الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مايو سنة 2018م، الموافق التاسع عشر من شعبان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو ومحمود محـمد غنيـم وحاتم حمـد بجاتـو والدكتور محمد عمـاد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي:
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 23 قضائية ” دستورية”
المقامة من:
ورثة المرحوم / أحمد مرسـى خليفـة، وهم :
1 – محمد أحمد مرسى خليفـة
2 – خالد أحمد مرسى خليفـة
3 – زينب أحمد مرسى خليفـة
4 – سوسن أحمد مرسى خليفة
5 – كوثر أحمد مرسى خليفـة
6 – عزة أحمد مرسى خليفـة
ضد
1- رئيـس الجمهوريـة
2- رئيس مجلـس الـوزراء
3- رئيس مجلس إدارة بنك ناصـر الاجتماعى
الإجراءات
بتاريخ الحادى والثلاثين من يناير سنة 2001، أقام مورث المدعين هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيـع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما انطوى عليه، وتضمنه من الامتداد القانونى المطلق لعقد الإيجار الصادر للمستأجر إذا كان شخصًا اعتباريًا، وعدم دستورية وسقوط نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية، لارتباطهما بالنص المتقدم، فيما لم يرد بهما من النص على تحديد أو تقييد الامتداد القانونى لعقد الإيجار الصادر للمستأجر إذا كان شخصًا اعتباريًّا.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى: واحتياطيًّا: برفضها.
وقدم البنك المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكـم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/10/1977، قام مورث المدعين بتأجير الطابقين الأرضى والأول، بالعقار ملكه الكائن بشارع الخليفة المأمون بمدينة كفر الشيخ، للبنك المدعى عليه الثالث، لاستعماله كفرع له، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمدد مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين، الطرف الآخر، برغبته فى إنهاء العقد، وبتاريخ 9/2/1999، قام مورث المدعين بإخطار البنك برغبته فى إنهاء الإجارة، اعتبارًا من نهاية المدة التى امتد لها العقد، ولعدم استجابة البنك، أقام الدعوى رقم 192 لسنة 2000 مدنى كلى ” مساكن “، أمام محكمة كفر الشيخ الابتدائية، طلبًا للحكم بإنهاء عقد الإيجار، وإلزام البنك بتسليمه العين المؤجرة خالية، وأثناء نظر الدعوى بجلسة 26/11/2000، طلب البنك رفض الدعوى، استنادًا للامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار، المقرر بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، فدفع مورث المدعين بعدم دستورية ذلك النص، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وبجلسة 3/2/2018، طلب الحاضر عن الدولة الحكم بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى، وبالجلسة ذاتها، حضر محامٍ عن ورثة المدعى، وقرر بوفاته بتاريخ 29/6/2015، وصحح شكل الدعوى فى مواجهة الحاضر عن الدولة ومحامى بنك ناصر الاجتماعى، بحلول ورثة المدعى محله، طبقًا لنص المادة (130) من قانون المرافعات، وباشر الدعوى نيابة عنهم بموجب سند وكالة يبيح له ذلك، كما قدم بجلسة 3/3/2018 صحيفة تصحيح شكل الدعوى.
وحيث إن ولاية المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة فى قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى للفصل فى المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعى، وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، وهذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام العام، باعتبارها شكلاً جوهريًا فى التقاضى، تغيا به المشرع مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها، إذ كان ذلك، وكان المدعى قد قصر دفعه بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع على نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، وقد قدرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعـوى الدستورية عن ذلك النص، ومن ثم، تكون دعواه المعروضة مقبولة فى هذا الشق منها، دون نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997، لانحلالها بشأنهما إلى دعوى دستورية أصلية أقيمت بالطريق المباشر، بالمخالفة للأوضاع المقررة بنص المادة (29) فى قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فى دستورية النص المطعون عليه، فـى القضية رقـم 105 لسنة 19 قضائية “دستورية”، الصادر بجلسة 3/11/2002، برفض الدعوى، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية، والمانعة من نظر أى طعن دستورى جديد، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم يكن مثارًا للنزاع أمامها ولم تفصل فيه بالفعل، فلا يمكن أن يكون موضوعًا لحكم يحوز حجية الأمر المقضى، ومـن ثـم لا تمتد إليه الحجيـة المطلقة للحكم فى الدعوى الدستورية السابقة، إذ كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن باشرت رقابتها على دستورية صدر نص الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه – محل الطعن فى الدعوى المعروضـة – وذلك فـى القضية الدستوريـة رقـم 105 لسنة 19 قضائية، وقضت فيهـا بجلسـة 3/11/2002، برفض الدعوى، وكانت رحى النزاع الموضوعى، الذى انبثقت عنه تلك الدعوى الدستورية، تدور حول طلب إنهاء عقد إيجار عين سكنية مؤجرة لشخص طبيعى، وقد تأسس الحكم الصادر برفض تلك الدعوى الدستورية على إنه ” وحيث إن النص الطعين لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار وإنما هو قصد إلى تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه، وهو امتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة، إلا أن مدته تتحدد بوقائع عدة منها…..، ثم يتحقق التأقيت النهائى للعقد بوفاة المستأجر إذا وقعت هذه الوفاة خلال مدة الامتداد القانونى له…… “. وأن ” ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح، تمثلت فى خلل شديد فى التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية، وبين حجم الطلب عليها، وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية، وكان تجاهلها يعنى تشريد ألوف من الأسر من مأواها، بما يعنيه ذلك من تفتيت فى بنية المجتمع، وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعى، مما دعا المشرع المصرى إلى تبنى قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، منذ التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وحتى النص الطعين، كى يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الاجتماعى… “. متى كان ذلك، وكانت الأسباب التى تأسس عليها ذلك الحكم، وبقدر اتصالها الحتمى بما انتهى إليه منطوقه من رفض الدعوى، مؤداه انصـراف حجيته إلى اتفاق أحكام صدر الفقـرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه وأحكام الدستور، فى مجال انطباق قاعدة الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار المقررة به على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى للأشخاص الطبيعيين، باعتبار أن تلك المسألة كانت هى سبب النزاع فى الدعوى الموضوعية، التى تولدت عنها الدعـوى الدستوريـة، وقد فصلت المحكمة الدستورية العليا فى قاعدة هذا الامتداد فصلاً حاسمًا بقضائها، ويتعين بالتالى ألا تبرح حجية ذلك الحكم هذا النطاق، لتقتصر عليه وحده، دون أن تتجاوزه إلى ما يحمله إطلاق عبارة النص التشريعى ذاته، ليشمل الامتداد القانونى لمدة عقد إيجار الأماكن لأحد الأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى، إذ لم يكن أمره مطروحًا على المحكمة الدستورية العليا، ولم يكن مثارًا للنزاع أمامها، ولم تشر المحكمة فى أسباب حكمها إلى امتداد نطاقه إلى تلك الأماكن، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكـم فى الدعوى الدستورية السابقة، ويظل أمره قابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول فيه كلمتها، الأمر الذى يكون معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة مفتقدًا لسنده.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه تنص على أن ” لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية :
( أ ) الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط ، والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة، وفقًا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية.
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة…………
(ج) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى صريح من المالك للمستأجر الأصلى، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائيًا، …………
( د ) إذا ثبت بحكم قضائى نهائـى أن المستأجـر استعمل المكـان المؤجـر أو سمح باستعمالـه بطريقـة مقلقـة للراحـة أو ضـارة بسلامـة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة “.
وتنص الفقرتان الثانية والثالثة من تلك المادة على أن “ومع عدم الإخلال بالأسباب المشار إليها، لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المفروشة.
وتلغى المادة (31) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وذلك اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون”.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن النصوص القانونية التى دل المشرع بعموم عباراتها على انتفاء تخصيصها، إنما تُحْمَلُ على اتساعها لكل ما يندرج تحت مفهومها، ذلك أن النص التشريعى إذا ما ورد مطلقًا، فإنه يحمل على إطلاقه، إلا إذا ثبت بنص آخـر ما يقيـده، فإن قـام الدليل على تقييده، كان هذا الدليل صارفًا له عن إطلاقه، ومبينًا المراد منه. متى كان ذلك، وكان صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه قد جرى نصه على أن “لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية :…..”. ومؤدى هذا النص، أن المشرع لم يجز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجر بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها فى العقد، لتصير ممتدة بقوة القانون، ما لم يتحقق أحد أسباب الإخلاء المنصوص عليها حصرًا بتلك المادة، وقد جاءت عبارة ذلك النص، فى شأن الامتداد القانونى لمدة عقد إيجار الأماكن، بصيغة عامة ومطلقة، لتشمل الأماكـن المؤجـرة لغرض السكنى أو لغير هذا الغرض، المؤجرة لأشخاص طبيعيين أو لأشخاص اعتبارية، عامة كانت أم خاصة. ولم يرد بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه تقييد لهذا الإطلاق، فيما خلا عقود إيجار الأماكن المفروشة، فلا يسرى عليها الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام قاضى الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى – الذى انبثقت عنه الدعوى المعروضة – تدور رحاه حول مدى أحقية المدعين فى طلب الحكم بإنهاء عقد إيجار العين المؤجرة من مورثهم للبنك المدعى عليه الثالث، لاستعمالها كفرع له بمدينة كفر الشيخ، وتسليمها لهم خالية، بعد انتهاء المدة التى حددها طرفا العقد، وضمناها نصوصه. وكان ما يحول دون إجابتهم لطلبهم ما ورد بصدر الفقـرة الأولى مـن المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، من النص على أن “لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخـلاء المكـان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فـى العقد، إلا لأحد الأسباب الآتية :……. “، باعتبار أن ذلك النص هـو الـذى قـرر الامتداد القانونى لمدة كافة عقود إيجار الأماكن – عدا المفروشة – ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد، سـواء كـان المستأجـر شخصًا طبيعيًّا أم اعتباريًّا، ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية ما ورد بذلك النص من إطلاق وعموم عبارته لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتبعًا لذلك؛ تتوافر للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن بعدم دستوريته، ويتحدد فيه – وحده – نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن مناعى المدعين على النص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده – يتحدد فى مخالفته لنصوص المواد (7، 8، 32، 34، 40. 41) من دستور سنة 1971، وذلك بما قرره من امتداد قانونى لمدة عقد إيجار الأماكن لأحد الأشخاص الاعتبارية، لاستعمالها فى غير غرض السكنى، بعد انتهاء المدة المتفق عليها فى عقد الإيجار، حتى صارت يدهم عليها مؤبدة، ونزعها من أيدى ملاكها، بما يخل بالتضامن الاجتماعى، وبمبدأ تكافؤ الفرص، ويخل بالحماية المقررة للملكية الخاصة، وينال من حرية التعاقد باعتبارها فرعًا من الحرية الشخصية، فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة بين المؤجرين لأشخاص اعتبارية، والمؤجرين لأشخاص طبيعيين، الذين تنتهى عقود إيجارهم بوفاة صاحب حق البقاء فى العين، وفقًا للضوابط الواردة فى الفقرة الثانية مـن المادة (29) من القانـون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه.
وحيث إن الرقابة على مدى مطابقة النصوص التشريعية – أيًا كان تاريخ العمل بها – للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعى التى وجهها المدعين للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه، الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم – من خلال أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعون فى خصوص المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه فى دستور سنة 1971: فالثابت أن المادتين (7، 8) بشأن التضامن الاجتماعى وتكافـؤ الفرص، والمادتين (32، 34) بشأن صون الملكية الخاصة وتنظيم وظيفتها الاجتماعية، والمادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين، والمادة (41) بشأن صون الحرية الشخصية باعتبارها حقًا طبيعيًّا، التى وردت فى دستور سنة 1971، تطابق فى مجملها الأحكام الواردة فى المواد (4، 8، 9، 35، 53، 54) من الدستور القائم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية اقتضتها المادة (54) من الدستور؛ صونًا للحرية الشخصية، التى لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيـار وسلطة التقرير التى ينبغى أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائن يُحمل على ما لا يرضاه، وحرية التعاقد بهذه المثابة، فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق فى الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التى ترتبها العقود – المبنية على الإرادة الحرة – فيما بين أطرافها. بيد أن هذه الحريـة – التى لا يكفلهـا انسيابهـا دون عائـق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها – لا تعطلها تلك القيود التى تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنـواع من العقود محددًا بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيـود لا يسعهـا أن تدهم الدائرة التى تباشـر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلـط بين المنفعة الشخصية التى يجنيها المستأجر من عقد الإيجار – والتى انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير – وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن النص المطعـون فيـه – محـددًا نطاقًا على النحـو المتقـدم – إذ أجاز للشخص الاعتبارى المستأجر لعين لاستعمالها فى غير غرض السكنى، البقاء فيهـا بعد انتهـاء المدة المتفق عليهـا فى العقد، فإنه على هذا النحو – وباعتباره واقعًا فى إطار القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية – يكون قد أسقط حق المؤجر – مالك العين فى الأعم من الأحوال – فى استرداد العين المؤجرة بعد انتهاء مدة إجارتها، حال أن حق المستأجر لازال حقًا شخصيًا مقصورًا على استعمال عين بذاتها فى الغرض الذى أُجريت من أجله خلال المدة المتفق عليها فى العقد، فلا يتم مد تلك المدة بغير موافقة المؤجر، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرماها معًا، صريحًا كان هذا الشرط أم ضمنيًا. ومن ثم، فإن ما تضمنه ذلك النص من امتداد قانونى لمدة عقد إيجار الأماكن المؤجرة لأشخاص اعتبارية، لاستعمالها فى غير غرض السكنى، يكون متضمنًا عدوانًا على الحدود المنطقية التى تعمل الإرادة الحـرة فى نطاقها، والتى لا تستقيم الحريـة الشخصية – فى صحيح بنيانها – بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض أساسها، وذلك بالمخالفة للمادة (54) من الدستور.
وحيث إنه من المقرر – أيضًا – فى قضاء هذه المحكمة أن صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز له أن يجردهـا من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التى يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صـور الانتفاع بها، ذلك أن صـون الملكية وإعاقتهـا لا يجتمعان، وأن هدمها أو تقويض أُسُسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفًا بها منافيًا للحق فيها.
وحيث إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها، من خلال عقود إيجارها، إنما تعنى حقهم فى تحديد مدة العقد، ليكون العقد وحده – وبحسبانه تصرفًا قانونيًا وعملاً إراديًا – بديلاً عن التدخل التشريعى لتحديد هذه المدة، باعتبار أن تأقيت هذا العقد يُعد جزءًا لا يتجزء من حق الاستغلال الذى يباشرونه أصلاً عليها. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، بما قرره من امتداد قانونى لمدة عقد إيجار الأماكن للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى، قد سلب حق المؤجر فى طلب إخلائها بعد انتهاء مدة الإيجار المتفق عليها فى العقد، لتصير يد المستأجر على العين مؤبدة، باقية مدة بقاء الشخص الاعتبارى – عامًا كان أم خاصًا – ولو كان المؤجر فى أمس الحاجة لها، فإن هذا النص، فضلاً عن إخلاله بالتوازن الواجب بين أطراف العلاقة الإيجارية، مغلبًا مصالح أحد أطرافها – المستأجر – على الطرف الآخر– ولغير ضرورة تقتضيها الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة – يكون قد انتقص من إحدى عناصر تلك الملكية، بما فرضه من قيود تنال جوهر مقوماتها، من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها واستغلالها، فضلاً عما يترتب على ذلك من تصادم المصالح، والمساس بالتوافق والسلام الاجتماعى بين أفراد المجتمع، وهو ما يجاوز نطاق السلطة التقديرية المقررة للمشرع فى مجال تنظيم الحقوق، لينحل التنظيم الذى أتى به تقييدًا لها، بما ينال من أصل الحق فى الملكية وجوهره، ويهدد التضامن الاجتماعى باعتباره أحد مقومات المجتمع، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد ( 8، 33، 35، 92) من الدستور.
وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور فى المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، وكان مبدأ المساواة أمـام القانـون – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أم من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التى ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها؛ ليكون اتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها، منطقيًا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا، كما حرص الدستور فى المادة (9) منه على كفالة تكافؤ الفرص بما يستوجبه ذلك من ترتيب المتزاحمين على الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالى حجبها عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.
وحيث إنه من المقرر – كذلك – فى قضاء هذه المحكمة أن العبرة فى تقرير دستورية التشريع هى بتوافق أو تصادم نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقًا معينًا، وجب عليه – وفقًا لمبدأى المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور مكانًا عاليًا – أن يضع القواعد التى تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية التى تتكافأ فى العناصر المكونة لها، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة، وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة، وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ – من زاوية دستورية – أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوى المراكز المتحدة فى أركانها وعناصرها، أو أن يعتدى على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يُسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح باب إلى حق، امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر، إذ كان ذلك، وكان جميع مؤجرى الأماكن لاستعمالها فى غير غرض السكنى، فى علاقاتهم بمستأجريها، فى خصوص الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار، تتكافأ مراكزهم القانونية، مما يستوجـب – من زاوية دستورية – وحدة القاعـدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم. إلا أن المشرع – بموجب النص المطعون فيه – قد خالف ذلك، إذ اختص فئة المؤجرين لهذه الأماكن لأشخاص اعتبارية، بمعاملة أدنى من قرنائهم المؤجرين لها لأشخاص طبيعيين، بأن حرم الفئة الأولى، من استرداد العين المؤجرة ما بقى الشخص الاعتبارى قائمًا عليها، سواء كان المستأجر شخصًا اعتباريًّا عامًا أم خاصًا. حال أن الفئة الثانية من المؤجرين سترد إليهم العين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلى، أو انتهاء امتداد العقـد، لمرة واحدة للفئات التى حددها المشرع من ورثته الذين يستعملون العين المؤجرة فى النشاط ذاته الذى كان يمارسه طبقًا للعقد، على نحو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997. وهذا التمييز فى المعاملة بين طائفتى المؤجرين لأماكن لاستعمالها فى غير غرض السكنى، بحسب ما إذا كان المستأجر شخصًا اعتباريًّا أو شخصًا طبيعيًّا، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية، باعتبارهـم جميعًا مؤجرين لأماكن مخصصـة لغير أغراض السكنى، مما كان يوجب أن تنتظمهـم جميعًا قواعد قانونية واحدة، لا تقيـم فى مجال تطبيقها تمييزًا بينهم من أى نوع، ومن ثم، فإن إقامة النص المطعون فيه هذا التمييز التحكمى بين هاتين الطائفتين من المؤجرين فى هذا الخصوص، وبالنظر لكونه يعد الوسيلة التى اختارها المشرع لتنظيم العلاقة بين مؤجرى ومستأجرى هذه الأماكن، والتى لا ترتبط ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا بالأهداف التى رصدها لهذا التنظيم، فإنه يكون مصادمًا لمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، ويقع – من ثم – فى حومة مخالفة نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المطعون عليه – فى النطـاق السالف تحديده – يكون مخالفًا للمواد (4، 8، 9، 33، 35، 53، 54، 92) من الدستور.
وحيث إنه عن طلب الحكم بسقوط نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه، لارتباطهما بنص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما لم تتضمناه من النص على تحديد أو تقييد الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار الصادر للمستأجر إذا كان شخصًا اعتباريًا، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن طلب السقوط لا يعتبر طلبًا جديدًا منبت الصلة بما دُفع به أمام محكمة الموضوع، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التى تملكها المحكمة الدستورية العليا فيما لو قضت بعدم دستورية نص معين، ورتبت السقوط للمواد الأخرى المرتبطة به ارتباطًا لا يقبل التجزئة، وهو أمر تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم. إذ كان ذلك، وكان النص المقضى بعدم دستوريته فى هذه الدعوى – فى النطاق السالف تحديده، وبقدر انعكاسه على النزاع المردد أمام محكمة الموضوع – ينصرف إلى ما تضمنه ذلك النص من إطلاق عبارته لتشمل امتدادًا قانونيًّا لمدد عقود إيجار الأماكن المؤجرة لأشخاص اعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى، حال أن نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 6 لسنة 1997 المشار إليه تتناولان مسألة الامتداد القانونى لمدة عقد إيجار تلك الأماكن، المؤجرة لأشخاص طبيعيين، لفريق من ورثة المستأجر الأصلى، وفقًا للضوابط والشروط الواردة فى ذلك القانون، فإن مؤدى ذلك، عدم وجود محل لإعمال أحكام هذين النصين على وقائع النزاع الموضوعى، لعدم ارتباط أحكامهما بالنص المقضى بعدم دستوريته فى الدعوى المعروضة، ومن ثم لا يكون هناك محل للقضاء بسقوطهما تبعًا لهذا القضاء.
وحيث إن هذه المحكمة تقديرًا منها لاتصال النص المطعون فيه بنشاط الأشخاص الاعتبارية، وتأثيره على أداء هذه الأشخاص لدورها فى خدمة المجتمع، والاقتصاد الوطنى، فإن المحكمة تعمل الرخصة المخولة لها بنص الفقـرة الثالثة مـن المـادة (49) من قانونها، وتحدد لإعمال أثر هـذا الحكم اليوم التالـى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى السنوى لمجلس النواب، التالى لتاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية طبقًا لنص المادة (195) من الدستور، والمادة (49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وهو الدور الذى سيعقد خلال عام (2018/2019) طبقًا لنص المادة (115) من الدستور، وذلك دون إخلال باستفادة المدعى – فى الدعوى المعروضة – من هذا الحكم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة ” لا يجوز للمؤجـر أن يطلب إخلاء المكـان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد،… “، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى. وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ثانيًا : بتحديد اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى السنوى لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره.
وسوم : حكم دستورية