الخط الساخن : 01118881009
جلسة 9 سبتمبر سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (84)
القضية رقم 224 لسنة 19 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “تدخل”.
شرط قبول التدخل في الدعوى الدستورية أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها.
2 – دعوى دستورية “حكم: نطاق الحجية”.
الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية لا يفارق نطاقها النصوص التشريعية التي فصلت فيها المحكمة الدستورية العليا فصلاً حاسماً بقضائها.
3 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة، نطاق الخصومة”.
المصلحة الشخصية المباشرة تحدد للخصومة الدستورية نطاقها فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها بصفة مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها.
4 – دستور “قضاء عسكري” – حق التقاضي “مساواة”.
التفويض المخول للمشرع بنص المادة 183 من الدستور في تنظيم القضاء العسكري وبيان اختصاصاته مقيداً بأن يكون هذا التنظيم في حدود المبادئ الواردة في الدستور. الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي – من المتعين دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها.
5 – دستور – مجلس الدولة – محاكم.
مجلس الدولة – بنص المادة 172 من الدستور – هو قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية – المحاكم بنص المادة 165 من الدستور هي التي تتولى السلطة القضائية.
6 – هيئات ذات اختصاص قضائي “اختصاص استثنائي: ضوابطه”.
عدم جواز إيلاء سلطة القضاء في منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تقتضيها الضرورة الملجئة وصلتها بالمصلحة العامة مقطوع بها ولا شبهة في مبرراتها الحتمية – خضوع هذه العناصر للرقابة القضائية للمحكمة الدستورية العليا.
7 – تشريع “المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن في قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة: عوار”.
إسناد هذا النص الاختصاص بنظر الأنزعة الإدارية المبينة فيه على إطلاقها إلى لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية إنما ينتقص دون ضرورة ملجئة من اختصاص مجلس الدولة بحسبانه صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.
1 – عن طلب التدخل، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبوله، أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية، التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها.
2 – الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية لا يفارق نطاقها النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما غيرها مما لم يكن مطروحاً عليها ولم تفصل فيه فعلاً فلا تمتد إليه تلك الحجية، إذ كان ذلك، وكان الحكم الصادر في القضية رقم 4 لسنة 4 قضائية دستورية المشار إليه قد اقتصر على الفصل في دستورية اختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها – وفقاً لنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 96 لسنة 1971 بشأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة – بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة – فإن حجية الحكم السابق يتعين ألا تبرح هذا النطاق، لتقتصر عليه وحده، لا تتجاوزه إلى سواه من اختصاص آخر استحدثه المشرع – بعد صدور الحكم السالف ذكره – لتلك اللجنة بنص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليه، مما يتعين معه الحكم برفض الدفع بعدم القبول.
3 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط يلزم تحققه لقبول الدعوى الدستورية – يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها بصفة مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها.
4، 5، 6 – لئن فوض الدستور – بمقتضى المادة 183 – المشرع في تنظيم القضاء العسكري وبيان اختصاصاته، إلا أنه قيد هذا التفويض – بنص غير مسبوق – بأن يكون ذلك التنظيم في حدود المبادئ الواردة في الدستور، وإذ كان الدستور بما نص عليه في المادة (68) من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها، وكان مجلس الدولة – بنص المادة 172 من الدستور – هو قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية والدعوى التأديبية، ما فتئ قائماً عليها، باسطاً ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها؛ لما كان ما تقدم وكانت المادة (65) من الدستور تنص على أن تخضع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، وكان الدستور قد أكد في المادة (165) أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإنه إذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناءً إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40 و68 و165 و172 بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها، ومن ثم فلا يجوز – على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – إيلاء سلطة القضاء في منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – في أوثق روابطها – مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها، وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها، بما لا يخرج نص أي من المادتين (68 و172) من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره، ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة (167) لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
الأنزعة الإدارية فيما يصدر في شأن طلاب المعاهد العسكرية من قرارات إدارية سواء ما اتصل منها بتحصيلهم الدراسي، أو ما تعلق باجتيازهم لما يعقد لهم من اختيارات، إنما تتمثل في طبيعتها وتتحد في جوهرها مع المنازعات الخاصة بأقرانهم طلاب الجامعات والمعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم والخاضعة لإشرافها فهي صنوها، والدراسة هي لبها ومحورها جميعاً، وهؤلاء وأولئك يدعون فيها بصفة واحدة بكونهم طلاباً، وكان يلزم إعمالاً للأصل المقرر بنص المادة 172 من الدستور أن ينعقد الاختصاص بنظرها جميعاً – دون تفرقة – لمحاكم مجلس الدولة باعتباره قاضيها الطبيعي، إذ كان ذلك فإن النص الطعين إذ أفرد المنازعات المتعلقة بطلاب المعاهد العسكرية بنظام قضائي خاص يشذ عن نظام التداعي الأصلي في شأن المنازعات الإدارية قاطبة، منحياً ما بين هذه النظائر – المتحدة معطياتها – من توافق، مفترضاً تخالفها فيما بينها، إنما يخل بما يتعين قيامه من قواعد موحدة في شأنها عامة، ويخص هذا الفريق من الطلاب – دون جموعهم – بالتنظيم المطعون فيه – مع أنهم – في عمومهم – إزاء حق التقاضي فيما ينشأ عن دراستهم من أنزعة، ذوو مراكز قانونية متماثلة.
إن ما تغياه المشرع – بالنص الطعين – من توحيد القواعد التي تسري على الطعن في القرارات الإدارية الصادرة في القوات المسلحة، لا يقوم دليلاً على أن واقعاً قائماً، بات ضرورة ملجئة، أوجبت – تحقيقاً للصالح العام – انتزاع الاختصاص بنظر المنازعات التي عناها من مجلس الدولة المعقود له أصلاً ولاية القضاء فيها باعتباره قاضيها الطبيعي وإسناده استثناء إلى اللجنة المشار إليها، خاصة وأن طلاب المعاهد العسكرية لا يندرجون قبل تخرجهم منها ضمن الضباط العاملين في القوات المسلحة، بما مؤداه أن أنزعتهم الإدارية إنما تزايلها وتنفك عنها تلك الطبيعة الخاصة التي أملت أن تختص تلك اللجنة – دون غيرها – بنظر المنازعات أولئك الضباط في القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم الوظيفية والانضباطية، ومن ثم فإن قياس أولاهما على أخراهما هو قياس في غير محله.
7 – النص الطعين – فيما جاوز القرارات الإدارية الصادرة في الشئون الانضباطية لهؤلاء الطلاب – يكون قد مايز – في مجال ممارسة حق التقاضي – بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون. ومعوقاً لحق التقاضي، وموهناً من استقلال السلطة القضائية، منتقصاً دون ضرورة ملجئة من اختصاص مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.
الإجراءات
بتاريخ الثاني والعشرين من ديسمبر سنة 1997، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 3171 لسنة 38 قضائية عليا بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة 30/ 11/ 1997 بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا لما تراءى لها من مخالفة المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن في قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة؛ لأحكام المواد 68، 167، 172 من الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وبجلسة 9/ 5/ 1998 طلب السيد/ …… قبول تدخله خصماً في الدعوى.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المعهد الفني للقوات المسلحة كان قد أصدر قراراً بفصل نجل المطعون ضده – الطالب بالمعهد – لرسوبه سنتين متتاليتين في سنة دراسية واحدة، تطبيقاً لنص المادة 19 فقرة ( أ ) بند (3) من القانون رقم 69 لسنة 1980 بشأن النظام الأساسي للمعهد، فأقام المطعون ضده – بصفته ولياً طبيعياً – الدعوى رقم 231 لسنة 46 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، طالباً الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار وإلغائه، على سند من القول بأنه لم يسبقه التحقيق اللازم فيما هو منسوب إلى نجله من مخالفات أوجبت فصله، مما يجعله مشوباً بعيب مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة؛ وإذ قضت تلك المحكمة بوقف تنفيذ ذلك القرار، فقد طعنت الجهة الإدارية على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 3171 لسنة 38 قضائية طالبة إلغاءه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ولائياً بنظر الدعوى، وبجلسة 30/ 11/ 1997 قضت المحكمة الإدارية العليا بوقف الطعن وأمرت بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا لما قدرته من أن نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليه – فيما اختص به لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع والتي تصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة – يخالف أحكام المواد 68، 167، 172، من الدستور؛ تأسيساً على أن الأولى قد حظرت النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء وأن الثانية لا تجيز إضفاء الصفة القضائية على لجنة إدارية بحتة لمجرد وصفها بأنها تنعقد بصفتها هيئة قضائية، وأن مؤدى الثالثة استقلال مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالمنازعات الإدارية بحيث لا يسوغ انتزاع طائفة من تلك المنازعات من اختصاصه المحجوز له بنص الدستور باعتباره قاضيها الطبيعي، وإسناد الفصل فيها إلى اللجنة المشار إليها.
وحين إنه عن طلب التدخل، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على شرط قبوله، أن يكون مقدماً ممن كان طرفاً في الدعوى الموضوعية، التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، وإذا كان طالب التدخل غير ممثل في تلك الدعوى، ولا يعتبر بالتالي من ذوي شأن في الدعوى الدستورية الماثلة، فإن الحكم بعدم قبول تدخله يكون متعيناً.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن المحكمة العليا سبق أن حسمت المسائل الدستورية المثارة فيها بحكمها الصادر بجلسة 7/ 2/ 1976 في القضية رقم 4 لسنة 4 قضائية “دستورية”.
وحيث إن هذا الدفع مردود بما هو مقرر من أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية لا يفارق نطاقها النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما غيرها مما لم يكن مطروحاً عليها ولم تفصل فيه فعلاً فلا تمتد إليه تلك الحجية، إذ كان ذلك، وكان الحكم الصادر في القضية رقم 4 لسنة 4 قضائية دستورية المشار إليه قد اقتصر على الفصل في دستورية اختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها – وفقاً لنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 96 لسنة 1971 بشأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة – بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة – فإن حجية الحكم السابق يتعين ألا تبرح هذا النطاق، لتقتصر عليه وحده، لا تتجاوزه إلى سواه من اختصاص آخر استحدثه المشرع – بعد صدور الحكم السالف ذكره – لتلك اللجنة بنص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليه، مما يتعين معه الحكم برفض الدفع بعدم القبول.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط يلزم تحققه لقبول الدعوى الدستورية – يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها بصفة مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها: إذ كان ذلك، وكان المدعي قد أقام دعواه الموضوعية – أمام محكمة القضاء الإداري – طالباً وقف تنفيذ وإلغاء قرار المعهد الفني للقوات المسلحة بفصل نجله منه، وكان النص الطعين قد عقد الاختصاص بنظر تلك الدعوى للجنة ضباط القوات المسلحة منعقدة بصفة هيئة قضائية، فإن مصلحته الشخصية المباشرة إنما تقتصر على ما تعلق من نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 سالف الذكر، بطلان المعاهد العسكرية دون غيرهم من المخاطبين بأحكامها. ففي هذا الإطار وحده يتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام النص الأخرى.
وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 – المطعون فيها – تنص على ما يأتي:
“تختص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع والتي تصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة”.
كما تنص المادة (2) منه على أن “يسري على الطعن في القرارات المشار إليها في المادة السابقة ذات الأحكام والقواعد والإجراءات المقررة للطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة”. وتكشف المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عما دفع المشرع لإصداره بقولها أنه “صدر القانون رقم 96 لسنة 1971 في شأن الطعن في قرارات لجان الضباط للقوات المسلحة ونص فيه على اختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بهيئة قضائية بنظر المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة: كما نص على إنشاء لجنة قضائية بكل فرع من أفرع القوات المسلحة تختص بالفصل في باقي المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة؛ ثم صدر القانون رقم 123 لسنة 1981 بشأن خدمة ضباط الشرف وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة ونص في المادة 129 منه على تشكيل لجان قضائية عسكرية تختص بالفصل في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط الصف والجنوب ذوي الراتب العالي بالقوات المسلحة.
ولما كان العمل قد أثبت أن هناك بعض المنازعات الإدارية تنشأ عن القرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع التي تصدرها مجالس الكليات أو المعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة.
وتوحيداً للأحكام والقواعد والإجراءات التي تسري على الطعن في القرارات الإدارية الصادرة في القوات المسلحة…. فقد رؤي التقدم بمشروع القانون المرافق”.
وحيث إن لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية التي اختصها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 96 لسنة 1971 بالنظر دون غيرها في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة في شأن الضباط بالقوات المسلحة – وعلى ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا بحكمها المتقدم – هي هيئة ذات اختصاص قضائي، وذلك تأسيساً على أن المصلحة العامة وطبيعة الأوضاع في القوات المسلحة تستلزم وضع المنازعات الإدارية الخاصة بأفراد هذه القوات في يد أسرتهم العسكرية، بالنظر إلى الصلة الوثيقة بين أداء الضابط لمهام وظيفته العسكرية وبين ما يصدر في شأنه من قرارات إدارية بدءاً بقرار إلحاقه بالخدمة العسكرية ونهاية بقرار إنهاء تلك الخدمة.
وحيث إنه ولئن فوض الدستور – بمقتضى المادة 183 – المشرع في تنظيم القضاء العسكري وبيان اختصاصاته، إلا أنه قيد هذا التفويض – بنص غير مسبوق – بأن يكون ذلك التنظيم في حدود المبادئ الواردة في الدستور، وإذ كان الدستور بما نص عليه في المادة (68) من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضية الطبيعي، قد دل – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها، وكان مجلس الدولة – بنص المادة 172 من الدستور – هو قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، ما فتئ قائماً عليها، باسطاً ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها؛ لما كان ما تقدم وكانت المادة (65) من الدستور تنص على أن تخضع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، وكان الدستور قد أكد في المادة (165) أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية، فإنه إذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض الخصومات استثناءً إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائي فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك تضمنتها المواد 40 و68 و165 و172 بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها، ومن ثم فلا يجوز – على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – إيلاء سلطة القضاء في منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – في أوثق روابطها – مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها، وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها، بما لا يخرج نص أي من المادتين (68 و172) من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره، ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة (167) لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
وحيث إنه لم كان ما تقدم وكانت الأنزعة الإدارية فيما يصدر في شأن طلاب المعاهد العسكرية من قرارات إدارية سواء ما اتصل منها بتحصيلهم الدراسي، أو ما تعلق باجتيازهم لما يعقد لهم من اختبارات، إنما تتماثل في طبيعتها وتتحد في جوهرها مع المنازعات الخاصة بأقرانهم طلاب الجامعات والمعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم والخاضعة لإشرافها فهي صنوها، والدراسة هي لبها ومحورها جميعاً، وهؤلاء وأولئك يدعون فيها بصفة واحدة بكونهم طلاباً، وكان يلزم إعمالاً للأصل المقرر بنص المادة 172 من الدستور أن ينعقد الاختصاص بنظرها جميعاً – دون تفرقة – لمحاكم مجلس الدولة باعتباره قاضيها الطبيعي، إذ كان ذلك فإن النص الطعين إذ أفرد المنازعات المتعلقة بطلاب المعاهد العسكرية بنظام قضائي خاص يشذ عن نظام التداعي الأصلي في شأن المنازعات الإدارية قاطبة، منحياً ما بين هذه النظائر – المتحدة معطياتها – من توافق، مفترضاً تخالفها فيما بينها، إنما يخل بما يتعين قيامه من قواعد موحدة في شأنها عامة، ويخص هذا الفريق من الطلاب – دون جموعهم – بالتنظيم المطعون فيه – مع أنهم – في عمومهم – إزاء حق التقاضي فيما ينشأ عن دراستهم من أنزعة، ذوو مراكز قانونية متماثلة.
وحيث إن ما تغياه المشرع – بالنص الطعين – من توحيد القواعد التي تسري على الطعن في القرارات الإدارية الصادرة في القوات المسلحة، لا يقوم دليلاً على أن واقعاً قائماً، بات ضرورة ملجئة، أوجبت – تحقيقاً للصالح العام – انتزاع الاختصاص بنظر المنازعات التي عناها من مجلس الدولة المعقود له أصلاً ولاية القضاء فيها باعتباره قاضيها الطبيعي وإسناده استثناء إلى اللجنة المشار إليها، خاصة وأن طلاب المعاهد العسكرية لا يندرجون قبل تخرجهم منها ضمن الضباط العاملين في القوات المسلحة، بما مؤداه أن أنزعتهم الإدارية إنما تزايلها وتنفك عنها تلك الطبيعة الخاصة التي أملت أن تختص تلك اللجنة – دون غيرها – بنظر المنازعات أولئك الضباط في القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم الوظيفية والانضباطية، ومن ثم فإن قياس أولاهما على أخراهما هو قياس في غير محله.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين – فيما جاوز القرارات الإدارية الصادرة في الشئون الانضباطية لهؤلاء الطلاب – يكون قد مايز – في مجال ممارسة حق التقاضي – بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون. ومعوقاً لحق التقاضي، وموهناً من استقلال السلطة القضائية، منتقصاً دون ضرورة ملجئة من اختصاص مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي مخالفاً بذلك أحكام المواد 40 و65 و68 و165، 172 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 فيما تضمنه من إطلاق اختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع التي تصدرها مجالس المعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة في شأن الطلاب المقيدين بها.
وسوم : حكم دستورية