الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثالث من يونيه سنة 2012م، الموافق الثالث عشر من رجب سنة 1433هـ.
برئاسة السيد المستشار/ فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 95 لسنة 23 قضائية “دستورية”.
المقامة من
السيد/ رشدى أحمد إبراهيم يوسف.
ضـد
1 – السيد رئيس الجمهورية.
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 – السيد محافظ المنوفية.
4 – السيد رئيس مجلس مدينة قويسنا.
الإجراءات
بتاريخ 31 مايو سنة 2001، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية قرار محافظ المنوفية رقم 482 الصادر فى 5/ 12/ 1987، فيما تضمنه من اشتراطات وقواعد الحصول على تصريح بالإحلال والتجديد للمبانى، أو ضرورة التقيد ببعد معين للطرق بهدف توسعتها، وتجريم المخالف جنائيًا وإداريًا، وذلك كله بالنسبة لقرى المحافظة، ومنها قرية عرب الرمل – مركز قويسنا – منوفية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 1041 لسنة 3 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بطنطا، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ المنوفية رقم 482 لسنة 1987، وما يترتب على ذلك من آثار، على سند من أن الوحدة المحلية بعرب الرمل قامت بتحرير محضر مخالفة مبانٍ ضده، وتم قيده برقم 183 لسنة 1996 إدارى مركز قويسنا، وذلك لقيامه بهدم وإعادة بناء منزله دون الحصول على تصريح من الوحدة المحلية، وعدم التزامه بالردود المطلوبة بالنسبة للسور، وذلك بالمخالفة لقرار محافظ المنوفية المشار إليه، وقد قررت النيابة العامة حفظ المحضر إداريًا، إلا أن الوحدة المحلية حاولت هدم السور، بقالة وجوب الارتداد به حتى يكتمل عرض شارع داير الناحية الذى يطل عليه المنزل ستة أمتار تنفيذًا للقرار المشار إليه، الذى نعى عليه المدعى مخالفته أحكام الدستور، لتضمنه نزعًا للملكية الخاصة دون تعويض، فضلاً عن عدم انطباقه على منزله المقام فى الخمسينات وقبل العمل بقانون التخطيط العمرانى، وأن الشارع الذى يطل عليه المنزل ليس داير الناحية أو من مداخل القرية، ومن ثم أقام المدعى دعواه سالفة الذكر توصلاً للقضاء له بطلباته المتقدمة. وبجلسة 26/ 3/ 1996 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء، فقد طعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، وقيد طعنه برقم 3450 لسنة 42 قضائية عليا، وأثناء نظر الطعن دفع بعدم دستورية القرار الآنف الذكر، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان القرار المطعون فيه قد تضمن وضع قواعد واشتراطات التخطيط العمرانى بمدن وقرى المحافظة، بصفة مؤقتة، إلى أن يتم إعداد التخطيط العام والتخطيط التفصيلى، واشترط فى المادة الأولى منه بالنسبة للقرى، ألا يقل عرض شارع داير الناحية والمداخل عن ستة أمتار، فإذا كانت أقل من ذلك لزم الارتداد بمقدار نصف الفرق بين الطريق والستة أمتار على الجانبين، كما حظر إقامة أى بناء إلا بعد الحصول على تصريح من المجلس القروى المختص، وهى الأحكام التى ارتكنت إليها الجهة الإدارية فى تحرير المحضر المقيد برقم 183 لسنة 1996 إدارى مركز قويسنا، ضد المدعى، والتى تستند إليها فى اتخاذ إجراءات هدم وإزالة العقار المملوك له، وهى فوق هذا محل طلب وقف التنفيذ والإلغاء، وما يترتب على كل ذلك من آثار، المطروحة أمام محكمة الموضوع، كما انصبت عليها طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة بالنسبة للطعن على هذا القرار.
وحيث إن المدعى ينعى على القرار المطعون فيه مخالفة نصوص المواد (34، 36، 61، 64، 65، 66، 68، 86، 144) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا القرار صدر من غير مختص أو مفوض
بإصداره، وتضمن اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية، ومد سريان قانون التخطيط العمرانى إلى القرى والمبانى المقامة قبل صدور هذا القانون، واعتماد التخطيط العمرانى العام والخاص، دون وجه حق وبأثر رجعى، كما تضمن مساسًا بسيادة القانون، ومصادرة للأموال، ونزعًا للملكية الخاصة دون سلوك الإجراءات القانونية، ودون الالتجاء إلى القضاء أو دفع تعويض عادل، هذا فضلاً عن مخالفته للقانون رقم 106 لسنة 1976 فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، وقانون التخطيط العمرانى الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982.
وحيث إنه عن النعى الأخير، فمردود بأن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص القانونية – على ما جرى به قضاؤها – مناطها مخالفة تلك النصوص لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، وكذا التعارض بين اللائحة والقانون، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا – بذاته – على مخالفة دستورية، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن ذلك النعى.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض فى عيوبها الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية، سواء فى ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفاذها، إنما تتحدد فى ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها، ومن ثم فإن نصوص دستور سنة 1971، الذى صدر القرار المطعون فيه فى ظل العمل به، تكون هى الواجبة التطبيق فى هذا الشأن.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدولة القانونية – وعلى ما تنص عليه المادة (65) من دستور سنة 1971 – هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها – أيًا كانت وظائفها أو غاياتها – بقواعد قانونية تعلو
عليها، وتردها على أعقابها إن هى جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه – وأيًا كان القائمون عليها – لا تعتبر امتيازًا شخصيًا لمن يتولونها، ولا هى من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير فى تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا فى الحدود التى رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن مضمون القاعدة القانونية التى تعتبر إطارًا للدولة القانونية تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد – من منظور المفاهيم الديمقراطية التى
يقوم نظام الحكم عليها على ما تقضى به المواد (1، 3، 4) من دستور سنة 1971 – على ضوء المعايير التى التزمتها الدول الديمقراطية فى ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل فيما بينها على انتهاجها باطراد فى مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضمانًا لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من محتواها أو تعطل جوهرها.
وحيث إن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية، بمضمونها، يعتبر شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفادها، تبعًا لذلك، يفترض إعلانها من خلال
نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها. وكان ذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان – وإن كان تحقق ثانيتهما معلقًا على وقوع أولاهما – هما نشرها وانقضاء المدة التى حددها المشرع لبدء العمل بها، وكان من المقرر أن كل قاعدة قانونية – سواء تضمنها قانون أو لائحة – لا يجوز اعتبارها كذلك، إلا إذا قارنتها صفتها الإلزامية التى تمايز بينها وبين القاعدة الخلقية، فإن خاصيتها هذه تعتبر جزءًا منها، فلا تستكمل مقوماتها بفواتها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه إن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر يعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلاً دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيًا. وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها – وهم من الأغيار فى مجال تطبيقها – متضمنًا إخلالاً بحرياتهم أو بالحقوق التى كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التى حدد تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التى لا تنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التى اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها، وعلى ما اتصل منها بصون الحرية الشخصية، والحق فى الملكية.
وحيث إن من المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تكتمل فى شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها وإقرارها وإصدارها وشروط نفاذها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها فى شأن المشمولين بحكمها – مع افتقارها لقوالبها الشكلية – لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها للقانون وسموه عليها، باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه لم ينشر فى الجريدة الرسمية “الوقائع المصرية” بالمخالفة للنصوص المتقدمة ونص المادة (188) من دستور سنة 1971، ومن ثم فإن تطبيقه على المدعى قبل نشره، يزيل عن القواعد التى تضمنها صفتها الإلزامية، فلا يكون لها قانونًا من وجود.
وحيث إن مؤدى ما تقدم مخالفة أحكام القرار المطعون فيه، جميعها، لنصوص المواد (1، 3، 4، 64، 65، 188) من دستور سنة 1971، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم دستوريته برمته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار محافظ المنوفية رقم 482 الصادر بتاريخ 5/ 12/ 1987، وألزمت الحكومة بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية