تقديم
لن نتناول في هذه الورقة أمورا نظرية،أو نطيل في الحديث،
فهذه الورقة – الشهادة – تطرح ما تناولته القوانين والدستور عن النيابة والمحامين والمتهمين، وما يحدث على أرض الواقع.
هي شهادة شاهد عيان ،
محامي مدافع عن متهمين ، عادة أمام نيابة أمن الدولة.
وسوف نقسم الشهادة إلى أقسام محددة :
- ما هي نيابة أمن الدولة.
- حقوق المحامي وضماناته القانونية أمام النيابة.
- شهادة المحامي عما يحدث على أارض الواقع “خلال وجوده في مبنى نيابة أمن الدولة”.
- حقوق المتهم القانونية والدستورية خلال التحقيق ، وما يحدث للمتهم ، فعليا ، خلال التحقيق.
- خلاصة وتوصيات.
أولا : ماهي نيابة أمن الدولة العليا ؟
- نيابة أمن الدولة هي نيابة متخصصة يتم إنشائها بقرار من وزير العدل أو النائب العام للتحقيق والتصرف في أنواع معينة من الجرائم .
- أهم الجرائم التي تختص نيابة أمن الدولة العليا بالتصرف فيما يقع في كافة أنحاء مصر :
- الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ومن جهة الداخل،
- جرائم المفرقعات والرشوة والجنح المتعلقة بالأديان والجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها.
- الجنايات التي يصدر بها أو بإحالتها إلى محاكم أمن الدولة العليا أمر من رئيس الجمهورية طبقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ.
- الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر إذا كان المجني عليه موظفاً عاماً أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة أو مكلفاً بخدمة عامة.
- الإضراب عن العمل والتحريض عليه وكذلك الاعتداء على حق العمل وحريته والتوقف عنه بالمصالح ذات المنفعة العامة.
- الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر.
- بعض جرائم التموين و التسعير الجبري وتحديد الأرباح والقرارات المنفذة لهما وذلك إذا كانت العقوبة المقررة لهذه الجرائم أشد من الحبس.
ثانيا : حقوق المحامي وضماناته خلال التحقيق أمام النيابة
– حق المحامي في أن يعامل بالاحترام الواجب من المحاكم وجميع الجهات التي يحضر أمامها
– يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق حتى اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود حتى يحاط الدفاع بما جرى في التحقيقات عن بصر وبصيرة حرصًا على أداء واجبه وصولاً إلى الحقيقة التي ينشدها المجتمع.
– لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق .
– يجوز للمتهم الاختلاء بمحاميه قبل التحقيق دون حضور أحد من رجال السلطة العامة.
– خلال التحقيق ، ورغم وجوب صمته ، فله حق مراقبة حيدة التحقيق وإبداء ما يعني له من دفوع وطلبات وملاحظات على أقوال الشهود كتابة أو شفاهة.
– حق المحامي في زيارة موكله المحبوس في أحد السجون.
ثالثا: ما يتم في الواقع الفعلي مع المحامي
- الدخول لمقر نيابة أمن الدولة
- حين تصل الى مقر النيابة ، سوف تدخل من باب حديدي صغير، تقريبا متر ، ثم تمر عبر بوابة إلكترونية، وبعدها عليك أن تخضع لتفتيش يدوي ذاتي، ثم تترك تليفونك المحمول و اثبات شخصية لفرد الأمن الجالس على هذا الباب، وتستعيدها أثناء مغادرتك النيابة.
- بعد ان تتمكن من الدخول، تتجه إلى بهو النيابة لتجد أمين شرطة يجلس على مكتب خشبي، معه كشف بأسماء المتهمين ،تسأل عن المتهم الذي جئت لتحضر معه التحقيق، فإذا لم تجد الموكل الخاص بك في الكشوف فعليك مغادرة النيابة فورا وهذه تعليمات.
- قائمة الممنوعات أثناء الحضور مع المتهم
- ممنوع الإطلاع على أوراق القضية !
دائما يتم إبلاغنا، أن تعليمات المحامي العام لنيابات أمن الدولة أن يمنع المحامي من الإطلاع على أي أوراق تخص القضية التي يحضر فيها كونه مدافع عن المتهم.
ممنوع التحدث إلى موكلك!
أثناء الأنتظار في طرقات النيابة انتظارا للتحقيق أو لنظر تجديد الحبس، ممنوع التحدث مع موكلك إلا بإذن مسبق من وكيل النائب العام الذي يحقق أو ينظر تجديد حبس المتهم.
ممنوع تدون ملاحظات خلال التحقيق!
لم يُسمح لك بالإطلاع، حسنا، فقد نتمكن من معرفة المنسوب للمتهم الذي نحضر معه التحقيق، من خلال تدوين الأسئلة والأتهامات والملاحظات خلال التحقيق، لنتمكن من تقديم الدفاع عن المتهم، الذي هو برئ حتى تثبت إدانته، لكن هذا الحق يتم سلبه منك، رغم أنه هو حق أصيل لك، لكن ممنوع تدوين الملاحظات خلال التحقيق.
ممنوع تتمكن من معرفة قرار النيابة بشأن موكلك!
بعد التحقيق مع المتهم أو بعد نظر أمر حبسه، من الطبيعي أن تسأل عن قرار النيابة بل هو دورك أنك تسأل عن القرا ، لكن في نيابة أمن الدولة ممكن تعرف في اليوم الثاني للتحقيق أو تجديد الحبس أو ممكن تعرف من وسائل الإعلام!! لكنك غالبا لن تعرفه بعد إنتهاء التحقيق.
ممنوع تتمكن من معرفة الميعاد القادم لتجديد حبس موكلك!
عليك أن تحسب جيدا الأيام والتواريخ لكي تتمكن من التخمين في أي يوم من الممكن أن يتواجد موكلك في النيابة لتجديد حبسه، لأنهم لن يخبروك ، أو قد يخبروك بميعاد مختلف .
ممنوع تقديم استئنافات على قرارت الحبس الاحتياطي!
وعندما تتحدث إلى أاحد المحققين من وكلاء النائب العام لتطلب تقديم استئناف كثيرا ما يتم الرفض، و يكون الرد “دي تعليمات” وعندما تتوجهة للمحامي العام يكون الرد “ماتقدم هو حد منعك” ، ويكون الرفض هو مصير طلبك، وعدم التمكين من الاستئناف.
ممنوع تقديم طلب لزيارة المتهم في محبسه !
والرد عند السؤال لماذا لا أتمكن من تقديم طلب زيارة لموكلي في محبسه يكون، “تعليمات” أو “قدم وشوف مين هيوافق على الطلب” على حد تعبيرهم.
رابعا : حقوق المتهم خلال التحقيق ، وما يحدث فعليا
أما عن معاناة المتهم في نيابة أمن الدولة
معاناة المتهم في الحقيقة تظهر من اللحظة الاولى من القبض عليه أو اختطافه أو اظهاره بعد اخفاءه قسريا ، حسب الأحوال ،،
دعونا هنا نتحدث من أول لحظة له داخل نيابة أمن الدولة التى من المفترض أنها الأمين على الدعوى والتى المفترض هي أحرص منا جميعا على حق المتهم :
الوصول من الحبس لمقر النيابة.
- غالبا تأتي المأموريات من السجون والأقسام باكرا إلى نيابة أمن الدولة ثم يتم حجز المتهمين في حبس النيابة وهو عبارة عن بدروم تحت الأرض أسفل مبنى النيابة لا تهوية لا دورات مياه لا حياة !
- يظل المتهم داخل هذه الزنزانة الاشبه بالقبر قرابة الخمس ساعات ” أوأقل قليلا أزيد قليلا” لكنه يدفن إلى أن يتم العرض على السيد وكيل النيابة في مكتبه الفخم مكيف الهواء الذي يفوح منه في أغلب الأوقات رائحة البخور أو معطر الجو.
- يتم توزيع المتهمين على السادة وكلاء النيابة وينادي أمين الشرطة الماكث في بهو النيابة أسماء المتهمين والدور الذي سوف يعرض فيه المتهم.
- يهرول المحامون إلى الأدوار التي سوف يصعد لها المتهم الذي يحضر معه، وينتظر المحامي والمتهم ساعات إلى أن يأذن السيد وكيل النيابة ببدء تجديدات الحبس، وبعد كل هذه الساعات من الانتظار لايستغرق تجديد الحبس مع المتهم سوا دقيقتين، فقط من أجل دقيقتين من البيروقراطية والروتين يعذب المتهم تقريبا.
التحقيق
- يفترض أن تتوثق النيابة من كفالة الحقوق التي كفلها الدستور للمحتجز ، أي محتجز ، مثل منحه حق الاتصال بأسرته أو محاميه كي يخطرهم باحتجازه . لايحدث.
- أن يبلغ بأسباب احتجازه ويحاط بحقوقه كتابة. . لا يحدث.
- أن يقدم لسلطة التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته.. لا يحدث.
- ألا يبدأ التحقيق مع المتهم إلا بحضور محاميه ، عادة لا يحدث ، بل يبدأ التحقيق مباشرة ، ولا سيما التحقيق الأول ، الذي كثيرا ما يكون الأول والآخير ، والباقي تجديد حبس دون تحقيق.
الحبس الاحتياطي
- الحبس الاحتياطي ، يفترض به أن يكون اجراء احترازي ، يتم اللجوء له في اضيق الحدود ، باعتبار أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته ، وطبقا لأحكام القضاء ، فالتحريات التي يجريها ضباط المباحث ، لاتعدو أن تكون أراء أو أقوال مرسلة يمكن الاستناد إليها لحبس متهم احتياطيا أو محاكمته ،، للأسف يحبس الكثير من المتهمين ، دونما سبب سوى محاضر التحريات ، بل ويعاقب بعضهم بالحبس الاحتياطي المطول ، دونما دليل أو إحراز جادة ،، فقط محضر التحريات.
تجديد الحبس
- المتهم يخضع للتحقيق مره واحده أو مرتين على أقصى تقدير، ثم يدور في دوامة تجديد الحبس، لمدة 150 يوم هي مدة صلاحية التجديد للمتهم داخل نيابة أمن الدولة.
- خلال 150 يوم يأتي المتهم كل 15 يوم لتجديد حبسه، فيأتي دوره ويدخل إلى غرفة وكيل النيابة المعنى بنظر تجديد الحبس فيعيد وكيل النيابة سؤاله : هل فعلت كذا وكذا وكذا ويوجه إليه الإتهامات فيجيب بلا في معظم الأحيان ثم يدور النقاش التالي :
- يقول المتهم لوكيل النيابة أنا بقالي فترة من الزمن يجدد لي ولم يتم التحقيق معي سوى مرة واحدة ولم يتم استكمال التحقيق أو فض أحراز أو مواجهة مع من كتب تلك التحريات التي زجت بي إلى هنا.
فيكون رد وكيل النيابة “أنا معرفش حاجه أنا بنظر تجديد الحبس بس”
هذا نقاش شبه دائم ومعتاد بين المتهمين والنيابة في مكاتب النيابة وقد سمعت هذا النقاش بل واشتركت فيه كمحام مئات المرات.
خامسا: خلاصة وتوصيات
من المؤسف أن تعطل نصوص القانون ويتم إهدار حقوق الدفاع ، وحقوق المتهم التي نص عليها قانون العقوبات والاجراءات والدستور.
من المؤسف أكثر أن يتم اهدار هذه النصوص والحقوق في مقر جهة منوط بها تطبيق وإعمال القانون، مقر النيابة.
النيابة تعد جهة ” ممثلة عن المجتمع المصري في صحة تطبيق أحكام قانون العقوبات”.
وليست خصم ، ولا ينبغي عليها أن تتعامل مع المحامي أو المتهم كخصم.
عليها أن تكون حريصة على تطبيق واحترام القانون.
توصيات :
- توصي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بإعمال القانون داخل نيابة أمن الدولة العليا أثناء التحقيق أو تجديد الحبس، وتمكين المحامين من إتمام عملهم في ظل الضمانات التي منحها له القانون.
- يجب إعمال القانون داخل نيابة امن الدولة العليا أثناء التحقيق مع المتهم أو تجديد حبسه وعدم الإخلال بأي حق من حقوق المتهم التي نص عليها القانون.
- على النيابة العامة الحد من التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي، وأن يكون له ما يبرره قانونا.
- على النائب العام أن يقدم نموذجا في احترام احكام القضاء، بالسماح للمحامين بالدخول لمقر النائب العام ونيابة أمن الدولة دونما عراقيل أو صعوبات، طالما يؤدوون عملهم القانوني.
- على نقابة المحامين، أن تبذل جهدا جادا في دعم أعضائها والتصدى للانتهاكات التي يتعرضون لها، لاسيما داخل أروقة ومقرات نيابة أمن الدولة ومقر النائب العام، وبالطبع أن تعاقب المخطئ منهم.