الخط الساخن : 01118881009
جلسة 14 أبريل سنة 2002
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي والدكتور حنفي علي جبالي وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (50)
القضية رقم 198 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها: توافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 – تشريع “القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزاع ملكية العقارات للمنفعة العامة قبل إلغائه بالقانون رقم 10 لسنة 1990، والقانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل التحسين على العقارات. نهائية الأحكام والقرارات الصادرة في المنازعات المتعلقة بهما”.
تماثل المراكز القانونية الناشئة عن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، والقانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل التحسين. أثره: توحيد إجراءات نظر المنازعات في تطبيق أحكامها، نهائية الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية بالنسبة للقانون الأول، وكذلك قرارات لجان تقدير مقابل التحسين في القانون الثاني. إلغاء القانون قم 577 لسنة 1954 بالقانون 10 لسنة 1990. سريان أحكام قانون المرافعات على منازعات تقدير قيمة تعويضات نزع الملكية. مؤداه: جواز استئناف أحكام المحكمة الابتدائية في هذا الشأن.
3 – حق التقاضي. “مساواة: عدم التمايز: الطعن في قرار مقابل التحسين عن أعمال المنفعة العامة”.
الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فاعلية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعمونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها. وحدة الموضوع في القانونين رقمي 222 لسنة 1955، 577 لسنة 1954، وتعلقها في الحالتين بتقدير قيمة العقارات، أثره: تبني المشرع إجراءات متماثلة في أحكامهما، عدوله عن تلك الإجراءات بالنسبة للقانون رقم 577 لسنة 1954 دون القانون رقم 222 لسنة 1955. مؤداه: تمييز فئة من التقاضي عن فئة أخرى رغم وحدة الموضوع الذي يتقاضون فيه، وإخلال بمبدأ المساواة في حق التقاضي.
1 – حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة لنظرها، لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية، وكان المدعي قد استهدف بنزاعه الموضوعي تمكينه من الطعن على قرارات لجنة الفصل في الطعون على قرارات تقدير مقابل التحسين على العقارات بسبب ما يطرأ عليها من تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة، وهو طعن غير جائز وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة، والذي أسبغ صفة النهاية على أعمال هذه اللجنة، فإنه بذلك تكون قد توافرت للمدعي مصلحة شخصية في رفع دعواه الدستورية بالطعن على نص الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة المشار إليه.
2 – حيث إن البين من استعراض أحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، والذي كان معاصراً لصدور القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل التحسين على العقارات، أن المراكز القانونية الناشئة عن المنازعات الخاضعة لأحكام هذين القانونين تبدو متماثلة، ذلك أن كلا القانونين يتعلقان بتقدير قيمة العقارات، وصولاً إلى أداء هذه القيمة للملاك حال نزع ملكيتهم للمنفعة العامة، أو لتقدير ما زاد في قيمة تلك العقارات بسبب أعمال المنفعة العامة، بل إن هذا التماثل يبدو أكثر وضوحاً فيما كان ينص عليه القانون رقم 577 لسنة 1954 المشار إليه، في المواد من (19) إلى (21) من ضرورة خصم مقابل التحسين من التعويض المقدر عن نزاع الملكية، ومن ثم فإن المنظومة الإجرائية للمنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذين القانونين كانت تبدو كذلك متطابقة، فقد كان المشرع يجيز الطعن في قرارات لجنة الفصل في المعارضات الخاصة بالتعويضات عن نزع الملكية أمام المحكمة الابتدائية الكائنة بدائرتها العقارات المنزوع ملكيتها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان هذه القرارات، ويكون حكمها نهائياً غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، كما هو الشأن بخصوص الطعن في قرارات لجان تقدير مقابل التحسين وفقاً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة المطعون عليها، وقد كان رائد المشرع فيما استند إليه من قواعد إجرامية موحدة تنتظم إجراءات التقاضي في المنازعات المتعلقة بتطبيق القانونين المشار إليهما – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذين القانونين – بجانب كفالة حقوق ذوي الشأن، سرعة الفصل في هذه المنازعات بإجراءات مبسطة حاسمة، لتيسير الحاجة الملحة إلى تحقيق ثمرات المشروعات العامة للبلاد في أسرع وقت ممكن.
وحيث إن المشرع وقد قدر بنفسه إلغاء القانون رقم 577 لسنة 1954 بالقانون رقم 10 لسنة 1990، ونص في المادة (9) منه على حق كل من الجهة طالبة نزع الملكية وذوي الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق في الطعن على قرارات تقدير التعويض عن نزاع الملكية أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقارات أو المنشآت، وبرفع الطعن وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات، ومن ثم فقد صار من الجائز استئناف الأحكام التي تصدرها المحاكم الابتدائية في تلك الطعون وفقاً للقواعد العامة لاستئناف الأحكام القضائية.
3 – حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاد إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها، أو استئدائها أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها. إذ كان ذلك، وكانت وحدة الموضوع في القانونين 222 لسنة 1955، 577 لسنة 1954، وتعلقها في الحالتين بتقدير قيمة العقارات لأداء مقابل لقيمتها أو إستئداء مقابل عن زيادة قيمتها، قد قادت المشرع عند إصداره لهما في تعاصر زمني شديد إلى تبنيه لإجراءات متماثلة نصت عليها أحكامهما، فإن عدول المشرع عما نص عليه من إجراءات في شأن القانون رقم 577 لسنة 1954، بإلغائه لأحكامه وإحلال القانون رقم 10 لسنة 1990 محله، منتهجاً منهجاً جديداً في شأن الطعن على قرارات لجان تقدير التعويض عن نزاع الملكية، بجعله المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقارات هي الجهة التي يطعن أمامها، ووفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، بما يفتح المجال للطعن على أحكامها أمام محاكم الاستئناف، إذ كان المشرع قد فعل ذلك، تاركاً الأمر في شأن الطعن على تقدير العقارات في شأن مقابل التحسين على حالة السابق مقتصراً على مرحلة واحدة يكون الطعن فيها أمام اللجنة المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون 222 لسنة 1955، ولتصدر هذه اللجنة قرارات نهائية غير قابلة للطعن عليها أمام القضاء وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة منها بالرغم من تماثل المركز القانوني لأصحاب الحق في الطعن في الحالتين حيث كلاهما يتعلق طعنه بتقدير لقيمة عقاره ينبني على سلطة تقديرية للجنة الإدارية المنوط بها إجراء هذا التقدير، فإن هذا التباين في الحكم يكون قد خلق تمييزاً لفئة من المتقاضين عن فئة أخرى بالرغم من وحدة الموضوع الذي يتقاضون فيه، كما انطوى على إخلال بأصول القواعد الإجرائية لحق التقاضي، وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي، بما يوقع النص الطعين في حمأة مخالفة أحكام المادتين (40، 68) من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ العشرين من أكتوبر سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (8) من القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن لجنة تقدير مقابل التحسين بمحافظة القاهرة قدرت مقابل التحسين المستحق على العقارات المملوك للمدعي بمبلغ 40200 جنيهاً، وإذ طعن الأخير على هذا التقدير أمام لجنة الطعون بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية ورفضت هذه اللجنة طعنه، فقد أقام الدعوى رقم 615 لسنة 43 “قضائية” أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة “دائرة منازعات الأفراد” بطلب الحكم بإلغاء قرار لجنة الطعون المشار إليها، فقضت تلك المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى. فأقام المدعي الدعوى رقم 5175 لسنة 1994 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم ببراءة ذمته من المبلغ المطالب به كمقابل تحسين، وإذ قضت تلك المحكمة برفض الدعوى، فقد طعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 2183 لسنة 115 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع المدعي بعدم دستورية المادة الثامنة من القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة ينص في المادة (1) منه على أن “يفرض في المدن والقرى التي بها مجالس بلدية مقابل تحسين على العقارات المبنية والأراضي التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة. ويتولى كل مجلس في دائرة اختصاصه تحصيل هذا المقابل ويكون مورداً من موارده”. كما عقدت المادة (6) من ذات القانون الاختصاص بتقدير قيمة العقار قبل وبعد التحسين، للجنة إدارية حدد النص كيفية تشكيلها، وأجازت المادة (7) الطعن في قرارات هذه اللجنة أمام اللجنة المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون، وهي المطعون عليها ويجرى نصها بالآتي:
“مادة 8 – تفصل في الطعون لجنة تؤلف في كل مديرية أو محافظة من:
(1) رئيس المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار أو وكيلها رئيساً.
مراقب المراقبة الإقليمية بوزارة الشئون البلدية والقروية الواقع في دائرتها العقار أو من ينوب عنه عضواً.
مفتش المساحة أو من ينوب عنه عضواً.
مفتش المالية أو من ينوب عنه عضواً.
عضوين من أعضاء المجلس البلدي المختص يختارهما رئيس المجلس من غير أعضائه المعينين بحكم وظائفهم عضواً.
ويحل محل مراقب المراقبة الإقليمية لوزارة الشئون البلدية والقروية في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد مدير المجلس البلدي المختص أو من ينوب عنه. وفي المحافظات الأخرى مهندس يندبه وزير الشئون البلدية والقروية – كما يحل رئيس القسم المالي أو من ينوب عنه في جميع المحافظات محل مفتش المالية.
ولا يجوز أن يشترك في عضوية اللجنة من تكون له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة أو لمن يكون وكيلاً عنه أو وصياً أو قيماً عليه مصلحة في التقدير. وكذلك من يكون قد سبق له الاشتراك في أعمال لجنة التقدير.
وتفصل هذه اللجنة في الطعون في ميعاد لا يجاوز شهراً من تاريخ ورودها إليه وتكون قراراتها نهائية”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل على المسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة لنظرها، لازماً للفصل فيما يرتبط من الطلبات الموضوعية، وكان المدعي قد استهدف بنزاعه الموضوعي تمكينه من الطعن على قرارات لجنة الفصل في الطعون على قرارات تقدير مقابل التحسين على العقارات بسبب ما يطرأ عليها من تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة، وهو طعن غير جائز وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة المشار إليها والذي أسبغ صفة النهاية على أعمال هذه اللجنة، فإنه بذلك تكون قد توافرت للمدعي مصلحة شخصية في رفع دعواه الدستورية بالطعن على نص الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة المشار إليه.
وحيث إن المدعي ينعي على النص الطعين – محدداً نطاقه على نحو ما تقدم – حرمانه من حق التقاضي على درجتين، ومن ثم مخالفة نص المادة (68) من الدستور التي تكفل حقه في التقاضي.
وحيث إن البين من استعراض أحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، والذي كان معاصراً لصدور القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل التحسين على العقارات، أن المراكز القانونية الناشئة عن المنازعات الخاضعة لأحكام هذين القانونين تبدو متماثلة، ذلك أن كلا القانونين يتعلقان بتقدير قيمة العقارات، وصولاً إلى أداء هذه القيمة للملاك حال نزع ملكيتهم للمنفعة العامة، أو لتقدير ما زاد في قيمة تلك العقارات بسبب أعمال المنفعة العامة، بل إن هذا التماثل يبدو أكثر وضوحاً فيما كان ينص عليه القانون رقم 577 لسنة 1954 المشار إليه، في المواد من (19) إلى (21) من ضرورة خصم مقابل التحسين من التعويض المقدر عن نزاع الملكية، ومن ثم فإن المنظومة الإجرائية للمنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذين القانونين كانت تبدو كذلك متطابقة، فقد كان المشرع يجيز الطعن في قرارات لجنة الفصل في المعارضات الخاصة بالتعويضات عن نزع الملكية أمام المحكمة الابتدائية الكائنة بدائرتها العقارات المنزوع ملكيتها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان هذه القرارات، ويكون حكمها نهائياً غير جائز الطعن فيه بالاستئناف، كما هو الشأن بخصوص الطعن في قرارات لجان تقدير مقابل التحسين وفقاً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة المطعون عليها، وقد كان رائد المشرع فيما استند إليه من قواعد إجرائية موحدة تنتظم إجراءات التقاضي في المنازعات المتعلقة بتطبيق القانونين المشار إليهما – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذين القانونين – بجانب كفالة حقوق ذوي الشأن – سرعة الفصل في هذه المنازعات بإجراءات مبسطة حاسمة، لتيسير الحاجة الملحة إلى تحقيق ثمرات المشروعات العامة للبلاد في أسرع وقت ممكن.
وحيث إن المشرع – وقد قدر بنفسه، إلغاء القانون رقم 577 لسنة 1954 بالقانون رقم 10 لسنة 1990، ونص في المادة (9) منه على حق كل من الجهة طالبة نزع الملكية وذوي الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق في الطعن على قرارات تقدير التعويض عن نزع الملكية أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقارات أو المنشآت، وبرفع الطعن وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات، ومن ثم فقد صار من الجائز استئناف الأحكام التي تصدرها المحاكم الابتدائية في تلك الطعون وفقاً للقواعد العامة لاستئناف الأحكام القضائية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاد إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها، أو استئدائها أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها. إذ كان ذلك، وكانت وحدة الموضوع في القانونين 222 لسنة 1955، 577 لسنة 1954، وتعلقها في الحالتين بتقدير قيمة العقارات لأداء مقابل لقيمتها أو استئداء مقابل عن زيادة قيمتها، قد قادت المشرع عند إصداره لهما في تعاصر زمني شديد إلى تبنيه لإجراءات متماثلة نصت عليها أحكامهما، فإن عدول المشرع عما نص عليه من إجراءات في شأن القانون رقم 577 لسنة 1954، بإلغائه لأحكامه وإحلال القانون رقم 10 لسنة 1990، محله، منتهجاً منهجاً جديداً في شأن الطعن على قرارات لجان تقدير التعويض عن نزع الملكية، بجعله المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار هي الجهة التي يطعن أمامها، ووفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، بما يفتح المجال للطعن على أحكامها أمام محاكم الاستئناف إذ كان المشرع قد فعل ذلك، تاركاً الأمر في شأن الطعن على تقدير العقارات في شأن مقابل التحسين على حالة السابق مقتصراً على مرحلة واحدة يكون الطعن فيها أمام اللجنة المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون 222 لسنة 1955، ولتصدر هذه اللجنة قرارات نهائية غير قابلة للطعن عليها أمام القضاء وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة منها بالرغم من تماثل المركز القانوني لأصحاب الحق في الطعن في الحالتين حيث كلاهما يتعلق طعنه بتقدير لقيمة عقاره ينبني على سلطة تقديرية للجنة الإدارية المنوط بها إجراء هذا التقدير، فإن هذا التباين في الحكم يكون قد خلق تمييزاً لفئة من المتقاضين عن فئة أخرى بالرغم من وحدة الموضوع الذي يتقاضون فيه، كما انطوى على إخلال بأصول القواعد الإجرائية لحق التقاضي، وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي، بما يوقع النص الطعين في حمأة مخالفة أحكام المادتين (40، 68) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة فيما تضمنه من نهائية قرار لجان الطعن، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنية مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية