الخط الساخن : 01118881009
جلسة 6 مايو سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (66)
القضية رقم 193 لسنة 19 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “حكم: حجيته”.
اقتصار الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها.
2 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة اللازم توافرها لقبول الدعوى الدستورية ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعي المحكمة الدستورية العليا لحسمها لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 – دستور – سلطة قضائية – هيئات قضائية “هيئة قضايا الدولة” – هيئات ذات اختصاص قضائي.
مفارقة الدستور في الإصلاح بين السلطة القضائية وبين الهيئات المذكورة – السلطة القضائية إحدى سلطات الدولة الثلاث وتقوم على ولاية القضاء – الهيئات القضائية جامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة وهيئة قضايا الدولة إحدى هذه الهيئات – الهيئات ذات الاختصاص القضائي هي جهات خولها المشرع ولاية القضاء استثناء.
4 – تنظيم الحقوق “تدخل المشرع: رخصة – عزيمة”.
ترخص المشرع في استعمال سلطته في تنظيم الحقوق كلما اقتضاها الصالح العام وفي الوقت الذي يقدر مناسبته – تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق.
5 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون “غايته – تمييز: قوامه – تدخل المشرع”.
غاية هذا المبدأ صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها – قوام صور التمييز المجافية للدستور كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون – على المشرع أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز المتماثلة أو لمداركه ما فاته في هذا الشأن.
6 – دستور – سلطة القضاء “استثناء” – رقابة قضائية.
من غير الجائز، وفقاً لنصوص الدستور متآلفة فيما بينها، إيلاء سلطة القضاء في منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها – وصلتها بالمصلحة العامة مقطوع بها – ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها – خضوع هذه العناصر لرقابة المحكمة الدستورية العليا – ما قرره الدستور في المادة 167 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم.
7 – تشريع “نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963: عوار”.
إفراد المشرع أعضاء هيئة قضايا الدولة – بهذا النص – بالإبقاء على اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بها بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم وطلبات التعويض المترتبة عليها، إنما يخل بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي ويعطل مبدأ خضوع الدولة للقانون.
1 – الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية.
2 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعي هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات المثارة في الدعوى الموضوعية المرتبطة بها.
3 – الدستور عقد الفصل الرابع من بابه الخامس الخاص بنظام الحكم للسلطة القضائية، ونص في المادة 165 على أن “السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً القانون”، وفي المادة 167 على أن “يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم”، وفي المادة 172 على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”، وفي المادة 173 على أن “يقوم على شئون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية. ويحدد القانون طريقة تشكيلة واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية”. فدل بذلك، على مفارقته – في الاصطلاح – بين السلطة القضائية من جهة، وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى، والهيئات ذات الاختصاص القضائي من جهة ثالثة. فالأولى: هي إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشئون العدالة، في مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأما الثانية فجامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة، ويقوم على شئونها المشتركة، وينسق بينها مجلس أعلى يرأسه رئيس الدولة، وقد فوض الدستور المشرع في بيان طريقة تشكيله واختصاصاته بما لا يخل باستقلال هذه الهيئات، ولا يتعارض واختصاصات مجالسها الخاصة، فضلاً عن لزوم أخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وطبقاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969، يضم هذا المجلس في عضويته رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة النيابة الإدارية. وأما الثالثة: فهي الهيئات التي خولها المشرع ولاية الفصل في خصومات محددة حصراً، وبأحكام تصدرها بعد اتباع الإجراءات القضائية، وفي إطار من ضمانات التقاضي، فهي جهات ذات اختصص قضائي استثنائي.
4 – تنظيم الحقوق منوط بالمشرع، وإذا كان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها، كلما اقتضاها الصالح العام، وفي الوقت الذي يراه مناسباً؛ إلا أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق، كما هو الحال بالنسبة لحق التقاضي، فإن أدى مسلكه إلى الإخلال بهذا الحق، كان ذلك مخالفاً للدستور.
5 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد – فوق ذلك – إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشرع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركة ما فاته في هذا الشأن.
6 – تنص المادة 65 من الدستور على أن “تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات” وكان الدستور قد أكد في المادة 165 أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناء إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40 و68 و165 و172، بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها؛ ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء في منازعات معينة إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها المُلجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – في أوثق روابطها – مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها؛ وهذا العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها بما لا يُخرج نص أي من المادتين 68 و172 من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره. ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة 168 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها فاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
7 – إن القانون، وإن عهد قبلُ بطلبات الإلغاء والتعويض سالفة الذكر إلى اللجنة المشكلة بالنص الطعين، بحسبانها هيئة ذات اختصاص قضائي، إلا أن المشرع وقد قدر بعدُ بنفسه – على ما اتضح من مسلكه إزاء تحديد الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بأعضاء الهيئات القضائية الأخرى – أن المحاكم وحدها هي الأقدر على الفصل في هذا النوع من المنازعات؛ بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي تلابسها عادة، لكي ينال أعضاء هذه الهيئات الترضية القضائية إنصافاً؛ فإن إفراده أعضاء هيئة قضايا الدولة وحدهم بالإبقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها في النص الطعين، في هذا الشأن، يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي رغم توافر مناط إعماله، مكرساً بذلك تمييزاً غير مبرر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى في هذا المجال، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون.
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من أكتوبر سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم (أصلياً) بعدم قبول الدعوى و(احتياطياً) برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وبجلسة 4/ 3/ 2000 طلب أربعة من أعضاء هيئة قضايا الدولة قبول تدخلهم خصوماً منضمين إلى المدعي في طلباته.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي وقد كان يشغل وظيفة نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – كان قد أقام الدعوى رقم 3469 لسنة 50 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد المدعى عليهم طالباً إلغاء قرار رئيس هيئة قضايا الدولة بعدم الموافقة على تجديد إعارته، والقرار السلبي للمجلس الأعلى للهيئة بالامتناع عن عرض طلب تجديد إعارته على رئيس مجلس الوزراء، وكذا قرار وزير العدل رقم 5194 لسنة 1995 باعتباره مستقيلاً، وأثناء نظر تلك الدعوى دفع بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إنه عن طلبات التدخل، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبولها أن تكون مقدمة ممن كانوا أطرافاً في الدعوى الموضوعية، التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، وإذ كانوا طالبو التدخل غير ممثلين في تلك الدعوى، ولا يعتبرون بالتالي من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الماثلة؛ فإن الحكم بعدم قبول تدخلهم يكون متعيناً.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، تأسيساً على أن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسائل الدستورية المثارة فيها بحكمها الصادر بجلسة 27/ 3/ 1998 في القضية رقم 162 لسنة 19 قضائية دستورية.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. لما كان ذلك وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 162 لسنة 19 قضائية دستورية المشار إليه، قد اقتصر على الفصل في دستورية اختصاص لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليه في المادة 25 المطعون فيها بنظر الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة، فإن حجية الحكم السابق تكون – بدورها – مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من اختصاصات اللجنة الأخرى.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات المثارة في الدعوى الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان المدعي قد أقام دعواه الموضوعية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية طالباً إلغاء قرار رئيس هيئة قضايا الدولة بعدم الموافقة على تجديد إعارته، والقرار السلبي للمجلس الأعلى للهيئة بالامتناع عن عرض طلب تجديد إعارته على رئيس مجلس الوزراء، وكذا قرار وزير العدل رقم 5194 لسنة 1995 باعتباره مستقيلاً، فإن نطاق الدعوى الماثلة – بقدر ارتباطها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي – يتحدد بنص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة فيما تضمنه من إسناد الفصل قضائياً بصفة نهائية في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هذه الهيئة وفي طلبات التعويض المترتبة عليها إلى لجنة التأديب والتظلمات – المشار إليها؛ ولا يتناول غير ذلك من أجزاء النص الأخرى.
وحيث إن قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 – قبل تعديله بالقانون رقم 88 لسنة 1998 – ينص في المادة الأولى على أن “هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تلحق بوزير العدل”. وفي المادة 25 على أن “تشكل لجنة التأديب والتظلمات من رئيس هيئة قضايا الدولة أو من يحل محله رئيساً، ومن عشرة أعضاء بحسب ترتيبهم في الأقدمية من بين نواب الرئيس والوكلاء والمستشارين.
وتختص هذه اللجنة بتأديب أعضاء الهيئة، وبالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها مهما يدخل أصلاً في اختصاص القضاء.
كما تختص اللجنة دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمكافآت المستحقة لأعضاء الهيئة.
وتفصل اللجنة فيما ذكر بعد سماع أقوال العضو والاطلاع على ما يبديه من ملاحظات. وتصدر قراراته بالأغلبية المطلقة إلا في حالة التأديب، فتصدر قراراتها بأغلبية ثلثي أعضائها. ويكون قرار اللجنة في جميع ما تقدم نهائياً، ولا يقبل الطعن بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة”.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المشار إليه – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – أن المشرع إذ أسند بموجبه ولاية الفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة إلغاء وتعويضاً إلى لجنة التأديب والتظلمات؛ فقد حرمهم من اللجوء رلى مجلس الدولة بحسبانه القاضي الطبيعي صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وفقاً للمادة 172 من الدستور، الأمر الذي يخل بمبدأ المساواة بينهم وبين أقرانهم من أعضاء مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية الذين عهد المشرع بمنازعاتهم الإدارية إلى إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة؛ كما يخالف مسلك المشرع بالنسبة لرجال القضاء والنيابة العامة، الذين ناط قانون السلطة القضائية الاختصاص بنظر منازعاتهم الإدارية بالدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض؛ على استقلال في ذلك عن الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هذه الهيئات جميعهم.
وحيث إن الدستور عقد الفصل الرابع من بابه الخامس الخاص بنظام الحكم للسلطة القضائية، ونص في المادة 165 على أن “السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون”، وفي المادة 167 على أن “يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم”، وفي المادة 172 على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”، وفي المادة 173 على أن “يقوم على شئون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية. ويحدد القانون طريقة تشكيلة واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية”. فدل بذلك، على مفارقته – في الاصطلاح – بين السلطة القضائية من جهة، وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى، والهيئات ذات الاختصاص القضائي من جهة ثالثة. فالأولى: هي إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشئون العدالة، في مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأما الثانية فجامعها أنها هيئات تسهم في سير العدالة، ويقوم على شئونها المشتركة، وينسق بينها مجلس أعلى يرأسه رئيس الدولة، وقد فوض الدستور المشرع في بيان طريقة تشكيله واختصاصاته بما لا يخل باستقلال هذه الهيئات، ولا يتعارض واختصاصات مجالسها الخاصة، فضلاً عن لزوم أخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وطبقاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969، يضم هذا المجلس في عضويته رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس هيئة قضايا الدولة، ورئيس هيئة النيابة الإدارية. وأما الثالثة: فهي الهيئات التي خولها المشرع ولاية الفصل في خصومات محددة حصراً، وبأحكام تصدرها بعد اتباع الإجراءات القضائية، وفي إطار من ضمانات التقاضي، فهي جهات ذات اختصص قضائي استثنائي.
ومؤدى ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة تعد هيئة قضائية؛ وأن لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليها في المادة 25 – الطعينة – هي هيئة ذات اختصاص قضائي، تفصل في الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.
وحيث إن البين من قوانين الهيئات القضائية المختلفة، أن المشرع – بعد أن جمع الدستور بينها في إطار مجلس أعلى واحد يقوم على شئونها، ويتولى التنسيق بينها – وضع لأعضائها قواعد موحدة تنتظم شئونهم الوظيفية، وحصنهم بضمانة عدم القابلية للعزل، كما حظر عليهم الاشتغال بالعمل السياسي بكافة صوره، مساوياً بذلك بينهم في الحقوق والواجبات؛ ونظم مساءلتهم تأديبياً على نحو يكفل للخصومة التأديبية – في مجال العمل القضائي – خصوصيتها ودقائقها التي ينافيها أو يُطرح أمرها على غير أهلها، لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة فلا يُهتك سترها، فعهد بولاية التأديب إلى “مجلس” أو “لجنة” خاصة مشكلة من أعضاء يمثلون من الهيئة التي ينتمون إليها أعلى مواقعها، توكيداً لأولويتهم في مجال البصر بأمورها، وضماناً لاستقلالها بشئون أعضائها؛ وتقديراً بأن الدستور لا يحول – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – دون أن يعهد المشرع بالفصل في الدعوى التأديبية – في مجال العمل القضائي – إلى هيئة ذات اختصاص قضائي.
وحيث إنه في مقام المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة؛ وعلى الأخص منها طلبات الإلغاء التعويض، فقد استحدث قانونها الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه، لجنة التأديب والتظلمات، واختصها – فضلاً عن تأديب أعضاء تلك الهيئة – بالفصل بقرارات قضائية نهائية في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها، وقد استمد هذا النظام في جوهره مما كان متبعاً بالنسبة لأعضاء مجلس الدولة، وهو ما دعا المحكمة العليا أن تقضى في الدعوى رقم 21 لسنة 6 قضائية دستورية برفض المطاعن الدستورية الموجهة إلى نص المادة 25 من قانون تلك الهيئة. بيد أن مسيرة التشريع لم تتوقف عند هذا الحد بالنسبة للاختصاص بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة – الذين قيس عليهم أعضاء هيئة قضايا الدولة عند صدور قانونها سالف الذكر – ولا بالنسبة لأعضاء هيئة النيابة الإدارية، فقد صدر القانون رقم 50 لسنة 1973 الذي تناول بالتعديل نص المادة 104 من قانون مجلس الدولة بحيث أصبحت تقضي بأن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم وفي طلبات التعويض عنها؛ وبمثل هذا جرى نص المادة 40 (مكرراً – 1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية بعد تعديله بالقانون رقم 12 لسنة 1989. أما قانون السلطة القضائية فقد عهدت المادة 83 منه – معدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984 – بهذا الاختصاص في شأن رجال القضاء والنيابة العامة إلى دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض. وقد دلت هذه القوانين جميعها؛ على أن رد هذا الاختصاص إلى المحاكم، يمثل ضمانة لازمة لأعضاء تلك الهيئات عند نظر طلبات الإلغاء والتعويض المتعلقة بشئونهم مما لا مدعاة معه للجمع بين الاختصاص بالدعوى التأديبية، والمنازعات الإدارية في صعيد واحد. ولا كذلك الحال بالنسبة للجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة، فقد ظلت تجمع بين اختصاصاتها سالفة الذكر بل أضاف إليها القانون رقم 10 لسنة 1986، ومن بعده القانون رقم 88 لسنة 1998، المعدلان لقانون هذه الهيئة – طائفة أخرى من المنازعات هي تلك المتعلقة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات الخاصة بأعضاء الهيئة أو بورثتهم. والبين من مضبطة الجلسة السادسة والسبعين من دور الانعقاد العادي الثالث لمجلس الشعب المعقودة بتاريخ 3 من مايو سنة 1998 أن أحد أعضاء المجلس كان قد تقدم – عند مناقشة مشروع القانون رقم 88 لسنة 1998 المشار إليه – باقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون هيئة قضايا الدولة ليصبح على غرار قانون النيابة الإدارية سواء في شأن الاختصاص بالدعاوى التأديبية أو المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة؛ إلا أن هذا الاقتراح لم يحظ بالأغلبية اللازمة لإقراره.
وحيث إن تنظيم الحقوق منوط بالمشرع، وكان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها، كلما اقتضاها الصالح العام، وفي الوقت الذي يراه مناسباً؛ إلا أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق، كما هو الحال بالنسبة لحق التقاضي، فإن أدى مسلكه إلى الإخلال بهذا الحق، كان ذلك مخالفاً للدستور.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد – فوق ذلك – إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشرع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركة ما فاته في هذا الشأن.
وحيث إن المادة 65 من الدستور على أن “تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات” وكان الدستور قد أكد في المادة 165 أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناء إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40 و68 و165 و172، بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها؛ ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء في منازعات معينة إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها المُلجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – في أوثق روابطها – مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها؛ وهذا العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها بما لا يُخرج نص أي من المادتين 68 و172 من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره. ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة 168 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
وحيث إن القانون، وإن عهد قبلُ بطلبات الإلغاء والتعويض سالفة الذكر إلى اللجنة المشكلة بالنص الطعين، بحسبانها هيئة ذات اختصاص قضائي، إلا أن المشرع وقد قدر بعدُ بنفسه – على ما اتضح من مسلكه إزاء تحديد الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بأعضاء الهيئات القضائية الأخرى – أن المحاكم وحدها هي الأقدر على الفصل في هذا النوع من المنازعات؛ بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي تلابسها عادة، لكي ينال أعضاء هذه الهيئات الترضية القضائية إنصافاً؛ فإن إفراده أعضاء هيئة قضايا الدولة وحدهم بالإبقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها في النص الطعين، في هذا الشأن، يعد إخلالاً بمبدأ المساواة في مجال حق التقاضي رغم توافر مناط إعماله، مكرساً بذلك تمييزاً غير مبرر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى في هذا المجال، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون، ومن ثم فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40 و65 و68 و165 و172 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963، فيما تضمنه من إسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية