الخط الساخن : 01118881009
جلسة 2 نوفمبر سنة 2003
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين وإلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (6)
القضية رقم 187 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
2 – إيجار “تنظيم خاص – حرية التعاقد”.
الإجارة تظل – حتى مع وجود هذا التنظيم الخاص – تصرفاً قانونياً ناشئاً عن حرية التعاقد وهي أحد روافد الحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة (41) منه، فوق كونها متفرعة كذلك عن حق الملكية المكفول بنص المادتين (32، 34) من الدستور، لتحيطها من جوانبها المختلفة المبادئ التي أقامها الدستور صوناً للحقوق والحريات التي احتضنها، وقيداً على كل تنظيم يتناول أياً منها أو يمسها في أحد عناصرها.
3 – علائق إيجارية “قيود استثنائية – الإخلال بمبدأ المساواة – “التضامن الاجتماعي”.
النص الطعين جاء متبنياً تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة (40) من الدستور، لا يستند إلى أسس موضوعية، ذلك أنه اختص فئة المستأجرين لوحدات سكنية مفروشة المخاطبين بأحكامه، بحقوق حجبها عن أقرانهم مستأجري الوحدات السكنية مفروشة المخاطبين بأحكام ذات القانون وهو القانون رقم 49 لسنة 1977، ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981، كما حمل هذا النص مؤجري الوحدات السكنية الخاضعة لأحكامه بأعباء والتزامات خلال فترة الامتداد القانوني للعقد لا يتحملها غيرهم من مؤجري الوحدات المفروشة الأخرى، أخصها حرمانهم من مكنة إنهاء العلاقة الإيجارية بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد، بل وضمن المشرع النص الطعين استثناء أجاز بمقتضاه لمؤجري الوحدات السكنية مفروشة بسبب الإقامة في الخارج طلب إخلائها عند عودتهم النهائية، حال كونهم جميعاً مستأجرين ومؤجرين لوحدات سكنية مفروشة، تتماثل العلاقة القانونية التي تربطهم في طبيعتها وتتحد في جوهرها – جاوز النص – بذلك – نطاق التضامن والتكافل الاجتماعي الذي أقام عليهما الدستور – بنص المادة (7) منه – بنيان المجتمع، وخرج في هذا الخصوص بالملكية عن نطاق وظيفتها الاجتماعية التي حرص الدستور على توكيدها في المادتين 32، 34 منه.
1 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكانت غاية المدعي هي رد طلب المدعى عليه الخامس إلزامه بتحرير عقد إيجار مفروش عن شقة النزاع بذات شروط عقد الإيجار المفروش المؤرخ 1/ 6/ 1972، وإلغاء الحكم الصادر بجلسة 26/ 11/ 1997 في الدعوى رقم 3129 لسنة 1990 المشار إليها والقاضي بإلزامه بتحرير ذلك العقد، استناداً لنص الفقرة الأولى من المادة 46 المطعون فيها، وبالتالي فإن الفصل في مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها وقضاء محكمة الموضوع فيها، ومن ثم تتوافر للمدعي المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن على ذلك النص.
2 – حيث إن القيود التي فرضها المشرع على الإجارة، واقتضتها أزمة الإسكان وحدة ضغوطها، وضرورة التدخل لمواجهتها بتدابير استثنائية، تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وقد أصابها هذا التنظيم الخاص في كثير من جوانبها، مقيداً عمل الإرادة في مجالها، وعلى الأخص في مجال امتداد العقد بقوة القانون، كما هو الحال في النص الطعين، إلا أن الإجارة تظل – حتى مع وجود هذا التنظيم الخاص – تصرفاً قانونياً ناشئاً عن حرية التعاقد وهي أحد روافد الحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة (41) منه، فوق كونها متفرعة كذلك عن حق الملكية المكفول بنص المادتين (32، 34) من الدستور، لتحيطها من جوانبها المختلفة المبادئ التي أقامها الدستور صوناً للحقوق والحريات التي احتضنها، وقيداً على كل تنظيم يتناول أيَّاً منها أو يمسها في أحد عناصرها.
3 – من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبذلك غدا مبدأ المساواة قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ أصحابها من خلالها أمام القانون، والمرجع في موضوعية هذه الشروط هو اتصال النصوص التي ترتبها، بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلاً بها، وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها، وأن تأتي تلك الشروط ترجمة حقيقية وغير منتحلة لكل ذلك. لما كان ذلك وكان لا شبهة في أن المشرع قد عمد بالنص الطعين إلى تقرير معاملة متميزة، وامتداداً قانونياً استثناء من القواعد العامة في إنهاء عقود الإيجار المفروش بانتهاء مدتها، وذلك لصالح طائفة من المستأجرين هم أولئك الذين يتوافر فيهم شرط استمرار سكنى العين المؤجرة مفروشة مدة خمس سنوات متصلة سابقة على 9/ 9/ 1977 تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977، وهو شرط لم يكن مقرراً من قبل في القانون رقم 52 لسنة 1969 المشار إليه – كما أنه يستقل بأحكامه عما نص عليه أمر نائب الحاكم العسكري العام رقم 4 لسنة 1976 والذي ألغى بمقتضى نص المادة (86) من القانون رقم 49 لسنة 1977 – ولا متصلاً بمتطلبات قيام العلاقة الإيجارية للأماكن المفروشة عند إبرامها بين أطرافها وغير متفق مع طبيعتها، بل أقحم عليها في مباغتة ومداهمة لم يكن في مكنة أطرافها توقعه، كما لا تظاهره ضرورة حقيقية تسوغه وتكون علة لتقريره، ومناطاً لمشروعيته، ليغدو معه النص الطعين متبنياً تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة (40) من الدستور، لا يستند إلى أسس موضوعية، ذلك أنه اختص فئة المستأجرين لوحدات سكنية مفروشة المخاطبين بأحكامه، بحقوق حجبها عن أقرانهم مستأجري الوحدات السكنية مفروشة المخاطبين بأحكام ذات القانون وهو القانون رقم 49 لسنة 1977، ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981، كما حمل هذا النص مؤجري الوحدات السكنية الخاضعة لأحكامه بأعباء والتزامات خلال فترة الامتداد القانوني للعقد لا يتحملها غيرهم من مؤجري الوحدات المفروشة الأخرى، أخصها حرمانهم من مكنة إنهاء العلاقة الإيجارية بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد، بل وضمن المشرع النص الطعين استثناء أجاز بمقتضاه لمؤجري الوحدات السكنية مفروشة بسبب الإقامة في الخارج طلب إخلائها عند عودتهم النهائية، حال كونهم جميعاً مستأجرين ومؤجرين لوحدات سكنية مفروشة، تتماثل العلاقة القانونية التي تربطهم في طبيعتها وتتحد في جوهرها، فضلاً عن أنهم جميعاً يواجهون ذات المشكلة التي دفعت إلى سن النص الطعين وهي مشكلة الإسكان، وبالتالي تتماثل مراكزهم القانونية في هذا الشأن، بما يوجب ضماناً للتكافؤ في الحقوق والالتزامات بينهم أن تنتظم قواعد موحدة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بينهم من أي نوع، ومن ثم فإن إقامة النص الطعين ذلك التمييز التحكمى بين الطوائف المتقدمة يكون مصادماً لمبدأ المساواة الذي فرضته المادة (40) من الدستور، كما يجاوز هذا النص – بذلك – نطاق التضامن والتكافل الاجتماعي الذي أقام عليهما الدستور – بنص المادة (7) منه – بنيان المجتمع، ويعد خروجاً في هذا الخصوص بالملكية عن نطاق وظيفتها الاجتماعية التي حرص الدستور على توكيدها في المادتين 32، 34 منه.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً للمواد 7، 32، 34، 40، 41 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 3 من أكتوبر 1998 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 46 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 3129 لسنة 1990 كلي مساكن أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعي، بطلب الحكم بإلزامه بتحرير عقد إيجار عن الشقة رقم (1) الكائنة بالدور الأرضي خلف رقم (15) طريق جمال عبد الناصر قسم المنتزه الإسكندرية، بقيمة إيجارية مقدارها جنيهان، على سند من أنه استأجر الشقة محل التداعي من المدعي بموجب عقد إيجار مفروش مؤرخ 1/ 6/ 1972، وأن هذا العقد امتد بقوة القانون طبقاً لنص المادة (46) من القانون رقم 49 لسنة 1977، بعد أن استمر شاغلاً للعين لمدة تزيد على خمس سنوات سابقة على صدور القانون المشار إليه، كما أقام المدعي الدعوى رقم 3277 لسنة 1990 كلي مساكن أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعى عليه الخامس، طالباً الحكم بإنهاء عقد الإيجار المفروش المؤرخ 1/ 1/ 1985، وتسليمه العين محل النزاع بحالتها وقت التعاقد، قولاً منه بأنه قام بتأجير الشقة المذكورة إلى المدعى عليه الخامس مفروشة بموجب عقد حرر في 1/ 1/ 1985، وأنه أنذر المستأجر بتاريخ 1/ 9/ 1990 بعدم رغبته في تجديد العقد، إلا أنه لم يمتثل لذلك، مما دعاه إلى إقامة دعواه سالفة الذكر، ابتغاء الحكم له بطلباته المتقدمة، وقررت المحكمة ضم الدعويين المشار إليهما للارتباط، وقد طعن المدعى عليه الخامس بالتزوير على العقد المؤرخ 1/ 1/ 1985، وبجلسة 29/ 1/ 1997 قضت المحكمة برد وبطلان العقد المشار إليه لتزويره، وتأسيساً على ذلك قضت المحكمة بجلسة 30/ 7/ 1997 برفض الدعوى رقم 3277 لسنة 1990، كما قضت بجلسة 26/ 11/ 1997 في الدعوى رقم 3129 لسنة 1990 بإلزام المدعى عليه (المدعي في الدعوى الماثلة) بتحرير عقد إيجار للمدعي (المدعى عليه الخامس في الدعوى الراهنة) عن الشقة محل التداعي بذات الشروط المنصوص عليها بعقد الإيجار المفروش المؤرخ 1/ 6/ 1972، وإذ لم يرتض المدعي هذا القضاء فقد طعن عليه أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئنافين رقمي 1997 لسنة 53 قضائية، 32 لسنة 54 قضائية، وبجلسة 1/ 6/ 1998 قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط، وقد ضمن المدعي صحيفة استئنافه رقم 32 لسنة 54 قضائية دفعاً بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 46 من القانون رقم 49 لسنة 1977، ثم عاد وتمسك بهذا الدفع أثناء نظر الاستئنافين بجلسة 2/ 8/ 1998، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكانت غاية المدعي هي رد طلب المدعى عليه الخامس إلزامه بتحرير عقد إيجار مفروش عن شقه النزاع بذات شروط عقد الإيجار المفروش المؤرخ 1/ 6/ 1972، وإلغاء الحكم الصادر بجلسة 26/ 11/ 1997 في الدعوى رقم 3129 لسنة 1990 المشار إليها والقاضي بإلزامه بتحرير ذلك العقد، استناداً لنص الفقرة الأولى من المادة 46 المطعون فيها، وبالتالي فإن الفصل في مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها وقضاء محكمة الموضوع فيها، ومن ثم تتوافر للمدعي المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن على ذلك النص.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد 7، 32، 34، 40 من الدستور، على سند من أن هذا النص بتقريره الامتداد القانوني لعقد الإيجار المفروش مال بالميزان وتحيز لفئة المستأجرين، كما قرر لهم سلطة أبدية على العين وما بها من منقولات، وحرم المؤجرين من استغلالها، بما يُعد إهداراً لحقهم في الملكية في أهم عناصره، ومساساً بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وإهداراً لحرية المتعاقدين في تحديد شروط عقودهم خاصة من حيث المدة والمقابل.
وحيث إن تقصي التطور الذي طرأ على التنظيم القانوني لعقود إيجار الأماكن مفروشة عبر مراحله المختلفة، يبين منه أن المشرع بدءاً من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، حرص على إخراج تلك العقود من حكم الامتداد القانوني الذي كان مقرراً بمقتضى نص المادة (2) من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، فنص صراحة في المادة (23) من القانون رقم 52 لسنة 1969 على عدم سريان الامتداد القانوني عليها، بحيث تنتهي هذه العقود بنهاية مدتها المتفق عليها، وقد أكد المشرع هذا المنحى بتضمين نص المادة (31) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، ومن بعدها المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر حكماً مماثلاً، غير أن المشرع وخروجاً على هذا الأصل أورد المادة 46 من القانون رقم 49 لسنة 1977 التي تنص الفقرة الأولى منها وهي المطعون فيها على أنه “يحق للمستأجر الذي يسكن في عين استأجرها مفروشة من مالكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون البقاء في العين ولو انتهت المدة المتفق عليها وذلك بالشروط المنصوص عليها في العقد، ولا يجوز للمؤجر طلب إخلائه إلا إذا كان قد أجرها بسبب إقامته في الخارج وثبتت عودته نهائياً أو إذا أخل المستأجر بأحد التزاماته وفقاً لأحكام البنود (أ، ب، ج، د) من المادة (31) من هذا القانون. “ومؤدى هذا النص أن المشرع تدخل بقاعدة آمرة فرض بموجبها امتداداً قانونياً لعقود إيجار الوحدات السكنية التي استأجرت مفروشة من ملاكها لمدة خمس سنوات متصلة سابقة على تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 في 9/ 9/ 1977، بذات الشروط المنصوص عليها في عقد الإيجار، كما حصر المشرع طلب إخلاء المستأجر في هذه الحالة في ذات الأسباب المسوغة لإخلاء مستأجري الأماكن خالية والمقررة بالبنود (أ، ب، ج، د) من المادة (31) من القانون المشار إليه، والتي حلت محلها المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981.
وحيث إن القيود التي فرضها المشرع على الإجارة، واقتضتها أزمة الإسكان وحدة ضغوطها، وضرورة التدخل لمواجهتها بتدابير استثنائية، تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وقد أصابها هذا التنظيم الخاص في كثير من جوانبها، مقيداً عمل الإرادة في مجالها، وعلى الأخص في مجال امتداد العقد بقوة القانون، كما هو الحال في النص الطعين، إلا أن الإجارة تظل – حتى مع وجود هذا التنظيم الخاص – تصرفاً قانونياً ناشئاً عن حرية التعاقد وهي أحد روافد الحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة (41) منه، فوق كونها متفرعة كذلك عن حق الملكية المكفول بنص المادتين (32، 34) من الدستور، لتحيطها من جوانبها المختلفة المبادئ التي أقامها الدستور صوناً للحقوق والحريات التي احتضنها، وقيداً على كل تنظيم يتناول أيَّاً منها أو يمسها في أحد عناصرها، وفى مقدمة هذه المبادئ مبدأ المساواة أمام القانون، الذي أفرد له الدستور المادة (40) منه، وصدر بها بابه الثالث الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة، والتي تنص على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة” وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبذلك غدا مبدأ المساواة قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ أصحابها من خلالها أمام القانون، والمرجع في موضوعية هذه الشروط هو اتصال النصوص التي ترتبها، بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلاً بها، وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها، وأن تأتى تلك الشروط ترجمة حقيقية وغير منتحلة لكل ذلك. لما كان ذلك وكان لا شبهة في أن المشرع قد عمد بالنص الطعين إلى تقرير معاملة متميزة، وامتداداً قانونياً استثناء من القواعد العامة في إنهاء عقود الإيجار المفروش بانتهاء مدتها، وذلك لصالح طائفة من المستأجرين هم أولئك الذين يتوافر فيهم شرط استمرار سكنى العين المؤجرة مفروشة مدة خمس سنوات متصلة سابقة على 9/ 9/ 1977 تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977، وهو شرط لم يكن مقرراً من قبل في القانون رقم 52 لسنة 1969 المشار إليه – كما أنه يستقل بأحكامه عما نص عليه أمر نائب الحاكم العسكري العام رقم 4 لسنة 1976 والذي ألغى بمقتضى نص المادة (86) من القانون رقم 49 لسنة 1977 – ولا متصلاً بمتطلبات قيام العلاقة الإيجارية للأماكن المفروشة عند إبرامها بين أطرافها وغير متفق مع طبيعتها، بل أقحم عليها في مباغتة ومداهمة لم يكن في مكنة أطرافها توقعه، كما لا تظاهره ضرورة حقيقية تسوغه وتكون علة لتقريره، ومناطاً لمشروعيته، ليغدو معه النص الطعين متبنياً تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة (40) من الدستور، لا يستند إلى أسس موضوعية، ذلك أنه اختص فئة المستأجرين لوحدات سكنية مفروشة المخاطبين بأحكامه، بحقوق حجبها عن أقرانهم مستأجري الوحدات السكنية مفروشة المخاطبين بأحكام ذات القانون وهو القانون رقم 49 لسنة 1977، ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981، كما حمل هذا النص مؤجري الوحدات السكنية الخاضعة لأحكامه بأعباء والتزامات خلال فترة الامتداد القانوني للعقد لا يتحملها غيرهم من مؤجري الوحدات المفروشة الأخرى، أخصها حرمانهم من مكنة إنهاء العلاقة الإيجارية بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد، بل وضمن المشرع النص الطعين استثناء أجاز بمقتضاه لمؤجري الوحدات السكنية مفروشة بسبب الإقامة في الخارج طلب إخلائها عند عودتهم النهائية، حال كونهم جميعاً مستأجرين ومؤجرين لوحدات سكنية مفروشة، تتماثل العلاقة القانونية التي تربطهم في طبيعتها وتتحد في جوهرها، فضلاً عن أنهم جميعاً يواجهون ذات المشكلة التي دفعت إلى سن النص الطعين وهي مشكلة الإسكان، وبالتالي تتماثل مراكزهم القانونية في هذا الشأن، بما يوجب ضماناً للتكافؤ في الحقوق والالتزامات بينهم أن تنتظم قواعد موحدة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بينهم من أي نوع، ومن ثم فإن إقامة النص الطعين ذلك التمييز التحكمى بين الطوائف المتقدمة يكون مصادماً لمبدأ المساواة الذي فرضته المادة (40) من الدستور، كما يجاوز هذا النص – بذلك – نطاق التضامن والتكافل الاجتماعي الذي أقام عليهما الدستور – بنص المادة (7) منه – بنيان المجتمع، ويعد خروجاً في هذا الخصوص بالملكية عن نطاق وظيفتها الاجتماعية التي حرص الدستور على توكيدها في المادتين 32، 34 منه.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً للمواد 7، 32، 34، 40، 41 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (46) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية