، والتي تنشأ خارج نطاق هذا القانون، وعلى أن يتم تحقيق هذه المساواة بصورة تدريجية على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية؛ وتُفصل المادة 9 من اللائحة التنفيذية المشار إليها، هذه القاعدة ذاتها بقولها “لا يجوز عند تحديد الأسعار الجديدة أو تعديل الأسعار القائمة للخامات والمواد الأولية والمواد البترولية والطاقة الكهربائية وغيرها من مستلزمات التشغيل للمشروعات، الإخلال بالمساواة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التي تنشأ خارج نطاق هذا القانون وتباشر ذات النشاط؛ كما لا يجوز فرض أية أعباء أو التزامات مالية إضافية أو غيرها على المشروعات بالزيادة عن المقرر منها بالنسبة لمشروعات القطاع الخاص المشار إليها، وتتم تدريجياً المساواة في الأسعار والأعباء، والالتزامات المالية المبينة في الفقرتين السابقتين بين المشروعات ومشروعات القطاع الخاص المذكورة، وذلك بقرارات من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير وبعد موافقة مجلس الإدارة”.
وحيث إنه ولئن كان المشرع قد أصدر بعد ذلك قانون ضمانات وحوافز الاستثمار بالقانون رقم 8 لسنة 1997 ملغياً بنص مادته الرابعة القانون رقم 230 لسنة 1989 المشار إليه، إلا أنه قد تضمن في مادته الثانية – التي عمل بها اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره في 11/ 5/ 1997 – النص على ألا “تخل أحكامه بالمزايا والإعفاءات الضريبية وغيرها من الضمانات والحوافز المقررة للشركات والمنشآت القائمة وقد العمل به، وتظل هذه الشركات والمنشآت محتفظة بتلك المزايا والإعفاءات والضمانات والحوافز إلى أن تنتهي المدد الخاصة بها، وذلك طبقاً للتشريعات والاتفاقيات المستمدة منها” فدل بذلك على حرصه على استمرار شركات الاستثمار في الاحتفاظ بكافة المزايا التي سبق تقريرها لها في التشريعات السابقة على القانون رقم 8 لسنة 1997 المشار إليه.
وحيث إن البين من كل ما تقدم، أن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار رءوس الأموال العربية والأجنبية، غايتها استثارة اهتمام أصحابها بأوضاع الاستثمار في مصر، لضمان تدفقها إليها، ودون ما قيود قد ينوء بها نشاطها، فلا يكون بقاء هذه الأموال في مصر مجدياً، مما يؤدي إلى إعادة تصديرها منها.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذي أرساه الدستور بنص المادة 40 منه – بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعي – لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وإنما يتعلق كذلك بما يكون منها قد تقرر بقانون في حدود السلطة التقديرية التي يملكها المشرع. فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. وكلما كفل المشرع لمشروعات بذواتها مزايا تفضيلية قدر ضرورتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رءوس الأموال الوافدة إلى مصر، وكان أصحابها قد قدروا عائد استثمار هذه الأموال فيها على ضوء هذه المزايا، فإنها تغدو حقوقاً لا يجوز تهوينها، ولا موازنتها بأعباء تحد منها.
وحيث إن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون يتحقق بأي عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أياً من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايراً في المعاملة ما لم يكن مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفاً منافياً لمبدأ المساواة، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها. ولا يتصور بالتالي أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التي يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالي أن يكون التقدير الموضوعي لمعقولية التقسيم التشريعي منفصلاً كلية عن الإغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميماً مجاوزاً نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها.
وحيث إن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التي يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور؛ وقد تخل الآثار التي يحدثها التمييز – من حين مداها – بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها، ويعتبر التمييز غير مغتفر في هاتين الحالتين كلتيهما، بل ربما كان التمييز أكثر خطراً في الصورة الثانية التي يبدو فيها النص التشريعي المطعون فيه محايداً في مظهره، مخالفاً للدستور في أثره.
وحيث إن المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية لم يُدخلها المشرع في اعتباره – بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز القانوني إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانوني عنها، أن تكون قيداً عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التي ربطها بوجوده، إذ هي كامنة فيه، فلا يجوز نقضها.
وحيث إن القول بأن المزايا التي كفلها المشرع للمشروعات الخاضعة لنظام الاستثمار؛ تعطيها مركزاً واقعياً شديد التميز يسوغ الرجوع عنها، من خلال موازنتها بأعباء جديدة يفرضها عليها: مردود أولاً: بأن تقرير هذه المزايا يتصل بضمان تدفق رءوس الأموال العربية والأجنبية إلى مصر لتمويل قاعدة أعرض للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى ضوء تنوع هذه المزايا وأبعادها، تُحدد رءوس الأموال العربية والأجنبية موقفها من الاستثمار فيها، فإذا أتت إليها بعد اعتمادها على ذلك المزايا، فإن تقليصها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها، لا يكون جائزاً، وعلى الأخص كلما كان من شأن الأعباء التي فرضها المشرع على المشروعات الاستثمارية، إرهاق نشاطها، فلا يكون تنافسها متكافئاً مع غيرها ممن يباشرون معها – وإلى جانبها – ذات مجال نشاطها.
ومردود ثانياً: بأن معدل تدفق الاستثمار في بلد معين، يرتبط بالتدابير التي تتخذها وتؤثر في مداه فكلما كان من شأنها اعتصار عائده، أو فرض أوضاع جديدة لا يكون معها مجزياً، كان ذلك مؤثراً في مجراه، أو مشككاً في جدواه.
ومردود ثالثاً: بأن مؤدى القرارين المطعون فيهما، التمييز في الأعباء بين الشركات التي يحكمها قانون الاستثمار، وتلك التي تخرج عن مجال تطبيق هذا القانون، وذلك في مجال القواعد التي فُرضت لمحاسبة كل منها عن استهلاكه من المياه. فعلى نقيض أولاها التي تُحمل بالسعر المرتفع، فإن ثانيتهما لا تتقيد بغير السعر المنخفض، ويعتبر هذا التمييز – بمحتواه – مقصوداً، ومخالفاً بالتالي للدستور في أثره.
ومردود رابعاً: بأن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار الأموال العربية والأجنبية، هي علة وجودها في مصر، وهي التي حركتها من مواقعها في بلدانها، فلا يجوز نقضها أو تقييدها بعد أن تعلق الاستثمار بها.
ومردود خامساً: بأن القول بأن المزايا التفضيلية التي ربطها المشرع باستثمار رءوس الأموال العربية والأجنبية، ينبغي مقابلتها ببعض الأعباء التي توازنها، مؤداه أن المزايا التي قدر المشرع ضرورتها لتدفق هذه الأموال لمصر، جاوزت حدودها المنطقية، وهو ما لا دليل عليه، بعد أن كفلتها قوانين الاستثمار على تعاقبها دون انتقاص منها، وبما لا يجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام، وكان القراران المطعون فيهما – بالأعباء التي فرضاها – قد انتقصا من عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية عن طريق الأسعار الأعلى التي ألزماهما بأدائها عن استهلاكها من المياه، فإنهما يتمحضان عدواناً على الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32 و34 من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن القرارين المطعون فيهما يكونان مخالفين للمواد 32 و34 و40 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية قراري محافظ الإسكندرية رقم 274 لسنة 1991 و33 لسنة 1995، فيما تضمناه من زيادة تعريفة بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحلات التجارية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية