فى 30 مارس 2010 أصدرت محكمة القضاء الإدارى الحكم 21606 لسنة 63 قضائية والقاضى بوقف تنفيذ القرار السلبى بالإمتناع عن وضع الحد الأدنى للأجور فى المجتمع، وهى القضية التى رفعها اثنين من عمال مصر هما ناجى رشاد عامل بشركة مطاحن جنوب القاهرة، وياسر حساسه عامل بشركة أطلس للمقاولات، والتى دافع عنهما / وترافع فيها محامو المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والإجتماعية، وقد اشتمل الحكم -والذى يقع فى عشر صفحات- على عدد من المبادىء القضائية الهامة التى إنحازت للحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمواطنين، وإذ ينشر المركز من خلال هذا البيان جزء من هذه المبادىء، فانه يتعهد بنشر كل وثائق القضية سواء الحكم أو مذكرات الدفاع أو المستندات التى قدمها فى كتاب يعد خصيصا لتوثيق هذه القضية .
رفض دفوع الدولة بشأن عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة أو لإنتفاء القرار الإدارى:
كان محامو هيئة قضايا الدولة قد تقدموا بمذكرة دفاع طلبوا فيها الحكم بعدم قبول الدعوى وزعموا أمرين : الأمر الأول: إنتفاء القرار الإدارى وأن الطعن فى حقيقته يعد طعنا على أعمال برلمانية لا يجوز تناولها أمام القضاء، والأمر الثانى: انتفاء صفة رافع الدعوى لإنه لا يمثل عمال مصر وأن الدعوى فى حقيقتها دعوى حسبة ، وقد انتهت المحكمة إلى تبنى وجهة نظرنا من أن الطعن هو فى حقيقته طعنا على قرار إدارى ولم يتناول الاعمال البرلمانية من قريب أو بعيد، وكذلك رجحت المحكمة وجهة نظرنا بأنها ليست دعوى حسبة وانما نحن أمام دعوى إلغاء يتمتع رافعها بالصفة والمصلحة وانتهت المحكمة إلى رفض دفوع الحكومة وقبلت الدعوى شكلا.
كما أكدت المحكمة على صحة الأساس الدستورى والقانونى والدولى الذى استندنا إليه فى دعوانا:
حيث شيدت حكمها على النصوص التى استندنا إليه وهى :
1- نصوص الدستور فى المواد (13 ،23، 26، 29، 32) وهى نصوص تتحدث عن العدالة الاجتماعية وعن كون العمل حق وواجب وتنادى برفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وزيادة فرص العمل، وربط الأجر بالإنتاج، وضمان حد أدنى للأجور، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول.2- العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى المادة (7) والتى تنص على ” تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص:
(أ) مكافأة توفر لجميع العمال، كحد أدنى:
“1” أجرا منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوي أجر الرجل لدى تساوي العمل،
“2” عيشا كريما لهم ولأسرهم طبقا لأحكام هذا العهد، ”
3- قانون العمل فى المواد(5،37،34) التى تنص على بطلان أى شرط فى عقد العمل يخالف قانون العمل، وتنص كذلك على ضرورة الأ يقل أى أجر فى علاقة عمل حتى لو كانت بالانتاج عن الحد الادنى، ثم الماة 34 التى تنص على إنشاء مجلس قومى للأجور يختص بوضع حدا أدنى للأجور على المستوى القومي بمراعاة نفقات المعيشة وبإيجاد الوسائل و التدابير التى تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار
ميز الحكم بين أجور العاملين فى الحكومة وأجور العاملين فى القطاع الخاص:
حيث أوضح الحكم أن العاملين بالحكومة تحكم مرتباتهم المادة 40 من قانون العاملين المدنيين والجدول المرفق بالقانون رقم (1) وأن تعديل الأجور لهم يحتاج تعديل تشريعى لذا رفضت المحكمة قبول تدخل كل موظفى الحكومة الذين تدخلوا فى القضية، أما العاملين فى القطاع الخاص وقطاع الاعمال العام فهم المخاطبين بنصوص المادة 34 من قانون العمل ولذا قبلت تدخل ياسر حساسه عامل بشركة أطلس للمقاولات.
الدستور والعدالة الإجتماعية:
إن الدستور وإن تخلى عن المنهج الإشتراكى الإ أن الأسس الإجتماعية فيه لم تتغير وتتمثل فى العدالة الإجتماعية وإقامة التوازن بين الملكية والعمل وأوجب حماية الملكية فإنه عبر عنها بأنها ملكية رأس المال غير المستغل وأخضعها لرقابة الشعب، وجعل لها وظيفة إجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى.
إن التنظيم الدستورى للعلاقة بين الملكية المتمثلة فى رأس المال وبين العمل لم ينطلق من فكرة الصراع بين العمال وأصحاب رأس المال، وإنما من فكرة التعاون والتكامل بينهما بما يحقق خدمة الاقتصاد الوطنى وزيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع ورفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة وتحقيق زيادة فرص العمل كل ذلك بما لا يهدر حقوق العمال أو يخل بها .
حق العمال فى أجر عادل:
مهما إختلفت النظريات حول الأجور وطريقة وضعها فجميعها إلتزم بمبدأ عدالة الأجور والحد الأدنى للأجر، والأجر العادل يجب أن يضمن الحياه الكريمة للعامل وأسرته التى يعولها.
كل من يعمل يجب أن يعيش حياة كريمة لقاء أجره من هذا العمل وبمراعاة قيمة العمل الذى يقوم به، وبما يتناسب مع الظروف الاجتماعية للمجتمع وإن إختلت هذه المعادلة فإن ذلك يكشف عن خلل إقتصادى وإجتماعى، ولا سبيل لتحقيق الأجر العادل الإ بتحقيق حد أدنى للأجور.
وحتى لو ارتبط العامل بعقد عمل فى القطاع الخاص فلا يجب الإخلال بالحد الأدنى فقد نصت المادة 5 من قانون العمل على إبطال كل شرط أو إتفاق يخالف قانون العمل، ونصت المادة 37 إذا تم تحديد الأجر بالإنتاج أو العمولة وجب الأ يقل ما يحصل عليه العامل عن الحد الأدنى للأجور.
دور الدولة فى تحديد الأجور:
المادة 34 من قانون العمل 12 لسنة 2003 أنشأت المجلس القومى للاجور لمباشرة اختصاصه وهو واجب عليه لا يجوز له أن يتقاعس أو ينكص عن تحديد الحد الادنى للأجور والإ عد ذلك تعطيلا لأحكام القانون وتحديا لإرادة المشرع بغير سند.
إن دور الدولة فى شأن تحديد الأجور دور إيجابى وليس دور سلبى فلا يجوز لجهة الإدارة أن تترك تحديد أجور العمال لهوى أرباب الأعمال من أصحاب رأس المال دون إلتزام بحد أدنى للأجور مستغلين حاجة العمال إلى العمل وإجبارهم على تقاضى أجور غير عادلة لا تتناسب مع الأعمال التى يؤدونها، ولا تساير إرتفاع الأسعار وزيادة نفقات المعيشة.
وعلى الجهة الإدارية أداء الإلتزام المنوط بها دستوريا وقانونيا بضمان حقوق العمال وكفالة الأجر العادل لهم ، وعليها واجب التدخل لضمان الحد الأدنى لأجور العمال ولا يجوز لها أن تتخلى عن واجبها إهمالا أو تواطئا
نصت الفقرة الأخيرة من قرار مجلس الوزراء رقم 983 لسنة 2001 والتى أسندت إلى المجلس إجراء الدراسات اللازمة لإعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور مع مقترحات دورية لاتجاوز ثلاث سنوات وهو ما لم يقم به المجلس المشار م يقم به المجلس المشار إليه.وعن مدى توافر شرط الاستعجال فى القضية:
وعن ركن الاستعجال فلا شك أنه متوافر بالنظر إلى أن عدم تحديد الحد الأدنى للأجور يخل بالحقوق الإقتصادية التى كفلها الدستور للعمال ومن بينهم المدعى وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن كل إهدار للحقوق الدستورية يتوافر معه ركن الاستعجال المبرر لوقف التنفيذ
مضمون الحكم :
يتعين الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها إلزام المجلس القومى للأجور بوضع حد أدنى للأجور طبقا لنص المادة 34 من قانون العمل .