الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الرابع من مايو سنة 2008م، الموافق الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة 1429هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري وأنور رشاد العاصي وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 23 قضائية “دستورية” والمحالة من محكمة استئناف بني سويف “مأمورية المنيا” في الاستئناف رقم 84 لسنة 33 قضائية “نفس”.
المقامة من:
ورثة المرحوم/ إبراهيم حسين محمد سعد جاويش، وهم:
1 – السيد/ مصطفى إبراهيم حسين محمد سعد جاويش.
2 – السيدة/ عزيزة إبراهيم حسين محمد سعد جاويش.
وورثة المرحومة/ فوزية إبراهيم حسين محمد سعد جاويش:
3 – السيد/ عاطف مصطفى صبري.
4 – السيد/ يحيى مصطفى صبري.
5 – السيد/ حسين مصطفى صبري.
6 – السيدة/ هدى مصطفى صبري.
7 – السيد/ مصطفى صبري عبد العظيم.
8 – السيدة/ أمينة إبراهيم حسين سعد جاويش.
9 – السيد/ أحمد إبراهيم حسين سعد جاويش.
10 – السيد/ محمد إبراهيم حسين سعد جاويش.
11 – السيد/ علي إبراهيم حسين سعد جاويش.
ورثة المرحومة/ بهية علي حسن، وهم:
12 – السيد/ محمد إبراهيم حسين.
13 – السيدة/ سعاد عبد الرحمن علي.
ورثة المرحومة/ سعاد إبراهيم حسين، وهم:
14 – السيدة/ فاطمة محمد بدوي دسوقي.
15 – السيدة/ منيرة محمد بدوي دسوقي.
16 – السيدة/ نبيلة محمد بدوي دسوقي.
17 – السيد/ رضا محمد بدوي دسوقي.
18 – السيد/ علي محمد بدوي دسوقي.
19 – السيدة/ زينب محمد بدوي دسوقي.
20 – السيد/ محمد محمد بدوي دسوقي.
21 – السيدة/ وداد حسن إبراهيم.
22 – السيدة/ نعيمة حسن إبراهيم.
ضد
ورثة المرحوم/ عبد الرءوف عبد الحميد جاويش، وهم:
1 – السيد/ عبد الحميد عبد الرءوف عبد الحميد جاويش عن نفسه وبصفته حارساً على ورثة المرحوم/ حسين محمد سعد.
2 – السيد/ علاء الدين عبد السلام عبد الغني.
3 – السيدة/ عائشة عبد الغني حسين جاويش.
4 – السيدة/ علية عبد الغني حسين جاويش.
5 – السيد/ عبد الغني عبد الفتاح.
6 – السيد وزير الأوقاف.
7 – السيد رئيس الوحدة المحلية لمجلس مركز ومدينة المنيا.
8 – السيد وكيل وزارة التربية والتعليم.
9 – السيدة/ كاميليا حسين إبراهيم.
10 – السيد/ محمد حازم حسين إبراهيم.
11 – السيد/ حسن حسين إبراهيم.
12 – السيد رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية.
ورثة المرحوم/ حسين عبد الحميد جاويش، وهم:
13 – السيدة/ رينيه فهيم سلامة.
14 – السيد/ تامر حسين حسين عبد الحميد جاويش.
15 – السيد رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للقطن والتجارة والتنمية.
16 – السيدة/ زكية السيد محمد.
ورثة المرحوم/ عبد السلام عبد الغني حسين جاويش، وهم:
17 – السيدة/ عزة عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
18 – السيد/ عادل عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
19 – السيد/ محمود الصغير حمدي عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
20 – السيدة/ فاطمة عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
21 – السيد/ السيد عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
22 – السيد/ محمد عبد السلام عبد الغني حسين جاويش.
“الإجراءات”
بتاريخ الرابع والعشرين من يناير سنة 2001، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الاستئناف رقم 84 لسنة 33 قضائية أحوال شخصية “نفس” بعد أن قضت محكمة استئناف بني سويف “مأمورية المنيا” بوقف الاستئناف وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نصوص المواد (3) و(5) و(9) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، ونص المادتين (17) و(18) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف.
وقدم المستأنفون – في الدعوى الموضوعية، مذكرتين، طلبوا فيهما الحكم بعدم دستورية النصوص السالفة البيان، كما قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
“المحكمة”
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – حسبما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن ورثة المرحومين/ إبراهيم حسين محمد سعد جاويش وحسن إبراهيم حسين، وسعاد إبراهيم حسين، كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 243 لسنة 1990 أحوال شخصية “نفس” أمام محكمة المنيا الابتدائية ضد كل من المرحوم/ عبد الرءوف عبد الحميد جاويش – عن نفسه وبصفته حارساً على تركة المرحوم/ حسين محمد سعد جاويش، ووزير الأوقاف، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية، بطلب الحكم بأحقيتهم في حصة مقدارها الخمس في جميع أعيان الوقف المبينة بصحيفة الدعوى، وحصة أخرى مقدارها الربع من نصيب المرحوم/ عبد الرحمن حسين محمد سعد جاويش، وفرز وتجنيب هاتين الحصتين والتسليم. وقالوا بياناً لدعواهم إنه بتاريخ 16/ 12/ 1923 – بموجب الحجة رقم 8 متتابعة محكمة المنيا الجزئية الشرعية – أوقف المرحوم/ حسين محمد سعد جاويش مورثهم ومورث المدعى عليه الأول – الأعيان المبينة بالحجة، وصحيفة الدعوى، على أولاده إبراهيم وعبد الرحمن وحسن بالتساوي بينهم، ثم على أولادهم ونسلهم جيلاً بعد جيل، ونسلاً بعد نسل، الطبقة العليا منهم تحجب الطبقة السفلى، واشترط لنفسه النظر على الوقف مدة حياته، ومن بعده للأرشد من أولاده، وبعد وفاة الموقوف عليه الأخير سنة 1924، قام الواقف بتعديل الحجة من حصة مقدارها قيراطان لكل منهما، وأوقف الحصة التي أخرجها ومقدارها 12 قيراطاً على نفسه، ومن بعده على ولديه عبد الحميد وعبد الغني مناصفة بينهما، ثم عاد سنة 1927 بموجب الحجة رقم 15 متتابعة، بإخراج ولديه عبد الرحمن وإبراهيم كلية، وأصبح الوقف مقصوراً – بعد وفاة الواقف الأصلي – على أولاده عبد الحميد بحق 15 قيراطاً وعبد الغني بحق 9 قراريط، ثم توفي الواقف في 26/ 1/ 1928، وطبقاً للمرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، آلت الملكية إلى المستحقين الحاليين الموجودين على قيد الحياة وقت صدور القانون كل حسب حصته في الاستحقاق، ثم توفي المرحوم/ عبد الحميد مورث المدعى عليه الأول سنة 1959، ثم توفي المرحوم/ عبد الرحمن حسين جاويش سنة 1959 أيضاً ومورثهم سنة 1960، وإذ كان حق المدعيين ثابتاً وصلتهم بالواقف ثابتة بموجب إشهادات الوراثة الشرعية، ومن حقهم المطالبة بميراثهم، فقد أقاموا الدعوى للحكم لهم بطلباتهم السالفة الذكر، وبجلسة 26/ 5/ 1997 قضت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على أنه ليس لمورثي المدعين أي استحقاق في أعيان الوقف، لأن الواقف أخرجهم من الاستحقاق بموجب الحجة رقم 15 متتابعة سنة 1927 وأن الأعيان التي يطالبون باستحقاقهم فيها بوضع يد المدعى عليهم وآخرين استناداً إلى شهر قائمة إلغاء الوقف. طعن المدعون على هذا الحكم بالاستئناف رقم 84 لسنة 33 قضائية “أحوال شخصية نفس” أمام محكمة استئناف بني سويف “مأمورية المنيا”، وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نصوص المواد (3) و(5) و(9) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، ونص المادتين (17) و(18) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، فقد قضت بجلسة 16/ 1/ 2001 بوقف الاستئناف وإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذه النصوص.
وحيث إن المادة (17) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف تنص على أن: “إذا انتهى الوقف في جميع ما هو موقوف على ذوي الحصص الواجبة طبقاً للمادة (42) أو في بعضه أصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف إذا كان حياً، فإن لم يكن حياً صار ملكاً للمستحقين أو لذرية الطبقة الأولى أو الثانية حسب الأحوال، فإن لم يكن منهم أحد صار ملكاً لورثة الواقف يوم وفاته، وإلا كان للخزانة العامة.
وإن انتهى الوقف في جميع ما هو موقوف على غيرهم، أو في بعضه أصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف إن كان حياً، أو لورثته يوم وفاته، فإن لم يكن له ورثة أو كانوا انقرضوا، ولم يكن لهم ورثة كان للخزانة العامة”.
كما تنص المادة (18) من القانون ذاته على أن “إذا تخربت أعيان الوقف كلها أو بعضها، ولم تكن عمارة المتخرب، أو الاستبدال به على وجه يكفل للمستحقين نصيباً في الغلة غير ضئيل، ولا يضرهم بسبب حرمانهم من الغلة وقتاً طويلاً انتهى الوقف فيه، كما ينتهي الوقف في نصيب أي مستحق يصبح ما يأخذه من الغلة ضئيلاً، ويكون الانتهاء بقرار من المحكمة؛ بناءً على طلب ذوي الشأن، ويصير ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف، إن كان حياً، وإلا فلمستحقه وقت الحكم بانتهائه”.
وتنص المادة (56) من القانون ذاته على أن “تطبق أحكام هذا القانون على جميع الأوقاف الصادرة قبل العمل به عدا أحكام الفقرات الثلاث الأولى من المادة (5) والمادة (8) والشرط الخاص بنفاذ التغيير في المادة (11) وبنفاذ الشروط العشرة في المادة (12) وأحكام المادتين (16) و(17)”.
وحيث إن المادة (3) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات تنص على أن “يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً، وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق، وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، أو حصة أصله في الاستحقاق.
ويتبع في تعيين تلك الحصة الأحكام المنصوص عليها في المواد (36) و(37) و(38) و(39) من القانون رقم 48 لسنة 1946 السالف الذكر”.
وتنص المادة (5) من القانون ذاته على أن “تسري القواعد المنصوص عليها في المواد السابقة على أموال البدل المودعة خزائن المحاكم وعلى ما يكون محتجزاً من صافي ربح الوقف لأغراض العمارة أو الإصلاح.
وتسلم هذه الأموال، وكذلك الأعيان التي كانت موقوفة إلى مستحقيها بناءً على طلب أي منهم، وتكون صفة المستحق السابقة، ونصيبه في الاستحقاق حجة على ناظر الوقف عند مطالبته بالتسليم، وإذا كان في العين حصة موقوفة للخيرات اشترك ناظر الوقف مع باقي الملاك في تسلم العين.
وإلى أن يتم تسلم هذه الأعيان تبقى تحت يد الناظر لحفظها، ولإدارتها وتكون له صفة الحارس.
وتسري في جميع الأحوال أحكام الشيوع الواردة في المواد من 825 إلى 850 من القانون المدني مع مراعاة أحكام الفقرة السابقة”.
وتنص المادة (9) من القانون ذاته على أن “يلغى كل نص يخالف أحكام هذا القانون”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها، وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لنظرها لازماً للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية، ولما كان جوهر طلبات المدعين في الدعوى الموضوعية هي المطالبة بحصتهم الميراثية في الوقف الذي تم بموجب حجة حررها الواقف الأصلي عام 1923 وعدلت عام 1927، وتوفي الواقف سنة 1928، وقد حرموا من حصتهم الميراثية بعد إلغاء الأوقاف على غير الخيرات، وأيلولة أعيان الوقف إلى المستحقين فيه وحدهم دون باقي ورثة الواقف الأصلي، ومن ثم فإن مصلحة المدعين تقتصر على ما ورد بنص المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 فيما نصت عليه من أيلولة الأعيان التي انتهى فيها الوقف – بعد وفاة الواقف الأصلي – إلى المستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، أو حصة أصله في الاستحقاق، دون غيرها من أحكام أخرى تضمنها النص السالف الذكر، كما تنتفي مصلحة المدعين في الطعن على باقي النصوص، إذ أن المادة (17) من القانون 48 لسنة 1946 لا تطبق على الأوقاف السابقة على صدور ذلك القانون وفقاً لما نص عليه في المادة (56) من القانون ذاته، كما أنه لا يبين من الدعوى الموضوعية أن أعيان الوقف قد تخربت كلها أو بعضها، أو أن هناك أموال بدل مودعة خزائن المحاكم، ومن ثم فلا انطباق لأحكام المادة (18) من القانون الأخير، أو أحكام المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 – على التوالي – على النزاع الموضوعي، كما أن أحكام المادة (9) من القانون الأخير لا تتضمن حكماً يصلح للخضوع لتقييمه موضوعياً من الناحية الدستورية.
وحيث إن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى انبنى على أسباب ثلاثة: أولها: عدم بيان النص الدستوري المدعى مخالفته، إذ أرجعه حكم الإحالة إلى مخالفة أحكام المادة التاسعة من دستور سنة 1923 الذي تم إلغاؤه، وثانيها: إلى أن المادة (24) من القانون رقم 48 لسنة 1946 هي التي تحكم الواقعة لوفاة الواقف الأصلي سنة 1949، وثالثها: إلى أن المحكمة الدستورية العليا سبق أن قضت برفض الدعوى بعدم دستورية نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 في الدعويين رقمي (67) و(68) لسنة 17 قضائية “دستورية” بجلسة 7/ 6/ 1996.
وحيث إن هذا الدفع مردود في الشق الأول منه، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن ما نصت عليه المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، من أن القرار الصادر من محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة النصوص القانونية التي تثيرها للدستور، أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعوى التي يرفعها إليها خصم للفصل في بطلان النصوص المطعون عليها أو صحتها، يتعين أن يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما يتغيا ألا يكون هذا القرار، أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها؛ ضماناً لتحديدها تحديداً كافياً يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير – بماهيتها أو مداها – خفاء يحول دون إعداد ذوي الشأن جميعاً – ومن بينهم الحكومة – لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة (37) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بل يكون بيانها لازماً لمباشرة هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – لمهامها في شأن تحضير جوانبها، ثم إبدائها رأياً محايداً يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها، ولما كان التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها – ومن خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها – يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن أو حكم الإحالة – حقاً من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة (30) المشار إليها، يكون لغواً، متى كان ذلك، وكانت المادة (3) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 – وفي النطاق المحدد سلفاً – هي التي تحول بين المدعين، وبين إجابتهم لطلبهم في الدعوى الموضوعية من الحكم بأحقيتهم في ملكية حصتهم الميراثية بعد إلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، وهو ما ارتأت معه محكمة الموضوع، أن النص الطعين يخل بحق الملكية المنصوص عليه في المادة التاسعة من دستور سنة 1923 – والذي كان سارياً عند صدور النص الطعين السالف الذكر، فإن قضاء الإحالة يكون كاشفاً عن حقيقة العوار الدستوري الذي ارتأته محكمة الموضوع، خاصة وأن كافة الدساتير المصرية المتعاقبة – وآخرها الدستور القائم – قد حرصت على تأكيد حماية الملكية الخاصة، وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود والقيود التي وردت بتلك الدساتير، ومن ثم يتحدد موضع البطلان المدعى عليه على أساس إهداره مبدأ حماية الملكية الخاصة المنصوص عليه في المادة (34) من الدستور الحالي، ويكون الدفع – في شقه الأول – خليقاً بالرفض.
وحيث إن الدفع في شقه الثاني غير صحيح، إذ الثابت أن الواقف الأصلي قد توفي سنة 1928 – وليس سنة 1949، كما ورد بالدفع، ومن ثم فإن الدفع في هذا الخصوص يكون قائماً على غير أساس.
وحيث إن الدفع في شقه الأخير غير سديد، ذلك أن البين من قضاء المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 7/ 9/ 1996 في الدعويين رقمي 67 و68 لسنة 17 قضائية “دستورية” والتي اقتصر النعي فيها على مخالفة نص المادة (3) من المرسوم بالقانون رقم 180 لسنة 1952 لمبادئ الشريعة الإسلامية، أن المحكمة اقتصرت في قضائها المذكور على التصدي لهذا النعي باعتباره مبنى الطعن الوحيد، وخلصت إلى رفض الدعوى، تأسيساً على أن القيد المقرر بمقتضى المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980، والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، وإذ كانت المادة المذكورة، قد صدرت بتاريخ 14/ 9/ 1952 – ضمن أحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات – ولم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، فإن النعي عليها بمخالفة المادة الثانية من الدستور يكون في غير محله، مما مؤداه أن قضاء المحكمة في هذه الدعوى وعلى ما استقر عليه قضاؤها لا يعتبر مطهراً لذلك النص مما قد يكون عالقاً به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحها على هذه المحكمة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون عليه – وفي النطاق المحدد سلفاً – إخلاله بالحماية المقررة لحق الملكية المقرر بنص المادة (34) من الدستور.
وحيث إن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي – كفل حمايتها لكل فرد، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، من أجل ذلك حظر الدستور في المادة (34) منه فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ثم قضى بألا تنزع من يد صاحبها إلا للمنفعة العامة، مع تعويضه عن ذلك وفقاً للقانون، كما مد نطاق حمايته لها فكفل حق الإرث فيها.
وحيث إن كفالة الدستور لحق الإرث، تعني أن حق الورثة الشرعيين في تركة مورثهم يجب أن يؤول إلى أصحابه كل بحسب نصيبه دون نقصان، كما تعني في الوقت ذاته أن مورثهم لا يملك أن يخص واحداً منهم بنصيب منها يجور به على حق غيره في التركة عينها، إلا إذا كان ذلك في القدر الذي تجوز فيه الوصية للوارث – أو غيره – فإن خالف المشرع ذلك عد مسلكه هذا عدواناً على الملكية الخاصة لكل وارث في نصيبه المحدد في تركة مورثه، الأمر الذي يخالف نص المادة (34) من الدستور التي كفلت حق الإرث.
وحيث إنه ولما تقدم فإن نص المادة (3) من المرسوم بقانون 180 لسنة 1952 – وفي النطاق المحدد سلفاً – فيما تضمنه من أيلولة ملكية الأعيان التي انتهى فيها الوقف على غير الخيرات – بعد وفاة الواقف الأصلي – إلى المستحقين الحاليين فيه، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق، يكون مخالفاً لنص المادة (34) من الدستور، لحرمانه الورثة غير المستحقين في الوقف من حصتهم الميراثية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (3) من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، فيما نصت عليه من أيلولة أعيان الوقف – بعد وفاة الواقف الأصلي – إلى المستحقين الحاليين، ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، أو حصة أصله في الاستحقاق، دون باقي ورثة الواقف.
أمين السر | رئيس المحكمة |
وسوم : حكم دستورية