الخط الساخن : 01118881009
نحن حافظ سابق رئيس محكمة القاهرة الابتدائية
بعد الاطلاع علي الأمر الصادر من النيابة العامة بتاريخ 7 من مايو 1950 بضبط كتاب ” من هنا نبدأ ” و علي الكتاب المذكور ، و علي كتاب حضره صاحب القضية رئيس لجنه الفتوى بالجامع الأزهر المؤرخ في أول مايو سنه 1950.
وعلي التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة مع الأستاذ خالد محمد خالد مؤلف هذا الكتاب.
وبعد سماع أقوال هذا المؤالف ودفاع حضره المحامي الحاضر معه .
وحيث أن النيابة العامة طلبت تأييد الأمر الصادر منها بضبط هذا الكتاب استناد إلي المادة 198 عقوبات وقالت في تبرير ذلك أن المولف ارتكاب الجرائم الآتية :
أولا : انه تعدي علنا علي الدين الإسلامي . الأمر المعاقب عليه بمقتضي المادتين 161، 171 عقوبات .
ثانيا : انه حبذ وروج علنا مذهبا يرمي إلي تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة و إرهاب ووسائل أخري غير مشروعة ، الأمر المعاقب عليه بمقتضي المادة 174 بالعقوبات .
ثالثا: انه حرص علنا علي بعض طائفة من الناس وهي طائفة الرأسماليين و الازدراء بها تحريضا من شانه تكدير السلم العام. الأمر المعاقب عليه بمقتضي المادتين 171،176 عقوبات .
وحيث انه فيما بجريمة التعدي علي الدين الإسلامي ، وقد اعتمدت النيابة العامة في إسنادها إلي مولف الكتاب علي رأي لجنه الفتوى بالجامع الأزهر الذي يتحصل في أن هذا الكتاب قد وضع بروح تناصب الدين العداء السافر ، و تعمل جهدها علي هدم كيانه وتسلبه اخص وظائفه وهي الهيمنة علي شئون الحياة و تدبيرها و إقامة أمور الناس فيها علي أسس العدل و الاستقامة ، وسياستهم بكل ما فيه من إصلاح حالهم في الدنيا وتوفير أسباب سعادتهم في الآخرة بالنصح والإرشاد و الوعظ و الهداية و أخري للقضاء العدل و الحكم الرشيد و تاميين الناس علي أنفسهم و أموالهم و أعراضهم وسائر حقوقهم وإنصاف المظلومين و الضرب علي أيدي المعتدين الظالمين . وان كتاب الله وسنه رسوله كلاهما ملئ بالتصريح القطعي الواضح البين في الحكم و القضاء وما إليهما من مظاهر الهيمنة الفعلية علي جميع نواحي الحياة الاجتماعية مالية و جنائية ، فردية و اجتماعية ودولية ، وقد دعمت لجنه الفتوى رأيها هذا بما يلي :
1- أن المولف صورة الحكومة الدينية بخصائص و غرائز من شانها أن تبعث في النفوس محاربة هذا النوع من الحكم . ورماها بالغموض المطلق . وان دستورها الذي تخضع له و تقوم به وتفر إليه و تهرب، هو الدين… هو القران ، وان القران و السنه فيها من الغموض والاحتمالات ما يجعل في الايه و الحديث متمسكا للمتخاصمين المتعارضين في الرأي ، وان المولف يعني بهذا أن ذلك الغموض يجعلها غير صالحين لان يكونا أساسا صالحا للحكومة .
2- أن المولف يقرر أن مهمة الدين لا تعدو الهداية والإرشاد وان ما قام به النبي من قيادة الجيوش و المفاوضات وعقد المعاهدات وغيرها من مظاهر السلطة التي يمارسها الحكام لم يكن إلا لحكم ضرورات اجتماعية . وان المولف يعني بذلك أن هذه الشئون التي قام بها النبي لم يقوم بها لأنها من مهمته الدينية وعنصر من عناصر الرسالة .
3- أن المؤلف يري أن الحدود جميعها موقوفة عن العمل و ليس هناك مجال لإقامتها وان عمر أوقف حد السرقة أيام المجاعات وصار ذلك سنة رشيدة من بعده . وان حد الزنا يحمل موانع تنفيذه وان حد الخمر كحد الزنا في صعوبة تنفيذه أو استحالته ، وان الدين لا يصح أن يعتمد فيما يعتمد عليه في إصلاح المجتمع – علي العقوبة ، معللا ذلك بان نفوذ الدين وأثره في مكافحة الرذله وهو الرفق و الحجاج الهادي و المنطق الرصين ، أما حين تتحول هذه الرسائل إلي سوط الحكومة الدينية وسيفها فان الفضيلة آنئذ تصاب بجزع اليم .
4- أن المولف عرض لركن من أركان الدين و هو زكاه وخلع عليه ثوبا يتقزز منه النفوس و يجعله مظهرا من مظاهر المذلة و الهوان التي لا يرضي الله بها لعباده ، ورأي أن الكهانة ، أي الدعوي الدينية هي التي صورت للناس أن الإسلام يري في الصدقات اشتراكية تلبي حاجة المجتمع وإنها بهذا التصويت تسير علي طريقة الخداع التي تعودت إبداء بعض مظاهر العطف و الرحمة بالناس في حين أنها تعمل بها علي سبي الناس اعز ما يملكون من كرامة وحق .
وحيث انه تبين من الاطلاع علي الكتاب أن المولف نادي بقومية الحكم ورد علي الرأي القائل بضرورة قيام حكومة دينية بان في ذلك مجازفة بالدين ذاته مجازفة تعرض نقاوته للكدر و سلامته للخطر بينما يجب الحرص علي صيانته وإبقائه بعيدا عن مهب العواصف و الذرايات وان الرسول عليه السلام يحس إحساسا واضحا بمهمته ويعرفها حق المعرفة وهي انه هاد و بشير و ليس رئيس حكومة ولا جبارا في الأرض .
وقد عرضوا عليه يوما أن يجعلوا له مثل ما كان للأباطرة و الحكام ففزع و قال ” لست كأحدهم.إنما إنا رحمة مهداه ” ودخل عليه عمر ذات يوم فوجده مضطجعا علي حصر قد اثر في جنبه فقال له ” أفلا تتخذ لك فراشا لينا يا رسول الله ” فأجابه بقوله ” يا عمر أتظنها كسروية ؟ أنها نبوة لا ملك ” ثم قال المولف أن الرسول لم يكن حريصا علي أن يمثل شخصية الحاكم لان مقام الرسالة ارفع مقام لولا الضرورات الاجتماعية التي الجاته إلي ذلك لتحقيق المنفعة و السعادة لمجتمعه الجديد وإذا كان الرسول فاوض وعقد المعاهدات وقاد الجيوش ومارس كثيرا من مظاهر الدولة التي يمارسها الحكام وأقام بعض خلفائه من بعده أن هناك طرازا خاصا من الحكومات يعتبره الدين بعض أركانه و فرائضه أن الحكومة تحقق الغرض من قيامها و هو تحقيق المنفعة الاجتماعية العمة يباركها الله ولئن كانت الحكومات الدينية قد توافرت لها في العصر الإسلامي الأول كل عناصر النجاح و التقدم فان ذلك يرجع إلي الكفاءة الشخصي و الكمال الذاتي اللذين كان يتمتع بهما رؤساء تلك الحكومات كابي بكر و عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز غير أن الأمور لم يلبس أن انتهت إلي تنافس دموي علي الحكم و الفتنه بين الناس و قادتهم و بين القادة بعضهم لبعض و إلي نوع من الأحكام ليس بينها و بين الدين وشيجه ولا صله و أن رغم أصحاب أنها حكم الدين بل حكم الله ورسوله
ثم قال المولف أن الحكومة الدينية لا تستلهم مبادئها و سلوكها من كتاب الله و لا من سنه رسوله بل من نفسية الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية وهي تعتمد في قيامها علي سلطة غامضة لا يعرف مأتاها ولا مداها ولا تفسير لوجودها إلا بأنها ظل الله في الأرض و حين تسال عن دستورها الذي تخضع لها و تقوم بها تفر و تهرب إلي غموض الذي لا تستطيع أن تعيش إلا فيه تقول هو الدين هو القران و لما كان القران حامل الوجه كما قال عليه كذلك السنه فقد استغل بعض الحكام بعض الآيات القرائنية استغلالا مغرضا وكان أصحاب علي – وهم يحضرون علي دم معاوية و قتاله – يقدمون بين أيديهم طليعة هائلة من الآيات و الأحاديث هي نفس الآيات و الأحاديث الآيات كان يحضرها بها أصحاب معاوية علي دم علي وقتاله وببعض هذه الآيات قتل عثمان وبها ذاتها قتل الخوارجي عليا كما قتل الطاغية يزيد الحسين بن علي مبررا فعلته هذه بأية و حديث استمسك بها .
ثم قال المولف أن الحكومات الأهلية تحكم بهواها ثم تزعم أنها تحكم بما انزل الله وان غريزة الغموض و غيرها من الغرائز التي تستمد الحكومة الدينية منها سلطتها بعيده كل البعد عن الحقائق الدينية و فضائلها و أن الحكومات التي حكمت الناس باسم الدين سواء في المسيحية أو الإسلام كانت أسوا مثال للحكم ما عدا قله نادرة فاضلة تكاد العين تقع عليها في زحام الكثيرة الباغية و أن الحكومات الدينية التي ينقضها هي تلك التي تعتمد علي سلطة مبهمة غامضة و لا تقوم علي أساس دستورية واضحة و التي تمنح نفسها قداسة وعصمة مدعاة .
ورد المولف علي الداعين بوجوب إقامة حكومة دينية بأنهم إذ يبرءون ذلك بفكر القضاء علي الرذائل و إقامة حدود في الدين وحده من غير أن يكون دولة هو الذي يهديها إلي الفضيلة عن طريق الترويض و الإقناع وان نفوذ الدين و أثرة في مكافحة الرذائل يكونان ارسخ قدما وأقوم سبيلا حين يسلك طريق إلي النفوس بالتسامح و الرفق و الحجاج الهادي و المنطق الرصين أما حين تتحول هذه الوسائل إلي سوط الحكومة الدينية و سيفها فان الفضيلة آنئذ تصاب بجزع اليم و استشهد علي ذلك بقوله ” فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ” وقوله تعلي وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقران من يخاف وعيد ” ثم تحدث المولف عن الحدود فقال أنها موقوفة عن العمل و ليس هناك مجال لإقامتها ، فقد أوقف عمر حد السرقة في أيام المجاعات وصارت سنه رشيدة من بعده و الشرق الإسلامي في مجاعة مادام الناس لم يستوفوا ضرورات الحياة فحد السرقة موقوف إذن حتي ينزل الرخاء مكان الحدوب ويوم يوجد الرخاء فلن تحصل سرقة وإذا وجد السارق رغم الرخاء قطعت يده علي أن قطع بعض أيدي سارقة لن يحتاج إلي قيام دولة دينية خاصة فمادة واحده في القانون تقوم مقامها أما حد الزنا فان أمر إقامته يحمل موانع تنفيذية فقد شرط الله لإقامته أن تثبت الخطيئة بإقرار مقترفها أو بالبينة و اشتراط أن تكون البينة أربعة شهود وان يروه العملية الجنسية نفسها رؤية سافرة وهذا أمرا يكاد يكون مستحيلا مما يجعل الثبوت بالبينة متعذرا كما انه لم يثبت بالإقرار فان احد لم يذهب من تلقاه نفسه ليقدم ذاته للعار و الفضيحة و الميتة الشنيعة رجما بالحجارة أو جلدا بالسياق ولم يحدث في خلال عهد الرسول و خلفائه سوي وقائع معدودة أقيم فيها حد الزنا وقد كان كل من أقيم عليه الحد معترفين دفعتهم إلي الاعتراف نزعه مثالية حببت إليهم تطهير النفس و تحملها مسئولية وزرها في الحياة الدنيا و هي نزعه نادرة أما حد الخمر فهو كحد الزنا تماما في صعوبة تنفيذه أو استحالته فهو لا يقام إلا بالإقرار أو البينة و بينته شاهدان ولا تنحصر شهادتهم في رؤية الشارب وهو يشرب الخمر بل لابد في رأي كثير من الفقهاء أن يشهدا بأنه شرب و هو عالم بان الشراب خمرا مسكر وانه كان مختارا غير مكره علي شرابه و هذا العلم منكنون في ضمير الشارب و لن يستطيع الشاهدان بلوغه أو الاحاطه به ولا سيما اذا زعم الشارب انه شرب غير عالم به و خلص المولف من ذلك إلي انه لا داعي إلي إقامة حكومة دينية من اجل إقامة هذه الحدود خاصا وقال المولف أن سدنة الكهانه يدعونا باسم الدين إلي اشتراكية الصدقات وهم حين يدعون إلي ذلك إنما يجعلون الصدقة نظاما اقتصاديا مشروعا أو معني ذلك أنهم يفتحون باب المسالة أي السؤال علي مصراعيه مع أن الدين الذي يحقر المسالة و يمجد و يأمر بان يأخذ العامل حقه فيما عمل دون أن ينتقض من حقه شئ لا يمكن أن يعالج حقوق الشعب في الحياة بالصداقات كما تحاول الكهانة اليوم أن تفعل و الإسلام حين دعا إلي العدل و التكافل الاجتماعي لم تكن الصدقة في حسابه قط كوسيلة تنهض بها حياه الشعوب ، بل هي شئ يشبه أكل الميتة فتباح لبعض الأفراد الذين لا يجدون ما يقيم الأود و يمسك الرمق ولكنها لا تعالج هبوط المستوي المعيشي للأمم و المجتمعات وهذه بديهة يعرفها الذين عرفوا محمدا ودروسوا نفسه العالية ودينه القويم فلقد وضع رسول الله الصدقة في مكانها اللائق بها حين يقول أنها أوساخ الناس أنها غسالة ذنوب الناس وقد خشي الرسول أن يفهم الناس الصدقة مصدر مشروع من مصادر العيش والارتزاق فكان يدعهم عنها ويذم المسالة إذ يقول المسالة كلوح في وجه صاحبها يوم القيامة إياك والمسالة فإنما هي رصف من النار مهلبه ” وقد ذكر المولف في مواضع متفرقة من كتابة أن الدين يدعو إلي توحيد الإله و الحرية و المساواة بين الناس و إلي العدل و الإحسان و النهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و انه يجب تقديم الدين للناس وضيئا متألقا كيوم نزل من لدن عزيز حكيم وعليم وما توحيد الإله وجعل الأمر كله و السلطان كله و الكبرياء كلها له دون سواه إلا هتاف علوي مقدس ويشيع في الإنسانية الأمن و الإيناس حتي تلتقي الإنسانية كلها علي الحرية والادعاء و المساواة ، وان الدين ليس في حاجة إلي أن يكون دوله إذ هو عبارة عن حقائق خالدة لا تتغير وان وظيفة الدين هي الهداية و الإرشاد إلي أنبل ما في الحياة من معنويات وفضائل وتبليغ كلمات الله التي تهدي إلي الحق و الفضيلة و الصلاح وان اجل خدمة نؤديها للدين هي أن نجعله قريبا من قلوب الناس عميقا في نفوسهم وتطعيم الدولة و المجتمعات يروحة الحي ومعنوياته الفاضلة لا أن نأتي بحكومة تستغله في تقديس ذاتها وتبرير إطماعها و استكراه الناس لجبروتها و أن الدين يجب أن يظل كما أراده ربه نبوه لا ملكا وهداية لا حكومة وموعظة لا سوطا وان الدين في المجتمع الإسلامي باسره يمثل ضرورة اجتماعية لا غني للناس عنها و هو مصدر قوه و ايخاء و مساواه لا ظهير أنانية و عدوان ويجب أن يحتفظ الدين بخصائصه الذاتية و أهدافه التي من اجلها شرعه الله وانزله وهي إسعاد الناس سعادة واقعية في نطاق المساواة النبيلة التي جاء يعلنها ويحرض عليها وان الدين في صورته الصحيحة زميل مؤنث مسعد في رحلة الحياة كلها .
وحيث أن الدين شيئا و دعاه الدين و الحكومات الدينية شئ أخر و لا يعد الطعن في هولاء الدعاة أو في هذه الحكومات طعنا في الدين إلا اذا انصرف اطعن إليه وانصب عليه في ذاته فالدين حقائق خالدة ثابتة أما هولاء الدعاة ومتولوا شئون هذه الحكومات فهم بشر من الناس يصيبون ويخطئون وقد مجد المولف عهد الرسول صلي الله عليه وسلم واشاد بذكر الحكومات التي خلفته في العصر الإسلامي الأول وقال انه توافر لها كل عناصر النجاح و التطور وإنما وجهه المولف نقضه إلي ما عاداها من الحكومات الدينية التي وصفها أنها كانت تحكم بهواها وتزعم أنها تحكم بما انزل الله وتفسر وجودها بأنها ظل الله في الأرض و إذ تسال عن دستورها الذي تخضع لها وتقوم به تفر إلي الغموض الذي لا تستطيع أن تعيش إلا فيه ” وتقول هو الدين هو القران ” مع أنها ما كانت تستلهم مبادئها و سلوكها من كتاب الله ولا من سنه رسوله بل من نفسية الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية ونع المولف علي رجال تلك الحكومات التي انقرضت وأصبحت أثرا بعد عين أنهم كانوا يستغلون القران استغلال سيئا ويسفكون دم المسلمين متسلحين ببعض الآيات القرائنية و الأحاديث النبوية مستغلين ما تحمله هذه وتلك من وجوه ومعان عده وواضح من هذا أن المولف اذ قال أن القران حمال أوجه وكذا الأحاديث لم يقصد التعريض بكتاب الله وسنه رسوله بل التعريض بأولئك الذين استغلوا استغلالا مغرضا . وقد نسب المولف إلي علي بن أبي طالب انه قال ” أن القران حمال أوجه ” ولم تنكر لجنه الفتوى صدور هذا القول من علي هذا إلي أن أبي نعيم اخرج عن ابن عباس و هو من إجلاء الصحابة انه قال ” القران ذلول ذو وجوه فاحملوا علي أحسن وجوهه ” وقال الالوسي في مقدمة ” أن بعض من يوثق بهم قال ” أن الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقران وكل طائفة منهم تحتج لمذهبها به وترد علي مخالفة وتزعم انه خالف القران ولا شك أن منهم المحق و المبطل وان بعضهم يرجح المجاز علي الحقيقة فمذهب أبي حنيفة يقدم الحقيقة لأنها الأصل ومذهب أبي يوسف يقدم المجاز الراجح ” قال تعالي وهو اصدق القائلين ” هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فإما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون أمنا كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولي الألباب ” .
* وحيث أن لجنه الفتوى أخذت علي الملف قوله أن مهمة الدين لا تعدو الهداية و الإرشاد و أن الرسول لم يكن حريصا علي أن يمثل شخصية الحاكم لولا الضرورات الاجتماعية التي الجات إلي ذلك لتحقيق المنفعة و السعادة لمجتمعة الجديد . مع أن الشئون التي باشرها النبي صلي الله عليه وسلم من قياده الجيوش و المفاوضات وعقد المعاهدات و غيرها أنما هي من مهنته الدينية وعنصر من عناصر الرسالة علي أن الموالف – فيما قاله – لم ينكر ركنا من أركان الدين ولم ينتقص من قدر رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد قال صراحا أن مقام الرسالة ارفع مقام وان الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحس أحساسا واضحا بمهمته ويعرفه حق معرفة وهي انه هاد وبشير وليس رئيس حكومة ولا جبارا في الأرض وقد ايد ذلك بأحاديث نبوية صحيحة وهو مويد كذلك بقوله سبحانه وتعالي ” وما أرسلناك إلا مبشرا و نذيرا ” وقوله تعالي ” أنما أنت منذر ” ” أن أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجنا منيرا ” ، ” ما عليك إلا البلاغ ” وقوله تعالي ” ادع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنه ” وقوله تعالي ” وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقران من يخاف وعيد ” وقد قال المغفور له الأستاذ محمد مصطفي المراغي في تعريفه بالكتاب ” حياة محمد ” ومولفه الدكتور هيكل “باشا ” ” أن الرسول أمر بان يبلغ عن ربه ولم تبين له الطرق التي يتبعها في التبليغ وفي حماية الدعوي وترك له أن يتصرف بعقله وعلمه وفطنته كما يتصرف غيره من العلماء و العقلاء وجاء الوحي مفصلا قاطعا في كل ما يخص ذات الإله ووحدته وصفاته وكيفية عبادته ولم يكن كذلك فيما يختص بالنظم الاجتماعية الأسرة و القرية و المدينة و الدولة منفردا ومرتبطة بغيرها من الدول وقد صار النبي مبلغا عن ربه داعيا إليه حاميا لتلك الدعوي و لحرية الداعين مدافعا عنهم وأصبح حاكم الأمة الإسلامية و قائد حربها ومفتيها وقاضيها ومنظم جميع الصلات و الروابط فيها وبينها وبين غيرها من الأمم وقد أقام العدل في ذلك كله و الف بين أمم و طوائف ما كان العقل يسيغ إمكان التأليف بينها وظهرت الحكمة و الرصانة وبعد النظر وكمال الفتنه وسرعة وقوة الحزم في كل ما صدر عنه من قول وفعل ”
*وحيث أن لجنه الفتوى أسندت إلي مولف الكتاب انه عرض بركن من أركان الدين وهو الذكاه وخلع عليه ثوبا يقزز منه النفوس ويجعله مظهرا من مظاهر المذلة و الهوان .
وحيث انه لا شك في أن الزكاة ركنا من أركان الدين الخمسة وقد أمر الله سبحانه وتعالي بها بقوله ” خذ من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها ” وبين سبحانه وتعالي مصارفها بقوله ” أنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها والمولفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضا من الله و الله عليما حكيم ” وقد وضعها الله إلي جانب الإيمان به بقوله تعالي ” خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعين زراع فاسلكوا انه كان لا يومن بالله العظيم ولا يحد عن طعام المسكين ” وقد قرنها الله بالصلاة في كثير من المواضع ومن ذلك قوله تعالي ” ولكن البر من امن بالله واليوم الأخر وملائكة و الكتاب و النبيين واتي المال علي حبه ذوي القربى اليتامى و المساكين وابن السبيل و السائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة واتي الذكاه ” وقوله تعالي ” وأقيموا الصلاة واتي الذكاه واركعوا مع الراكعين ” وقولي تعالي” قد افلح المومنين الذين هم في صلاتهم خاشعين و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين هم للزكاة فاعلون ” .
وفي هذا ما يدل علي أن الزكاة عبادة وفرض واجب ، فالمؤمنون أخوه ولا يتم إيمان المرء حتي يجب لأخيه ما يجب لنفسه .
وفريضة الزكاة تتصل بهذا الإخاء ولا تتصل بالأخلاق وتهذيبها، ولا بالمعاملات وتنظيمها وما اتصل بالإخاء اتصل بالإيمان بالله. ومن اجل ذلك قام أبو بكر بعد وفاه النبي يطالب المسلمين بأدائها واعتبر نكوصهم عنها ضعفا في إيمانهم وتفصيلا للمال عليه وخروجا علي النظام الروحي الذي نزل به القران وارتداد عن الإسلام فكانت حروب الردة التي ثبت بها أبو بكر رسالة الإسلام كأمله .
• وحيث أن الملف لم يجحد الزكاة ولم ينف أنها ركن من أركان الدين – وهو لم يحقر الصدقة ذاتها بل حقر المسالة. فقد قال أن الصداقة في عصر الرسول وفي لغة القران تعني ضريبة مفروضة هي ضريبة الزكاة التي نزلت فيها التيه ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ” وإنها مباحة للإفراد الذين لا يجدون ما يقيم أودهم ويسد رمقهم . وقد أورد الملف ذلك في مقام الرد علي أولئك الذين يقولون بان الصدقة نظام اقتصادي واف ووسيلة ناجحة لمحاربة الفقر و إسعاد الشعب.
فقال انه لا يمكن معالجة حقوق الشعب في الحياة بالصدقات وان الدين يمجد العمل ويومر بان يأخذ العامل حقه فيما عمل دون أن ينقص من حقه شئون المستمع لأصحاب ذلك الرأي ليكاد يخدع فيصدق أن الصدقة هي كل ما يستطيع الإسلام أن يقدمه للشعوب من عدالة ومساواة مع أن الإسلام حين دعا إلي العدل و التكافل الاجتماعي لم تكن الصدقة في حسابه قط كوسيلة تنهض بها حياه الشعوب وان هولاء القوم إذ يجعلون الصدقة نظاما اقتصاديا مشروعا أنما يفتحون باب المسالة علي مصرعيه مع أن الرسول عليه السلام ذم المسالة قال
” المسالة كلوح في وجه صاحبها يوم القيامة اياك و المسالة ، فإنما هي ردف من النار ملهبة ” .
*وحيث أن ما ورد بالكتاب عن ذم المسالة و التعفف عنها صحيح ، قد جاء بالجزء الثالث من كتاب صفح الباري متن الجامع الصحيح الإمام البخاري أن رسول الله قال : ” ومن يستعف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن متصبر يصبره الله وما أعطي احد عطاء خير أوسع من الصبر ” وانه قال أيضا : ” لان يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب علي ظهره فيبعه فيكف الله به وجه خير له من أن يسال الناس أعطوه أو منعه ” وانه قال ” مازال الرجل ليسال حتي يوم القيامة ليس في وجه مزعه لحم ” وانه قال ” اليد العليا خير من اليد السفلي ” وقد فسروا هذا الحديث الأخير بان اعلي الأيدي هي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الاخذه بغير سوال ، وان أسفل الأيدي : الساله و المانعة .
ويأخذ ما روي عن النبي من أحاديث المتقدم ذكرها وغيرها انه كان يحد الغني علي الصدقة ، كما كان يحد الفقير عن التعفف عن المسالة و التنزه عنها ، ولو انتهي المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك لما يدخل عن السائل من ذل السؤال .
ولما يدخل علي المسئول من الضيق في ماله أن أعطي كل سال وأما من يسال مطرا فلا جناح عليه وقد روي عن النبي ذلك انه قال ” الصدق أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لإل محمد ” .وفي رواي أخر ” أن إل محمد لا تحل لها الصدقة ولعل الحكمة في ذلك أن الصدقة أنما يصرفها المتصدق علي المحتاج يريد بها وجه الله .
وحيث أن لجنه الفتوى نسبت إلي المعلم انه قال أن الدين لا يصح أن يعتمد – فيما يعتمد عليه في إصلاح المجتمع – علي العقوبة.وقد تبين من مطالعة الكتاب أن الملف قد يرد علي القائلين بوجود قيام حكومة دينية تتولي القضاء علي الرذائل، فقال: انه لا سبيل للقضاء علي الرذائل إلا بتطهير النفس وتعوديها علي احترام نفسها. وان الدين وحده من غير أن يكون دوله – هو القادر علي أن يوقظ في الضمائر واعظ الله ، أن الدولة لا تستطيع بقوانينها أن تهب الناس نقاوة النفس وان النفوذ الدين وأثره في مكافحة الجريمة ليكون ارسخ قدما وأقوم سبيلا يسلك طريقة إلي النفوذ بالتسامح و الرزق و الحجاج الهادي و المنطق الرسين .
حيث أن الملف لم ينكر ما أمر الله به من حدود ، وإنما قال انه لا ضرورة لقيام حكومة دينية من اجل إقامة هذه الحدود الخاصة ولا سيما أن هذه الحدود نادرة التطبيق عملا ، اذ أن حد السرقة يوقف أيبان المجاعات ولان حدي الزنا و الخمر يصعب اثباتهم شرعا – وإنا ما ذكره الملف عن هذه الحدود صحيح في جملته فقد جاء بالجزء العاشر في كتاب ” المغني ” أن عمر بن الخطاب قال : ” لااقطع في عام سنه ” وان احمد بن حنبل قال : ” لا قطع في مجاعة ” وان الإقرار بالزنا نادر الحصول وبياناته أربع شهود عدول المسلمين ويشترط فيهم أن يشهدوا بأنهم رأوه ذكر رجل في فرج المراه كالمرود في المكحلة و الرشاء في البئر وان بينه الخمر شاهدان بأنهم رأي الشارب يشرب مسكرا . ولا يشترط فيهما علي خلاف ما ذكره الملف أن يشهد أن الشاهد شرب مختارا عالما بأنه مسكر، لان الظاهر أن الاختيار و العلم وما عداهما نادر بعيد. هذا أن الشريعة الإسلامية تميل إلي التشدد في الإثبات و التحرج في إقامة الحدود بدليل قوله عليه السلام ” تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ” وقوله :” ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطاعتوا ، فان كان له مخرج فخلوه سبيله فان الايمام أن يخطئ من العفو خيرا من يخطئ في العقوبة ”
وحيث قد تبين مما تقدم أن الملف لم يطعن في الدين ذاته ولم يجحد من كتاب الله وسنه رسوله بل مجد وكرم الرسول بأكثر من موضع من خلاله وقال انه يجب تقديم دين للناس وضيئا متألقا كيوم نزل منزلا عزيز حكيم عليم . وهو لم يخرج فيما كتب عن حد البحث العلمي و الفلسفة . وإذا صح انه أخطاء في شيئا مما كتب فان الخطا مصحوب باعتقاد الصواب شيئا وتعمد الخطاء المصحوب بنية التعدي شيئا أخر ويشترط للعقاب في مقتضي المادة 191 عقوبات انم يكون الجاني قد تعدي عن الدين أي أهانه وامتهنه وارتكب من شانه المساس بكرامته أو انتهاك حرمته والحط من قدره والازدراء به وان يكون قد قصده وتعمده ولما كان شئ من ذلك لما توافر في حق مولف الكتاب فلا جريمة ولا عقاب .
وحيث انه فيما يتعلق بالجريمتين الأخريين اللذين أسندهما النيابة العامة للمؤلف ، فقد تبين من مطالعة الكتاب أن الملف قال : أن المجتمع المصري أساء إلي المجتمعات العربية تعتمد فيها جميعا كعوامل الكبت و الحرمان ، وبدء التذمر علي كل لسان ووجه ، هذا التذمر خطر علي حياة آلامه ، ولا يمكن أن نستهين بمعاقبته حاكم له بصر الأمور ، وان المسئولية الكاملة يجتمع علي كامل الرجعية الاقتصادية التي تمتص الحياة من الشعب تعرقل أي اتجاه نحو اشتراكية يانعة وانه يجب مكافحة سياسة التجويع التي تمثلها تلك الرجعية الاقتصادية في بلاد العرب قاطبة لمكافحة الاستغلال الفردي لأنه مهب كل عاصفة وكأ إعصار وبيل ، وقال أن الملكيات الزراعية موزعه توزيعا سيئا وان أجور الأطيان الزراعية مرتفعا ارتفاعا فاحشا مرهقا للمستأجرين ، والي ذلك ترجع أكثر أسباب الغلاء الذي يان الشعب منه . وانه يوجد مفاوت كبيرة بين طبقتين المجتمع ولعل من اشد أخطار هذا التفاوت كبير انه يقسم ألامه ويجعل منها معسكرين متباغضين ليحقر علي أعلاهم الادني وجهد أدناهم الاعلي .ويتربص كلا منهما بالأخر مدمرا له كل كراهية ومهما نحاول إرضاء هذا الفريق برفع مرتبه وتحسين دخله بأنه لم يرضي لان مشكلته لا تتمثل فقط في حرمانه بل وفي هذا الطرف المسعور الذي يعيش فيه الآخرين ، فيأكلون أكثر مما ينبغي أن يأكلوا ، ويلبسون أكثر مما ينبغي أن يلبسوا ، ويرغضون أكثر مما ينبغي أن يرغضوا فوق أهرامات من الذهب بينما بقية المجتمع تقتات من الام حرمانها . وان الكثيرين من هولاء السادة سارعوا عندما قررت الحكومة مجانيان التعليم الابتدائي منذ أربع سنوات إلي سحب أولادهم من مدارس حكومية حتي لا يخالطون فيها الفقراء و الرعاع وان وراء هذا التصرف المخجل إيمانا عنيقا بالارستقراطية وحرصا شديدا علي الامتياز و الاستعلاء وجاهليا نابيه لا تقرها أخلاق الدين ولا أخلاق الدنيا وضرب مثلا مما حدث في عهد الرسول اذ جاءوها وفد من مكة وقال له : ” يا محمد لقد رضينا أن نستمع إليك ولكن لا نمارس هذه الأخلاط من عبيدا وصعاليك مكة الفقراء ويجعل لنا يوما ولهم يوما . فاستمهلهم الرسول حتي يأتي أمر ربه . وصرعان ما جاءوا وحي الرشيد بآيات باهرة اذ قال تعالي ” ولا تطرد الذين يدعون ربه بالغدارة والغشي يريدون وجهه مما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمون ” .
وأحسن الرسول إليه مخاطبا بقوله ” أهلا بمن أوصاني بهم ربي ” فقد علق الملف ذلك قوله ” ما أحوج هولاء الذين يستنكفون عن زمالة الشعب إلي هذا الدرس البليغ و الصارم ليطامنوا من صفوهم وينهنهوا من كبريائهم . ثم قال الملف إذا ينقض الرأسمالية لا ينسي أنها عامل من عوامل الرقي واحد الأطوار التي يمر بها التقدم وهو ماض إلي غايته وهو لا يسألها إلا أن تفسح الطريق لاشتراكية عادلة يطلبها الشعب ويريدها وبذلك تظفر لنفسها بحسن الختام. وقال انه يجب علينا أن نعمل لسلامنا الخاص أولا وقبل كل شئ ونوجه كل جهودنا وإمكانيتنا لخدمة أنفسنا ومصالحنا الخاصة وإذا بقي من جهدنا فائض ومزيد لا نحتاج إليه فلا مانع من إصباغهم علي الآخرين .
وانه يجب علي الحكومة أن تعمل علي إلا يوجد بيننا جوع ولا جياع ، ولا يجوز لها أن تسلك سبيل الشح علي رعايتها الذين يدفعون لها الضرائب وانه ليس للحكومات في هذا العصر سوي تحقيق المصلحة الاجتماعية للشعوب وان الشعب بطبيعته يريد دائما أن يرقي ولا تري الحكومة الحصيفة أي تثريب عليه في ذلك مادام العقل و الحكمة و النظام هم حداته إلي حقوقه ومادامت هي نفسها تعينه علي حفظ النظام . وقال أن الحرص علي سلامة بلادنا وتجنيبها ويلات الفتن و الاضطرابات يقتضينا أن نعمل علي مكافحة الجريمة و القضاء علي العوامل التي تيسر نشؤها : وانه ينقط الجريمة مهما تكن بواعثها وأسبابها ويعتقد أن عبور الحياة في زورق جميل مهما تطل رحته خير من عبورها في مدرعة ، ولو أبلغتنا الهدف في لحظات . ثم قال انه لا يدعو إلي أزاله كل فارق و حاجز بين الناس فهذا امرأ مستحيل وإنما يدعوا إلي تقليل المسافة البعيدة الفاصلة بين طبقتين ألامه وتوزيع أفرص علي المواطنين توزيعا يقضي علي التفاوت القسي الذي يشطر ووحدتها النفسية ، وانه لا سبيل إلي إصلاح الأمر إلا إذا تسلحنا بروح الأصناف وأمنا بضرورة حدوث تحول اجتماعي وبذلنا جميعا حكومة وشعبا محاولة صادقة لإتمام هذا التحول دون أن نريق قطره دم واحده غير أن يكفر بعضنا ببعض ويلعن بعضنا البعض ولا شيء يحسم الفوضى التي نعانيها مثل أن يخطو خطوه كتلك التي خطتطها انجلترا مثلا فتتحول من مجتمع رأسمالي كمتطرف إلي مجتمع اشتراكي رشيد معتدل وديع تنتظم الاشتراكية كل مرافقها أوجلها وتتحر فيه قوه الإنتاج المحبوسة في أيدي الراسمالين المتطرفين ، وان العدالة الاجتماعية فطره أحست بها الإنسانية منذ أحست بوجودها ومنذ سمعت وجيب الوعي و الحياة يخفق بين جنبيها وهي ليس روسيا الجنسية مركسية الدم وليس ضربة لازب أن يكون المؤمنون بها الداعون إليها بلاشفة يعذبون وينهضون وان انجلترا ليست شيوعيا وهي التي صعدت بالضريبة التصاعدية إلي 94 % وراحت في سرعة البرق تأمم الملكيات الإنتاجية ألكبري .وان النظام فالذي يحقق العدالة الاجتماعية في عهد الحاضر هو الاشتراكية ولا شئ سواه .
وان حق الملكية الشخصية أمر مفروغ من ثبوته شرعا وعقلا وعرفا وتعترف به البلاد قاطبة لرعياها ومواطنيها غير أن هذا لا يمنع الحكومة من أن تختار نوعا معينا من الملكية هو الملكيات الإنتاجية وتحرره من أيدي الإفراد وتشرف عليه لصالح ألامه ، اذ التأميم هو الوضع الطبيعي الذي اخذ المجتمع الإنساني يصارع إليه فهو يودي إلي تحرير قوي الإنتاج المحبوسة بأيدي الراسمالين ويقضي علي الفروق الاجتماعية والتفاوت الكبير في الدخول المالية ، وقال أن الحكومة المصرية أحسنت صنعا بفرض الضريبة التصنيعية وضريبة التريكات وبزيادة أعانة غلاء المعيشة وأهاب بها أن تعمل علي زيادة مرتبات صغار الموظفين ، و الحد من التفاوت الكبير بما يكسبه رب العمل وما يكسبه العامل . وإصلاح حال العامل الزراعي. وتساؤل : لماذا لا تصنع الحكومة كما صنعت ملكية اذ باشرت الإقطاعيات ألكبري وباعتها للفلاحين وقسمتها عليه قسما عادلة فاضلة مرضية . ودعي الحكومة إلي أن تستصدر قانون بتحديد الملكيات الزراعية علي غرار المشروع كان قدمه احد الشيوخ المحترمين للبرلمان وإذ كان الحد الاقصي للملكية الذي اقترحه الشيخ المحترم وهو 50 فدان . وان لم تري الحكومة الاستجابة إلي هذه الرغبة الآن فلا اقل من أن تصارع إلي استصدار قانون وتخفيض إيجار الأطيان الزراعي وتحديدها.
وحيث قد تبين مما تقدم أن الملف استعرض الحالة الاجتماعية في البلد ونقض منها ما رآه خليقا بالنقض وحسن ما رآه حسن. لقد نقض المرجعية الاقتصادية و الرأسمالية متطرفة وأفصح عما تعانيه غالبية الشعب من فقر و حرمان وما بدا عليها من تزمر بينما قله من الشعب تنعم بالثراء الوفير ، عما بدا من كثيرين من هولاء السادة من تعالي علي الفقراء وهذا الذي قاله الملف لا يعدوا حدود النقض المباح وليس فيه ما يفيد تحريض طائفة علي بغض طائفة أخري أو انه قصد شيئا من ذلك . بل ليبين من ثنياه قصد إصلاح هذا البلد وإسعاد الشعب وهناءته .
وقد أورد الملف في كتابة ما يراه من ضروب الإصلاح ودعا إلي الاشتراكية الرشيدة وضيعة معتدلا وقال أن هذه الاشتراكية هي التي تحقق العدالة الاجتماعية ولا شئ سواه وهو لم يخبز الشيوعية ومبادئها أو أي مذهب من المذاهب التي تنطوي مبادها إلي استعمال القوه و العنف وتحقيق هذه المبادي وصرح بما ينقض ذلكم ودعا الشعب إلي التماس العقل والحكمة و النظام و الرفق و التسامح والحنان والاناه والإنصاف ودعا الحكومة إلي العمل علي تحقيق ما أرتاه من وجوه الإصلاح .
هذا إلي أن ما ذكره الملف عن الفقر أو هبوط مستوي المعيشة وما إلي ذلك لتردد علي لسان كل من يسعي إلي الإصلاح ويبتغيه ، وقد سجلته اللجنة المالية لمجلس النواب في تقريرها عن مشروع الميزانية العامة في السنه المالية الحالية اذ قالت : ” أن تنمية مواد الدخل القومي وكفالة العدالة الاقتصادية هي السبيل إلي الإصلاح الاجتماعي الذي يبرر المجتمع المصري من ادرأنه وان مصر تعاني من قله الإنتاج وهبوط مستوي الدخل ما تعاني وانه يجب العمل علي رفع مستوي الغالبية العظمي من الشعب الذي افتقرت ولازال تفتقر إلي مطالب العيش الأساسية لكي تحول دون انتشار النزاعات المتطرفة اذ ليس ثمه شك لان انحطاط مستوي المعيشة وقسوة الفقر المرض و الجهل تربه خصبه لتفشي هذه النزاعات وان السبيل إلي مكافحتها هو رفع مستوي المعيشة لكافة أبناء البلاد فليست القوانين كفيله وحدها بعلاج الداء بل أن العلاج الشافي هو استئصال الداء من منبته بالقضاء علي أسبابه وقد اتجه التفكير اللي تحديد الملكيات الكبيرة كوسيلة من وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية غير أن التجارب مختلف الأمم في هذا الشأن قد دالت علي أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق عن هذا الطريق وحده اذ في متناول الدولة تحديد كل طبقة من طبقات ألامه عن طريق فرض الضرائب بأنواعها وعلي الخصوص الضريبة التصاعدية علي الإيراد العام ” .
حيث أن حرية الرأي مكفولة في حدود القانون وإنما كان الكتاب المضبوط لا ينطوي عن جريمة ما فانه لا يكون ثمه محل لظبطة تطبيقا للمادة 198 عقوبات ، ومن ثم يتعين إلغاء الأمر الصادر بظبطة بالإفراج عنه .
قررنا إلغاء الأمر الصادر بضبط كتاب ” من هنا: نبدأ ” لمؤلفة الأستاذ ” خالد محمد خالد ” والإفراج عن هذا الكتاب.
صدر هذا القرار وتلي علنا في يوم السبت 10 من شعبان سنه 1339 هجريا الموافق 27 مايو 1950
. رئيس محكمة القاهرة الابتدائية
حافظ سابق