الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 ديسمبر سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم (50)
القضية رقم 99 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون “مؤداه”.
هذا المبدأ عاصم من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية المتماثلة عناصرها.
2 – تنظيم الحقوق “سلطة المشرع”.
الأصل في السلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة – اقتحام المشرع لتلك الحدود بدعوى تنظيم الحق ينحل عدواناً عليه.
3 – الحق في المعاش “التزام” – اجتماع الحقوق.
الحق في المعاش إذا توافر أصل استحقاقه ينهض التزاماً على الجهة التي تقرر عليها مترتباً في ذمتها بقوة القانون – من المسوغ اجتماع الحقوق التي تكفلها أنظمة التأمين معاً كلما استجمع مستحقوها عناصر نشوئها.
4 – تشريع “عجز الفقرة الأولى من المادة 197 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983: عوار”.
ما قرره هذا النص من تخفيض المعاش النقابي للمحامين المعاملين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي على النحو المبين فيه يجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع ويتمخض عدواناً على حقوق هؤلاء.
5 – حق الملكية الخاصة “نطاق الحماية المقررة لها”.
امتداد الحماية الدستورية المكفولة لحق الملكية الخاصة إلى كل حق ذي قيمة مالية – اتساعها للأموال بوجه عام.
1 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون – وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها مؤداه، وعلى ما جرى عليه قضاؤها، أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي قررها الدستور أو التي ضمنها المشرع, ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها.
2 ، 3، 4 – الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتداخل المشرع فيها هادماً لتك الحقوق أو مؤثراً في محتواها بما ينال منها, فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليماً من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدواناً عليها ولئن كان الدستور – بنص المادة 122 منه – قد فوض السلطة التشريعية في تقرير قواعد منح المعاش إلا أنه من المقرر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الحق في المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه، فإنه ينهض التزاماً على الجهة التي تقرر عليها مترتباً في ذمتها بقوة القانون.
لكل من نظامي التأمين (التأمين الاجتماعي والتأمين على المحامين) قانونه الخاص، فلا تختلط الحقوق الناشئة عنها لتغاير مصدرها، وتباين شرائط نشوئها وتفاوت مداها، واختلاف الجهة التي تلتزم بأداء ما يترتب في ذمتها من الحقوق الناشئة عنهما لأصحابها؛ الأمر الذي يسوغ اجتماع الحقوق التي كفلاها معاً كلما استجمع مستحقوها عناصر نشوئها.
5 – الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية أو الأدبية أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بقدر عام.
الإجراءات
بتاريخ السابع من مايو سنة 1998، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم – بعد تصحيح ما ورد بالصحيفة من خطأ مادي – بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 197 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما قرره عجزها من تخفيض المعاش إلى النصف بالنسبة للمحامين المعاملين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي، وذلك عن كل سنة من سنوات التأمين الاجتماعي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعيين وآخرين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 93 لسن 1998 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية – ضد الممثل القانوني لكل من نقابة المحاميين بالقاهرة وصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للمحامين – بطلب الحكم باستحقاق المدعي الثاني المعاش المقرر بنص المادة 197 من قانون المحاماة الصادر بالقانون 17 لسنة 1983 كاملاً، وبصرف ما يترتب على ذلك من فروق مالية، وبأحقية المدعي الأول والآخرين في صرف هذا المعاش الكامل عند تقاعدهم عن مزاولة المهنة؛ وذلك تأسيساً على أن المدعيين محاميان مقيدان بالجدول العام لنقابة المحامين، وقد باشرا مهنة المحاماة بالإدارات القانونية لدى شركات قطاع الأعمال العام وأديا ما يفرضه قانون المحاماة المشار إليه على أعضاء النقابة من التزامات مالية، كزملائهم من المحاميين ذوي المكاتب الخاصة، وإذ أحيلا إلى التقاعد ببلوغهما السن المقررة لانتهاء الخدمة في جهة عملهما وواصل أولهما مهنة المحاميين لحسابه الخاص بينما كف الثاني عن ممارستها، فقد صرفت نقابة المحاميين للأخير معاشه التقاعدي، مخفضاً إلى النصف، إعمالاً لعجز الفقرة الأولى من المادة 197 من قانون المحاماة المشار إليه؛ وإزاء ما تبنته هذه الفقرة الأولى من تفرقة – في مقدار المعاش المستحق عند انقطاع المحامي عن مزاولة المهنة – بين المحاميين الذين يباشرون المحاماة لحسابهم الخاص، وزملائهم العاملين في الجهات المشار إليها – والمدعيان منهم – فقد رفعا دعواهما الموضوعية ابتغاء الحكم بطلبهما المتقدم بيانه، ودفعا – أثناء نظرها – بعدم دستورية النص الطعين، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت لهما برفع دعواهما الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 197 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 سنة 1983 تنص على أنه:
“يقدر المعاش المنصوص عليه في المادة السابقة بواقع ستة جنيهات عن كل سنة من سنوات الاشتغال بالمحاماة بحد أقصى قدره مائتان وأربعون جنيهاً . ويخفض المعاش إلى النصف بالنسبة للمحامين المعاملين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي، وذلك عن كل سنة من سنوات التأمين الاجتماعي.
ويجوز للجمعية العمومية تعديل المعاش أو تعديل الحد الأقصى تبعاً لتغير الأسعار القياسية لنفقات المعيشة وفي ضوء المركز المالي للصندوق وفق أحكام المادة 194”.
وحيث إن المدعيين ينعيان على عجز الفقرة الأولى من هذه المادة إخلاله بمبدأ المساواة المقرر بنص المادة 40 من الدستور، تأسيساً على أنه آثر المحامين ذوي المكاتب الخاصة – من المحامين المستحقين للمعاش التقاعدي – على أقرانهم من المحامين العاملين لدي شركات قطاع الأعمال العام، والمعاملين من ثم بقانون التأمين الاجتماعي، بأن قرر استحقاق المعاش كاملاً للأولين بينما خفضه للآخرين – وبقدر عدد سنوات الاشتراك – إلى النصف، وذلك على الرغم من أن هذين الفريقين تربطهما بالنقابة علائق قانونية متماثلة، ويجمعهما مركز قانوني واحد إزاءها، ولا يفرق بينهما قانون المحاماة فيما ألزم به المحامين من واجبات، وما فرضه عليهم من التزامات مالية؛ ودون أن يستند هذا التميز إلى أسس موضوعية تبرره.
وحيث إن البين من نص المادة 2 من قانون المحاماة أنه يعد محامياً كل من يقيد بجداول المحاميين التي ينظمها هذا القانون، وأنه أجاز – بنص المادة 4 – للمحامي أن يمارس مهنة المحاماة في الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والخاص والمؤسسات الصحفية وفي البنوك والشركات الخاصة والجمعيات طبقاً لأحكامه، وأوجب – بنص المادة 10 – أن يقيد المحامون المشتغلون – على إطلاقهم – في جدول عام، تبين فيه أسماؤهم ومحال إقامتهم ومقار ممارستهم المهنة، على أن تنبثق منه جداول ملحقة به بتصنيفهم وفق الفئات المبينة بهذه المادة، وتضمن نص المادة 13 منه شروطاً عامة يلزم توافرها – ابتداء – فيمن يطلب قيده في الجدول العام، واستمراره مقيداً فيه، مستثنياً – في المادة 14 منه – العمل في الإدارات القانونية المصرح لها بذلك طبقاً لأحكام هذا القانون من شروط عدم جواز الجمع بين المحاماة والوظائف العامة في الحكومة والهيئات العامة والإدارة المحلية والوظائف في شركات القطاع العام أو الوظائف الخاصة، أما الجداول الملحقة فقد عني ذلك القانون بالنص على الشروط الخاصة التي يتعين تحققها لقيد المحامي في أي منها، ومنح المشرع – بالنصوص التي تضمنها الباب الثاني من القانون المشار إليه – المحامين حقوقاً بعينها، وفرض عليهم واجبات بذاتها، وأخضعهم جميعاً لنظام واحد للمساءلة التأديبية عما قد يقع منهم من إخلال بواجباتهم المهنية، كما تقتضي المادة 120 من القانون بأن نقابة المحاميين مؤسسة مهنية مستقلة ترعى مصالح أعضائها من المحامين المقدمين بجداولها، وتتكون مواردها من المصادر التي بينتها المادة 166 من هذا القانون، ومن بينها رسوم قيد المحامين في هذه الجداول والاشتراكات السنوية المفروضة عليهم والتي لا تفرق بين من يباشر المحاماة لحسابه الخاص، أو يمارسها تابعاً لغيره من خلال وظيفة عامة أو علاقة عمل خاص طبقاً لأحكام المادتين 167 و168؛ بل إن المشرع وإن قضى – بنص المادة 173 – بأن تتحمل الهيئات العامة وشركات قطاع الأعمال العام والشركات والجهات الخاصة برسوم القيد والاشتراكات الخاصة بالمحامين العاملين في إداراتها القانونية المرخص لها بذلك طبقاً لأحكام هذا القانون، إلا أنه اعتبر المحامي مسئولاً أمام النقابة من عن سداها في حالة تقاعس الجهة التي يتبعها عن أدائها في الميعاد المحدد، مع حفظ حقه في استردادها من جهته. كما أنشأ المشرع بنص المادة 176 من ذلك القانون صندوقاً للرعاية الاجتماعية والصحية يهدف إلى رعاية أعضاء النقابة من المحاميين المقيدين بالجدول العام اجتماعياً وصحياً، بما في ذلك ترتيب معاشات لهم عند تقاعدهم أو للمستحقين عنهم في حالة الوفاة، على أن يكون للصندوق شخصية اعتبارية مستقلة، وأوكل إلى لجنة تشكل وفقاً لأحكام المادة 177 منه إدارة هذا الصندوق وتصريف شئونه، واختصها بمباشرة المهام التي حددتها المادة 178، وحدد المشرع – بنص المادة 181 – موارد الصندوق، والتي تتكون من:
1 – حصيلة صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة وقت العمل بأحكام هذا القانون.
2 – حصيلة طوابع دمغة المحاماة التي خول المشرع نقابة المحامين إصدارها بالفئات وفي الأحوال المبينة في المواد 182، 183، 184، 185.
3 – حصيلة أتعاب المحاماة التي تحكم بها المحاكم في جميع القضايا.
4 – عائد استثمار أموال الصندوق.
5 – الهبات والتبرعات والإعانات التي يتلقاها الصندوق ويوافق على قبولها.
وبينت المادة 190 المزايا والإعفاءات الممنوحة لأموال الصندوق الثابتة والمنقولة وجميع عملياته الاستثمارية أياً كان نوعها، كما رسمت المادة 195 الإجراءات التي يتم – من خلالها – سد العجز في أموال الصندوق أو تصريف فائضه، أما المادتان 196، 198 فقد حصرتا أحوال استحقاق المعاش، وحددت المادة 197 – المطعون على عجز فقرتها الأولى – أسس تقدير هذا المعاش، وحده الأقصى، ومتى يجوز تعديلهما، مقررة تخفيضه إلى النصف، بالنسبة إلى المحامين المعاملين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي.
وحيث إن قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 يُخضْع لنظامه العاملين بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لهذه الجهات وغيرها من الوحدات الاقتصادية بقطاع الأعمال العام، وكذلك للعاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل وذلك بقصد تأمينهم من مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابات العمل، والمرض، والبطالة وتوفير الرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات وجعل من اشتراكات المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال مصدراً أساسياً لتمويل نظام التأمين الذي أنشأه.
حيث إن مؤدى النصوص المتقدمة أن المحامين – سواء من كان منهم يمارس المحاماة لحسابه الخاص أو من خلال الإدارات القانونية في الجهات السالف الإشارة إليها – متى تقرر قيدهم بالجدول العام, فقد غدوا أعضاء في نقابة المحامين، وباتوا – إزاءها – في مراكز قانونية متماثلة، وأصبحوا – بوصفهم كذلك – مؤمناً عليهم وفقاً لأحكام النظام التأميني الذي قرره قانون المحاماة، ويساهمون جميعاً في تمويله، بحسبان أن أغلب مصادره هي من نتاج أعمال المحاماة التي يباشرونها، وحق لهم وللمستحقين عنهم في حالة الوفاة صرف المعاش التقاعدي الذي يكفله هذا النظام لمن توافرت في شأنه شرائط استحقاقه حال تحقق الواقعة القانونية المنشئة له. وإذ كانت العلائق القانونية المتماثلة التي تربط المحامين بنقابتهم – وما نشأ عنها استحقاقهم للمزايا التأمينية المشار إليها – ينظمها قانون المحاماة ذاته, ويحدد بأحكامه أطرها، فإنها تكون مبينة الصلة بعلائق الوظيفة العامة أو علائق العمل التي تربط العاملين منهم بالجهات التي يعملون فيها, ومنفكة – بالتالي عما يترتب على قيام هذه العلائق – بنوعيها – من وجوب خضوع المحامين العاملين بالجهات المشار إليها لنظام التأمين الاجتماعي سالف الذكر, والذي يقوم تمويله أساساً على الاشتراكات المقررة على المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال، ومن ثم تخضع هذه الفئة من المحامين لهذين النظامين المتغايرين للتأمين، بحسبان أن كلاً منهما يرتد في مصدره إلى نظام قانوني قائم بذاته، ينشئ للمؤمن عليهم بموجبه حقوقاً تأمينية بعينها، حين تحقق مخاطر بذاتها يستهدف القانون تأمينهم منها، وفق الشروط المحددة فيه.
وحيث إن النص الطعين، وإن وحد بين المحامين الذين توافرت في شأنهم شرائط استحقاق المعاش في شأن الأسس التي يتم على ضوئها حساب معاشاتهم، إلا أنه أثر من يباشرون المحاماة لحسابهم الخاص باقتضائه كاملاً، دون من يباشرونها بالتبعية لغيرهم، إذ يخفّض معاشهم – وبقدر عدد سنوات اشتراكهم في نظام التأمين الاجتماعين – إلى النصف.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون – وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها مؤداه، وعلى ما جرى عليه قضاؤها، أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي قررها الدستور أو التي ضمنها المشرع, ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها إذ كان ذلك، وكان النص الطعين قد مايز بين فئتين من المحامين الذين اكتملت في شأنهم شرائط استحقاق المعاش الكامل، إحداهما تلك التي يباشر أفرادها المحاماة لحسابهم الخاص وأخراهما هي التي يمارس أفرادها المحاماة
بالتبعية للجهات التي يعملون فيها، والمعاملين – من ثم – بنظام التأمين الاجتماعي؛ دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية، ذلك أنه اختص الفئة الأولى بصرف الحق التأميني المقرر كاملاً بينما حجب عن الفئة الثانية نصف هذا الحق، حال أن الخطر المؤمن ضده قائم في شأن أفراد هذين الفريقين – وجميعهم مؤمن عليهم منه وفق نظام تأميني واحد – وكان يلزم ضماناً للتكافؤ في الحقوق بينهما أن تنظمها قواعد موحدة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، ومن ثم فإن إقامة ذلك التمييز التحكمي بين هاتين الطائفتين يكون مناقضاً للمساواة التي فراضتها المادة 40 من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتداخل المشرع فيها هادماً لتك الحقوق أو مؤثراً في محتواها بما ينال منها, فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليماً من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدواناً عليها، ولئن كان الدستور – بنص المادة 122 منه – قد فوض السلطة التشريعية في تقرير قواعد منح المعاش إلا أنه من المقرر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الحق في المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه، فإنه ينهض التزاماً على الجهة التي تقرر عليها مترتباً في ذمتها بقوه القانون. متى كان ذلك، وكان النص الطعين قد توخى اقتطاع نصف ما استحقه المؤمن عليهم – الذين عناهم – من المعاش، مخلاً – بذلك – بمركزهم القانوني الذي – اكتملت – في شأنهم – شرائط تكوينه بما مؤداه حرمان هؤلاء المؤمن عليهم من مزية تأمينية كفلتها أحكامه، وكان استحقاقهم للمعاش المقرر طبقاً لقانون المحاماة، مخالفاً بذلك ما استهدفه الدستور من ضمان حق المواطن في المعاش ليكون سداً من عوز، حين ينقطع دخل الأسرة من عمل عائلها لعجزه عنه أو لشيخوخته أو لوفاته، فيكفل المعاش المناسب – له ولأسرته – حداً لائقاً من المعاملة الإنسانية لا تمتهن الحاجة فيه آدميتهم؛ فضلا ًعن أن لكل من نظامي التأمين المشار إليهما – على ما تقدم قانون الخاص، فلا تختلط الحقوق الناشئة عنهما لتغاير مصدرها، وتباين شرائط نشوئها، وتفاوت مداها، واختلاف الجهة التي تلتزم بأداء ما يترتب في ذمتها من الحقوق الناشئة عنهما لأصحابه؛ الأمر الذي يسّوغ اجتماع الحقوق التي كفلاها معاً كلما استجمع مستحقوها عناصر نشوبها؛ إذ كان ذلك، فإن النص الطعين يتمخض عدواناً على حقوق هؤلاء العاملين، مجاوزاً بذلك نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا حق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية أو الأدبية أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بقدر عام. وكان النص الطعين قد انتقص – دون مقتض – من الحقوق التي تثري الجانب الإيجابي للذمة المالية للمخاطبين بحكمة، فإنه يكون قد انطوى بذلك على عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادتين 32, 34 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة 197 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما نصت عليه من “ويخفض المعاش إلى النصف بالنسبة للمحامين المعاملين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي وذلك عن كل سنة من سنوات التأمين الاجتماعي”. وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية