الخط الساخن : 01118881009
جلسة 5 فبراير سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (2)
القضية رقم 1 لسنة 19 “طلبات أعضاء”
1 – المحكمة الدستورية العليا “طلبات الأعضاء: محكمة موضوع”.
الطلبات الخاصة بأعضاء المحكمة والمستحقين عنهم فيما يتعلق بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية الصادرة في شئونهم إلغاءً وتعويضاً تفصل فيها المحكمة بوصفها محكمة موضوع – للمحكمة أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر هي جديته.
2 – دعوى دستورية “المصلحة: مناطها”.
المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة القائمة في النزاع الموضوعي وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 – دستور “المادة 13″ – حق العمل – حرية الإبداع”.
حق العمل وفق نص المادة 13 من الدستور لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره – العمل الذهني لصيق بحرية الإبداع وتشجيعه مطلوب عملاً بنص المادة 49 من الدستور.
4 – حق الملكية الخاصة “حمايتها” – حق العمل.
ارتداد الملكية الخاصة في العديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل – عدم جواز المساس بالملكية الخاصة إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها.
5 – خدمات صحية واجتماعية “مبلغ شهري إضافي” – المحكمة الدستورية العليا – المحكمة العليا.
الخدمات الصحية والاجتماعية التي يكفلها صندوقها لأعضاء هاتين المحكمتين وأسرهم لا تعتبر من أعمال التبرع – من غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي معلقاً على شرط الامتناع عن العمل وهو أحد الحقوق المكفولة من الدستور لكل مواطن.
6 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون “صونه”.
ما يصون مبدأ المساواة هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط نصوصه بالأغراض المشروعة التي يتوخاها – انفصال هذه النصوص عن أهدافها أو عدم اتصال الوسائل بالمقاصد؛ أثره: اعتبار التمييز عسفاً.
7 – تشريع “المادة 4 من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضائها: عوار”.
ما قضى به نص هذه المادة من حرمان العضو وأسرته من الانتفاع بنظام الصندوق إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك يخل بمبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية ويهدر حق العمل ويمس الحماية المكفولة من الدستور للملكية الخاصة.
8 – تشريع “المادة 21 مكرراً (2) من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 معدلاً بالقرار رقم 7 لسنة 1986: عوار”.
ما تضمنه نص هذه المادة من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً يهدر مبدأ المساواة ويخل بحق العمل ويمس الحماية المفروضة بحكم الدستور على الملكية الخاصة.
1 – البين من المادة 16 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها اختصتها دون غيرها بالفصل في المسائل التي حددتها حصراً باعتبارها أولى من غيرها ببحثها، وإصدار حكم فيها، لتعلقها بأعضائها والمستحقين عنهم في الشئون التي تعنيهم مباشرة، وقوامها الطلبات الخاصة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية النهائية الصادرة في أي شأن من شئونهم سواء تعلق الأمر بطلب إلغائها أم بالتعويض عنها؛ وتفصل المحكمة الدستورية العليا في تلك المسائل بوصفها محكمة موضوع تقصياً للعناصر الواقعية للنزاع المعروض عليها. وما يتصل بها من القواعد القانونية التي ينبغي تطبيقها في شأن هذا النزاع. وعليها قبل الخوض فيه، أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر جديته.
2 – من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 – البين من أحكام الدستور – بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها – أن حق العمل وفقاً لنص المادة 13 من الدستور، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبذلك تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها؛ وكلما كان العمل ذهنياً قائماً على الابتكار، كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة 49 من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائزة تحد من انطلاقها.
4 – الملكية الخاصة – التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34 – ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي – كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة – في الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها الذي بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها معبداً بها، وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يعُينها على أداء دورها.
5 – الخدمات التي كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم – مع المعاش الأصلي – على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان العضو – بعد تقاعده – أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن ولا يسوغ كذلك أن يرتد النصان المطعون فيهما عن قيم الحق والعدل ليحجباها – دون سند من الدستور – عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
6 – مبدأ المساواة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد؛ وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – ووفقاً لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
7، 8 – إن أول النصين الطعينين إذ قضى بحرمان العضو وأسرته من الانتفاع بالنظام إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، بينما أباح هذا الانتفاع لمن لا يزاول عملاً، كما أن ثانيهما إذ كفل اقتضاء المبلغ الشهري الإضافي لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة، ومنعه عمن يزاولون عملاً يتقاضون عنه دخلا آخر لا يتخذ شكل المكافأة أو البدل؛ فإنهما بذلك يكونان قد خالفا مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية، إذ ليس مفهوماً طبقاً للنص الأول التفرقة بين العضو الذي يعمل وبين غيره؛ وأن يكون العمل مباحاً في مفهوم النص الثاني إذا كان الأجر محدداً في شكل بدل أو مكافأة؛ ومحظوراً إذا اتخذ الأجر تسمية أخرى وفضلاً عن ذلك فإن النص يفتح للتحايل أبواباً عرضية، إذ يمكن دائماً تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكمياً، ولا أن يناهض التمييز التشريعي أحد الحقوق التي كفلها الدستور، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها. وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.
الإجراءات
بتاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر سنة 1997، أودع الطالب قلم كتاب المحكمة صحيفة هذا الطلب ابتغاء الحكم – قبل الفصل في الطلبات الموضوعية – أولاً: بعدم دستورية المادة 4/ أ من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماع لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها فيما نصت عليه من وقف سريان النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك. وبعدم دستورية المادة 21 مكرراً (2) من القرار المشار إليه المضافة بالقرار رقم 7 لسنة 1986 فيما نصت عليه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات. ثانياً: في موضوع الطلب؛ بأحقيته في استئناف الانتفاع بكافة الخدمات الصحية والاجتماعية المنصوص عليها في نظام صندوق الخدمات سالف الذكر اعتباراً من 29/ 5/ 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وبأحقيته كذلك في المبلغ الشهري الإضافي المنصوص عليه في المادة 21 مكرراً (1) من القرار رقم 7 لسنة 1986 المشار إليه اعتباراً من تاريخ تقريره في 1/ 4/ 1986 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الشق الأول من الطلبات وبرفض الدعوى فيما عدا ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها، ثم قدمت تقريراً تكميلياً في الشق الدستوري من الطلب، تنفيذاً لقرار المحكمة بجلستها المعقودة في 5 من سبتمبر 1998.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطالب أقام الطلب الماثل أمام هذه المحكمة، وقال شرحاً له أنه عين مستشاراً بالمحكمة العليا بقرار رئيس الجمهورية رقم 222 لسنة 1970 الصادر في 7 فبراير سنة 1970 وانتهت خدمته بها ببلوغه سن التقاعد اعتباراً من 13/ 9/ 1977 وبلغت مدة خدمته في الهيئات القضائية – طبقاً للثابت بملف خدمته – ثمانية وثلاثين عاماً وثلاثة أشهر وقد سرى في حقه نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة للمفوضين بها الصادر بقرار رئيس المحكمة رقم 64 لسنة 1979، حتى عين في 29/ 5/ 1986 عميداً لمعهد الدراسات الإسلامية فحجب عنه الصندوق خدماته استناداً إلى المادة 4 ( أ ) من نظامه، كما امتنع عن صرف المبلغ الشهري الإضافي المقرر بالمادة 21 مكرراً (1) من هذا النظام والمضافة إليه بقرار رئيس المحكمة رقم 7 لسنة 1986. ودفع الطالب بعدم دستورية هذين النصين؛ تأسيساً على مخالفتهما أحكام المواد 13، 32، 34، 40، 41، 49 من الدستور. وبمذكرته الختامية قصر الطالب طلباته الموضوعية على أحقيته في الانتفاع بخدمات الصندوق بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي من تاريخ حجبها عنه إلى 30 إبريل سنة 1998.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الشق الدستوري من الطلب قولاً بأنه لا يعدو أن يكون دعوى الدستورية أقيمت بالطريق المباشر بالمخالفة للأوضاع التي رسمها قانون المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن البين من المادة 16 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها اختصتها دون غيرها بالفصل في المسائل التي حددتها حصراً باعتبارها أولى من غيرها ببحثها، وإصدار حكم فيها، لتعلقها بأعضائها والمستحقين عنهم في الشئون التي تعنيهم مباشرة، وقوامها الطلبات الخاصة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وكذلك القرارات الإدارية النهائية الصادرة في أي شأن من شئونهم سواء تعلق الأمر بطلب إلغائها أم بالتعويض عنها؛ وتفصل المحكمة الدستورية العليا في تلك المسائل بوصفها محكمة موضوع تقصياً للعناصر الواقعية للنزاع المعروض عليها. وما يتصل بها من القواعد القانونية التي ينبغي تطبيقها في شأن هذا النزاع. وعليها قبل الخوض فيه، أن تفصل في المسائل الدستورية التي يطرحها الخصم عليها من خلال دفع بعدم الدستورية تقدر جديته؛ لما كان ذلك وكان تقدير المحكمة الدستورية العليا – بوصفها محكمة موضوع – لجدية المسائل الدستورية التي تضمنتها صحيفة الطلب الماثل قد اقتضاها أن تحيلها إلى هيئة المفوضين بها لاستيفاء عناصرها، وكانت هيئة المفوضين قد قامت بتحضير هذه المسائل وقدمت تقريراً برأيها فيها، فإن هذا الدفع يكون في غير محله جديراً بالرفض.
وحيث إن رئيس المحكمة الدستورية العليا أصدر القرار رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها متضمناً تحديد الأغراض التي يقوم عليها الصندوق ووسائل تنفيذها ومتابعتها، وصور الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها ومداها، وقضى في مادته الثانية بأنه في تطبيق أحكام هذا النظام يقصد بكلمة “العضو” رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها ورئيس هيئة المفوضين بها وأعضاؤها، الحاليون منهم والسابقون ورئيس وأعضاء المحكمة العليا السابقون، ثم نص في مادته الرابعة – الطعينة على أن يقف سريان هذا النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته:
( أ ) إذا التحق بعمل أو مارس مهنة مدة قيامه بذلك.
(ب) إذا أعير إلى هيئة دولية أو حكومة أجنبية وذلك طوال مدة الإعارة.
ثم أصدر رئيس المحكمة القرار رقم 7 لسنة 1986 بصرف مبلغ شهري إضافي لأصحاب المعاشات من أعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها والمستحقين عنهم، مضيفاً بمقتضاه إلى قراره رقم 64 لسنة 1979 خمس مواد جديدة من بينها المادتان 21 مكرراً (1)، و21 مكرراً (2) اللتان تجريان على النحو الآتي:
مادة 21 مكرراً (1).
“يصرف لكل من استحق أو يستحق معاشاً من أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها أو المحكمة العليا وانتهت خدمته فيها للعجز، أو ترك الخدمة بها لبلوغ سن التقاعد، أو أمضى في عضويتها وعضوية الهيئات القضائية الأخرى المنصوص عليها في القانون رقم 36 لسنة 1975 مدداً مجموعها خمسة عشر عاماً على الأقل، مبلغ شهري إضافي….. عن كل سنة من مدد العضوية ومدد الاشتغال بعد التخرج بعمل نظير أو بالمحاماة التي حسبت في المعاش وتعويض الدفعة الواحدة، بما فيها المدد المحسوبة بالقرار بقانون رقم 85 لسنة 1971 بجواز إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية، وبالقانون رقم 43 لسنة 1973 بشأن إعادة بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية ومدد الإعارة والندب والأجازات والبعثات والمنح والتجنيد والاستبقاء والاستدعاء للاحتياط، دون مضاعفة أية مدة ولا إضافة مدد أخرى زائدة أو اعتبارية أو افتراضية، ويجبر كسر الشهر شهراً وتُحسب كسور الجنيه جنيهاً…..
مادة 21 مكرراً (2)
يوقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذ التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً عدا المكافآت والبدلات، أو التحق بأي عمل خارجها، أو مارس مهنة تجارية في الداخل أو الخارج، ويعود الحق في صرفه في حالة ترك العمل أو المهنة….
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي يدور حول حرمان الطالب من الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية التي يوفرها الصندوق لأعضائه بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي؛ فإن نطاق الدعوى الدستورية التي تضمنها الطلب الماثل ينحصر فيما تنص عليه المادة 4 من نظام الصندوق من وقف سريانه بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، وكذلك ما تنص عليه المادة 21 مكرراً (2) من هذا النظام من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد، ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكامها.
وحيث إن الطالب ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين إطاراً على النحو المتقدم – أنهما يضعان قيوداً جائزة على حق العمل وحرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي بالمخالفة لحكم المادتين 13 و49 من الدستور، كما أنهما يتضمنان اعتداء على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34، وينطويان كذلك على إخلال بمبدأ المساواة، واعتداء على الحرية الشخصية بالمخالفة لحكم المادتين 40 و41 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره ذلك أن البين من أحكام الدستور – بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها وتصون ترابطها – أن حق العمل وفقاً لنص المادة 13 من الدستور، لا يمنح تفضلاً، ولا يتقرر إيثاراً، ولا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجباً لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وبذلك تتكامل الشخصية الإنسانية من خلال إسهامها في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها؛ وكلما كان العمل ذهنياً قائماً على الابتكار، كان لصيقاً بحرية الإبداع، وصار تشجيعه مطلوباً عملاً بنص المادة 49 من الدستور التي تكفل لكل مواطن حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدة بذلك أن لكل فرد مجالاً حراً لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد من انطلاقها.
وحيث إن الملكية الخاصة – التي كفل الدستور صونها بنص المادتين 32 و34 – ترتد في عديد من جوانبها ومصادرها إلى ضمان حق العمل باعتباره أداة تكوينها ووسيلة تراكمها في الأغلب. وقد جرى قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي – كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها باعتبارها عائدة – في الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها الذي بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها الدستور بما قدره ضرورياً لصونها معبداً بها، وكافلاً من خلالها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم أدواتها، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، بل يقيها الدستور والقانون تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، بما يعُينها على أداء دورها.
وحيث إن الخدمات التي كفلها نظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها الحاليين والسابقين وشمل بها أسرهم، لا تعتبر من أعمال التبرع التي يقدمها الصندوق لمستحقيها، بل توخى المشرع بتقريرها أن تعينهم – مع المعاش الأصلي – على إشباع الحد الأدنى من احتياجاتهم بثاً للاطمئنان في نفوسهم، فلا يجوز حجبها أو الرجوع فيها أو وقفها بما يعطل حقوقاً كفلها الدستور لكل مواطن. ولا يجوز بالتالي أن يكون الحق فيها بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي حائلاً دون امتهان العضو – بعد تقاعده – أعمالاً يمارسها أو تقلده وظائف لا يكون بها طاقة عاطلة. ومن غير المتصور أن يكون الحق في الحصول عليها معلقاً على شرط الامتناع عن العمل، وهو أحد الحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن ولا يسوغ كذلك أن يرتد النصان المطعون فيهما عن قيم الحق والعدل ليحجباها – دون سند من الدستور – عن هؤلاء الذين كفلوا دوماً إرساء مقوماتها لغيرهم.
وحيث إن مبدأ المساواة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد؛ وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – ووفقاً لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا تكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن أول النصين الطعينين إذ قضى بحرمان العضو وأسرته من الانتفاع بالنظام إذا التحق بعمل مدة قيامه بذلك، بينما أباح هذا الانتفاع لمن لا يزاول عملاً، كما أن ثانيهما إذ كفل اقتضاء المبلغ الشهري الإضافي لمن يباشرون عملاً يتقاضون عنه بدلاً أو مكافأة، ومنعه عمن يزاولون عملاً يتقاضون عنه دخلا آخر لا يتخذ شكل المكافأة أو البدل؛ فإنهما بذلك يكونان قد خالفا مبدأ المساواة بين أشخاص تتماثل مراكزهم القانونية، إذ ليس مفهوماً طبقاً للنص الأول التفرقة بين العضو الذي يعمل وبين غيره، وأن يكون العمل مباحاً في مفهوم النص الثاني إذا كان الأجر محدداً في شكل بدل أو مكافأة؛ ومحظوراً إذا اتخذ الأجر تسمية أخرى وفصلاً عن ذلك فإن النص يفتح للتحايل أبواباً عريضة، إذ يمكن دائماً تسمية مقابل العمل بالبدل أو المكافأة بغض النظر عن حقيقته، ومن غير المتصور أن يكون التمييز بين صور الأعمال تحكمياً، ولا أن يناهض التمييز التشريعي أحد الحقوق التي كفلها الدستور، وليس حق العمل إلا وثيق الصلة بالملكية وبالحرية الشخصية وبالحق في الإبداع، وجميعها من الحقوق التي حرص الدستور على صونها. وإهدارها أو تقييدها لا يستند إلى مصلحة مشروعة بل يناقضها.
وحيث إن النصين الطعينين – فيما قرراه من وقف سريان نظام الصندوق بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي بالنسبة للعضو وأسرته إذا التحق بعمل – قد جاءا بذلك مخالفين لأحكام المواد 13 و32 و34 و40 و41 و49 من الدستور.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية نص المادة 21 مكرراً (2) – المشار إليه في نطاقه المتقدم – يؤدي لزاماً إلى سقوط عبارة “عدا المكافآت والبدلات”، إذ لا تعدو أن تكون استثناءً من الحكم الوارد بذات النص فيسقط الاستثناء تبعاً لذلك.
وحيث إن إبطال النصين المطعون فيهما واللذين حجبا عن الطالب حقه في الانتفاع بالخدمات الصحية والاجتماعية بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي يعني انعدام وجودهما منذ مولدهما، مما يستتبع أحقية الطالب في دعواه الموضوعية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة الرابعة من قرار رئيس المحكمة الدستورية العليا رقم 64 لسنة 1979 بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة وأعضاء هيئة المفوضين بها فيما تضمنه من وقف سريان هذا النظام بالنسبة إلى العضو المنتفع وأسرته إذا التحق بعمل.
ثانياً: بعدم دستورية نص المادة 21 مكرراً (2) من القرار المشار إليه معدلاً بالقرار رقم 7 لسنة 1986 فيما تضمنه من وقف صرف المبلغ الشهري الإضافي إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يتقاضى عنه دخلاً وبسقوط عبارة “عدا المكافآت والبدلات”.
ثالثاً: بأحقية الطالب في الانتفاع بنظام صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية بما في ذلك المبلغ الشهري الإضافي اعتباراً من تاريخ وقف انتفاعه به وحتى 30 من إبريل سنة 1998.
رابعاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية