الخط الساخن : 01118881009
مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) – صـ 140
(16)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1990
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد أمين العباسى المهدى واسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.
الطعن رقم 1550 لسنة 33 القضائية
( أ ) دستور – حريات – حرية التعبير عن الرأى وحرية النشر – (حرية التنقل).
كفل الدستور حرية التعبير عن الرأى وحرية النشر – إبداء رأى معارض للحكومة ونشره بمختلف الوسائل فى الداخل أو الخارج هو حق من الحقوق المشروعة – يشترط لاستعمال هذا الحق ألا يتجاوز حدود المشروعية أو يمس الأمن القومى أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى من خلال ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات – تطبيق.
(ب) دستور – حرية التنقل – الإدراج على قوائم الممنوعين – مبرراته.
لا يشترط صدور حكم جنائى بالإدانة – يكفى وجود دلائل قوية بوثائق ثابتة بالأوراق تفيد باتهام جدى فى جريمة جنائية خطيره تمس أمن الدولة بالعمل على قلب نظام الحكم بكافة الوسائل غير المشروعة مما أدى إلى مطالبة النيابة العامة باستمرار الإدراج على قوائم ترقب الوصول بصدد الاتهام بنشاط يضر بأمن الدولة بالخارج والتخابر مع دولة أجنبية للإضرار بمصلحة البلاد – تطبيق.
(ج) دستور – مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة – حدوده.
الأصل فى العلاقة بين الرجل والمرأة هو المساواة فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وذلك فى الحدود التى تقررها الشريعة الاسلامية بالنسبة للعلاقة بين الرجل والمرأة بما تستقيم معه أحوال الأسرة – لا يسأل الزوج عن أى خطأ يقع من الزوجة ما لم يثبت أنه قد أسهم فى وقوعه أو استمراره أو اتخذ موقفاً إيجابياً أو سلبياً يشكل ما يستوجب المساءلة – تطبيق.
إجراءات الطعن
فى يوم السبت الموافق 28 من مارس سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الداخلية بصفته – سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1550 لسنة 33 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 27 من يناير سنة 1987 فى الدعوى رقم 2732 لسنة 40 القضائية المقامة من الدكتورة…… و……. ضد الطاعن فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن – للأسباب الموضحة بتقرير الطعن – الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على الوجه المبين بالأوراق، وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسبباً، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعى.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة السادس من مارس سنة 1989 وبجلسة الثالث من يوليو سنة 1989 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 28 من أكتوبر سنة 1989 وتداول نظره بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1989 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة الثالث من نوفمبر سنة 1990 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم السبت الموافق 24 من نوفمبر سنة 1990 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية، ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه فى السابع من ديسمبر سنة 1983 أقامت الدكتورة/…… والسيد/………. الدعوى رقم 1082 لسنة 38 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رفض إصدار جوازى سفر لهما، وفى الموضوع بإلغاء القرار واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال المدعيان شرحاً لدعواهما أنهما زوجان وأنهما تقدما فى أول نوفمبر سنة 1983 بطلب إلى سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة المتحدة لصرف جوازى سفر لهما بدلاً من جواز سفرهما الدبلوماسى الصادر من وزارة الخارجية المصرية والمنتهى سنة 1978 والعادى الصادر من السفارة المصرية بطرابلس بليبيا والمنتهى سنة 1982 وقد أخبرهما السفير برفض الطلب ورفض إعطاءهما ما يفيد ذلك.
وأضاف المدعيان أنهما مصريان وأن الأولى خدمت البلاد سياسيا كوزيرة وتربويا كأستاذة بالجامعة وأن الثانى خدم البلاد فى مجال المحاماة وأشارا إلى أن الدستور يحرم تعرض السلطة العامة لحرية المواطن فى الانتقال.
وبجلسة الثالث من إبريل سنة 1984 صدر حكم محكمة القضاء الإدارى بقبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بالنسبة إلى المدعى عليه الثانى ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وفى 31 من مايو سنة 1984 أقامت الدكتورة/……… الطعن رقم 2157 لسنة 30 القضائية بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعناً فى حكم محكمة القضاء الإدارى المشار إليه.
وبجلسة 14 من ديسمبر سنة 1985 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى، وألزمت رافعها بالمصروفات.
وأقامت المحكمة الإدارية العليا قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن الدعوى رقم 1082 لسنة 38 قضائية المطعون فى الحكم الصادر فيها قد أقامها الأستاذ/ عبد الحليم رمضان المحامى بصفته وكيلاً عن الدكتورة…….. وزوجها الأستاذ……….. بعريضة موقعه منه بهذه الصفة ولم يرد بالعريضة بيان عن نوع التوكيل أو رقمه أو تاريخه، بينما ورد بمحضر إيداع العريضة بقلم كتاب محكمة القضاء الإدارى المؤرخ 7/ 12/ 1983 أن المحامى المودع تعهد بتقديم التوكيل وبالرجوع إلى محاضر جلسات المحكمة التى نظرت فيها الدعوى، يبين أن سيادته حضرت الجلسات نيابة عن المدعيين ولم يقدم ما يثبت سند وكالته عنهما، كما وأن المحكمة لم تطالب بإثبات وكالته حتى تاريخ حجز الدعوى للحكم وصدور الحكم فيها، ومن حيث إنه لما تقدم فقد كان يتعين على محكمة القضاء الإدارى أن تحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً، وإذ غفلت المحكمة عن ذلك وأصدرت حكمها فى موضوع طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قد جانبها الصواب ويتعين من ثم القضاء بإلغاء حكمها المطعون فيه والحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام رافعها بالمصاريف.
وفى 19 من مارس سنة 1986 أقامت الدكتورة……. وزوجها الأستاذ……… الدعوى رقم 2732 لسنة 40 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر برفض إصدار جواز سفر لهما وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن وإلزام المدعى عليه بمصاريف الدعوى وشمول الحكم بالنفاذ المعجل مع الأمر بتنفيذه بموجب مسودته وبدون إعلان.
وفى 27 من يناير سنة 1987 قضت محكمة القضاء الإدارى بقبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتقدم تقريراً بالرأى القانونى فى طلب الالغاء.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن مسلك الإدارة موقفها من الامتناع عن إصدار جوازى سفر للمدعيين باعتبارهما مواطنين مصريين، أمر إن دل على شيء فإنه يدل – بالنظر إلى الوقائع والظروف التى لابست القرار محل الطعن الماثل – على أنه لا يستند إلى وقائع جدية ثابتة منتجة فى الدلالة على سوء سلوكهما السياسى، بل استند إلى وقائع افتقدت جديتها بمرور الزمن بالنسبة للمدعية الأولى دون أن يثبت أنها ظلت على حالها وبالتالى لم يكن لها من الأهمية الحقيقية ما يسوغ تدخل الإدارة بعد ذلك لتقييد حريتها، كما لم يستند إلى وقائع ثابتة ومنتجة فى حق المدعى الثانى بل استند على وقائع قوامها مجرد الافتراض العارى من الدليل المجدى فى الإثبات بما يفقد معه القرار الطعين حالة وجوده بالنسبة إليه وينهار معه تبعاً لذلك مبرر إصداره فى حقه.
ومن حيث إن مبنى الطعن على الحكم المشار إليه أنه قد وقع فى خطأ من جانبين الجانب الأول أن الحكم قد خالف القانون إذ تجيز المادة (11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 – فى شأن جوازات السفر – لوزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده كما تجيز له سحب الجواز بعد إعطائه، وقد رأى وزير الداخلية عدم منح الدكتورة……. جواز سفر لأن المكتب الفنى للنائب العام أفاد أنه باستطلاع رأى النيابة المختصة أفادت بأنه لم يتم سؤال المذكورة المتهمة فى – القضية رقم 319 لسنة 1981 أمن دولة عليا وأن النيابة ترى استمرار إدراجها على القوائم لحين إتمام سؤالها فى القضية والتصرف فيها، كذلك فإنه لما كان الثابت أن الأستاذ…… زوج الدكتورة…… تابع لها فى تصرفاتها وتحركاتها وإن اسمه مدرج على قائمة ترقب الوصول بناءً على طلب المدعى العام الاشتراكى فإن مؤدى ذلك أن قرار عدم منح جواز السفر لكل منهما قائم على صحيح سببه.
الجانب الثانى أن الحكم المطعون فيه قد رتب نتائج يتعذر تداركها فيما لو تحصل المطعون ضدهما على جوازى سفر يمكنانهما من حرية التنقل بين البلدان المختلفة دون الحضور إلى مصر لاستكمال التحقيقات فى الاتهامات الموجهة إليهما فضلاً عن أن وجودهما بالخارج يشكل خطراً يهدد الأمن والسلام الاجتماعى للبلاد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه والصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الشق المستعجل من الدعوى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وهو القرار السلبى المنطوى على رفض إصدار جواز سفر لكل من الدكتورة……… وزوجها الأستاذ……..
ومن حيث إن قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ينص فى المادة (49) منه على أنه “لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك فى صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها”.
ومن حيث إن القضاء الإدارى وعلى قمته قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه يلزم حتى تستجيب المحكمة لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن يتوافر ركنان ركنا الجدية والاستعجال، ومقتضى الجدية أن يتضح للمحكمة – بحسب الظاهر من الأوراق – أن الطاعن يستند إلى أسباب صحيحة يرجح معها الحكم بإلغاء القرار عند الفصل فى الموضوع وهذه الجدية شرط يتصل بمحل طلب وقف التنفيذ ويرتبط بالواقع وحكم القانون الذى يمثل جانب المشروعية فى القرار الطعين ووفقاً لصحيح تفسير القانون ووقائع الحال. أما الاستعجال فمقتضاه أن يتضح للمحكمة – بحسب الظاهر من الأوراق كذلك – أنه يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بعد ذلك بإلغائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى توافر ركنى الجدية والاستعجال فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ومن ثم قضت بوقف تنفيذه.
ومن حيث إن الطاعن بصفته يرتكن إلى عدم توافر أى من هذين الركنين فى القرار الصادر فى شأنه الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنه من المستقر فى أحكام القضاء الإدارى وعلى قمته قضاء هذه المحكمة أن كل قرار إدارى يجب أن يقوم على سبب يبرر إصداره، وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تدعو الإدارة إلى التدخل، وغنى عن البيان أن ضرورة توافر ركن السبب فى القرار الإدارى أكثر لزوماً فى القرارات التى تمس وتقيد الحريات الشخصية للمواطنين باعتبارها تمثل الاستثناء المضيق على الأصل العام الذى يجب أن يسود طبقاً لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إن محل الحكم المطعون فيه هو قرار وزير الداخلية بعدم منح جواز سفر لكل من الدكتورة…….. وزوجها الأستاذ………
ومن حيث إن وزير الداخلية يستند فى قراره إلى القانون رقم 97 لسنة 1959 – فى شأن جوازات السفر – والذى يقضى فى المادة (11) منه على أنه “يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه”.
ومن حيث إن هذا النص إنما يضع ضابطاً على حق من حقوق الإنسان فى التنقل ذلك الحق الذى كفله الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العاشر من ديسمبر سنة 1948 وأعلنته ودعت الدول الأعضاء إلى العمل بمقتضاه والذى يقضى فى المادة الثالثة عشر منه على: (1) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة. (2) يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما فى ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه. كذلك أكدت ذلك الحق الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 من ديسمبر سنة 1966 ووقعت عليها جمهورية مصر العربية فى الرابع من أغسطس سنة 1967 وصدر بالموافقة عليها قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 536 لسنة 1981 والتى نصت فى المادة (12) منها على ما يأتى:
1 – لكل فرد مقيم بصفة قانونية ضمن إقليم دولة ما الحق فى حرية الانتقال وفى أن يختار مكان إقامته ضمن ذلك الإقليم.
2 – لكل فرد حرية مغادرة أى قطر بما فى ذلك بلاده.
3 – لا تخضع الحقوق المشار إليها أعلاه لأية قيود عدا تلك المنصوص عليها فى القانون والتى تعتبر ضرورية لحماية الأمن الوطنى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق وحريات الآخرين والتى تتمشى كذلك مع الحقوق الأخرى المقررة فى هذه الاتفاقية.
4 – لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفى من حق الدخول إلى بلاده.
وإذا كان مقتضى ما تقدم أن حرية التنقل بين بلدان العالم هى فى الأصل من الحقوق المقررة دولياً للإنسان وهى من حقوقه المدنية والسياسية التى لا يجوز أن يقيدها القانون إلا فى الحدود الضرورية لحماية الأمن الوطنى أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى، فإن دستور جمهورية مصر العربية قد أورد تلك القاعدة ابتداء من وثيقة إعلان الدستور التى جاء بها “نحن جماهير شعب مصر العامل على هذه الأرض المجيدة منذ فجر التاريخ والحضارة…. نحن جماهير هذا الشعب المؤمن بتراثه الروحى الخالد والمطمئن إلى إيمانه العميق والمعتز بشرف الإنسان والإنسانية…. نحن جماهير شعب مصر، باسم الله، وبعون الله نلتزم إلى غير ما حد، وبدون قيد أو شرط أن بنذل كل الجهود لتحقق…. الحرية لإنسانية المصرى عن إدراك لحقيقة أن إنسانية الإنسان وعزته هى الشعاع الذى هدى ووجه خط سير التطور الهائل الذى قطعته البشرية نحو مثلها الأعلى، أن كرامة الفرد انعكاس طبيعى لكرامة الوطن، ذلك أن الفرد يعد حجر الأساس فى بناء الوطن، وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته، إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة فى نفس الوقت”.
ولقد نص الدستور فى الباب الثانى الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وفى المادة (8) بهذا الباب على أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” ونص فى الباب الثالث الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة، وفى المادة (50) بهذا الباب على أنه “لا يجوز أن تحظر على أى مواطن الإقامة فى جهة معينة ولا أن يلزم بالإقامة فى مكان معين إلا فى الأحوال المبينة فى القانون”، ونص فى المادة (51) على أنه “لا يجوز إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها”، ونص فى المادة (52) على أنه “للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد”. ولقد أقرت صراحة وبحسم تلك الأحكام فى دستور مصر ما انتهت إليه دول العالم المتحضر فى دساتيرها وما فرضته الأمم المتحدة من حقوق للإنسان، وهى جميعها تتفق على أن من حق الإنسان مغادرة بلده وقتما شاء وإلى حيثما شاء، وأن يعود إلى بلده حين شاء، وأن يقيم فى داخل بلده أينما شاء، لا يقيد هذا الحق الإنسانى الجوهرى إلا الضابط الذى يفرضه القانون الوطنى فى الحدود الضرورية لحماية الأمن الوطنى أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى.
ومن حيث إن المشرع المصرى قد وضع هذا الضابط من خلال نص القانون رقم 97 لسنة 1959 – فى شأن جوازات السفر – فى المادة (11) منه على أنه “يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه”. فإن تفسير هذا النص يجب أن يكون فى الإطار المتقدم بمعنى أن يعتبر الاختصاص الذى قرره القانون لوزير الداخلية هو الضابط المفروض على الأصل الحيوى المقرر لحرية التنقل، ومن ثم يجب أن يفهم مدلول الأسباب الهامة التى يقدرها وزير الداخلية – والتى يستند إليها فى إصدار قراره برفض منح جواز السفر أو تجديده أو سحبه – على أنها تلك الضرورية لحماية الأمن الوطنى أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى”.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن دستور جمهورية مصر العربية ينص فى الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة، وفى المادة (41) بهذا الباب على أن “الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس…” ونص فى المادة (47) على أن “حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى”، ونص فى المادة (55) على أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين فى القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكرى”.
ومقتضى هذه النصوص أن الدستور يكفل للمصريين جميعاً الحرية الشخصية، وحرية الرأى وحرية التعبير وحرية النشر وحرية تكون الجمعيات، وذلك انطلاقاً من أن الديمقراطية التى نصت المادة الأولى من الدستور على اعتبارها الوصف الأول لنظام الدولة إنما هى ديمقراطية جميع أفراد الشعب المؤيد منهم للحكومة القائمة والمعارض لها سواء بسواء، ذلك أن المعارضين للحكومة من الوطنيين لا يقلون إخلاصاً للوطن عن المؤيدين، بل إن من حق المعارضة المشروع أن تسعى إلى أن تحل محل الحكومة فى تولى مقاليد الحكم، وبناءً على ذلك فإن مجرد إبداء رأى معارض لحكومة الدولة والتعبير عن هذا الرأى ونشره بمختلف الوسائل سواء فى الداخل أو الخارج حق مشروع طالما كان إبداء الرأى ونشره والترويج له والدعوى إليه من خلال اقتناع ذاتى وحس وطنى حتى ولو أغضب هذا الفكر الحكومة القائمة طالما أنه لم يتعد بنشاطه حدود المشروعية الدستورية والقانونية ويصل إلى حد المساس بالأمن الوطنى أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى من خلال ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
وتطبيقاً لما تقدم، فإنه لما كان قرار وزير الداخلية الذى صدر الحكم المطعون فيه بوقف تنفيذه قد انبنى على أن الدكتورة…… اشتركت مع الفريق متقاعد………. فى التحريض على قلب نظام الحكم فى الدولة، وقامت بأفعال من شأنها أن تؤدى إلى إشاعة روح الهزيمة وتعريض السلام الاجتماعى للخطر، كما قامت بتجميع المصريين المقيمين بالخارج فى بعض التنظيمات المعادية لنظام الدولة وإسقاط نظام الحكم.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه لما كانت محكمة القيم قد انتهت فى حكمها الصادر بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1981 فى الدعوى رقم 12 لسنة 11 قضائية حراسات إلى أن واقعة الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة تخلص فى أن كلا من المتهمين…….. و…….. و……… و……….. قد عقدوا العزم على قلب نظام الحكم فى الدولة بكافة الوسائل غير المشروعة وأنهم فى سبيل الوصول إلى مأربهم هذا أسسوا وأداروا خارج البلاد منظمة أسموها (الجبهة الوطنية المصرية) لتعمل على تحقيق هذا الهدف وبناءً على ذلك خلصت المحكمة إلى القضاء بفرض الحراسة على أموال الدكتورة……. وآخرين.
ولما كانت المحكمة العليا للقيم قد انتهت فى حكمها الصادر بجلسة العاشر من إبريل سنة 1982 إلى تأييد الحكم المتقدم فى شأن الدكتورة………. استناداً لذات الأسباب، ولما كانت الثابت من الأوراق أن المستشار المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا قد أرسل الكتاب رقم 521 بتاريخ الثالث من مارس سنة 1990 إلى اللواء مساعد أول وزير الداخلية لشئون مباحث أمن الدولة يفيد أن القضية رقم 319 لسنة 1981 حصر أمن الدولة العليا (الجبهة الوطنية بالخارج) وموضوعها بلاغ مباحث أمن الدولة ضد الفريق متقاعد……….. وآخرين من ضمنهم المتهمة الدكتورة……… ومنسوب إليهم مباشرتهم نشاطاً يضر بأمن البلاد بجهة الخارج والتخابر مع دولة أجنبية للإضرار بمصلحة البلاد، وقد تم سؤال بعض المتهمين فى القضية ولم يتم سؤال الآخرين ومن ضمنهم المذكورة لوجودها بالخارج.
ولما كان المستشار المحامى العام الأول رئيس المكتب الفنى للنائب العام قد أرسل الكتاب رقم 3353 بتاريخ 14 من نوفمبر سنة 1985 إلى اللواء مساعد وزير الداخلية المدير العام لمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وقد جاء به أنه بشأن الإفادة عما إذا كان يستمر إدراج المدعوة الدكتورة……. على قوائم ترقب الوصول لاتهامها فى القضية رقم 319 لسنة 1981 أمن دولة عليا، نرجو الإحاطة أنه باستطلاع رأى النيابة المختصة إفادتنا بأن المذكورة لم يتم سؤالها بعد، كما نرى استمرار إدراجها على القوائم لحين إتمام التصرف بشأنها فى القضية وسؤالها.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم أنه وإن لم يصدر حكم جنائى ضد الدكتورة…… بإدانتها فى الاتهام الجنائى الجسيم المنسوب إليها، إلا أن الحالة المستفادة من الوثائق الثابتة المشار إليها تفيد وجود دلائل قوية على أن المواطنة المذكورة محل اتهام جدى فى جريمة جنائية خطيرة تمس أمن الدولة، وهو ما يستخلص مما وقر فى يقين محكمة القيم وأيدته المحكمة العليا للقيم من أنها قد شاركت فى العمل على قلب نظام الحكم فى مصر بكافة الوسائل غير المشروعة مما أدى إلى مطالبة النيابة العامة باستمرار إدراجها على قوائم ترقب الوصول نظراً لاتهامها بنشاط يضر بأمن الدولة بجهة الخارج والتخابر مع دولة أجنبية للإضرار بمصلحة البلاد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن وزير الداخلية لا يمانع فى إعطاء الدكتورة……… الوثيقة التى تمكنها من دخول البلاد حتى تتمكن من إبداء دفاعها أمام جهات التحقيق والذى قد تتمكن بمقتضاه من إثبات براءتها أمام قضاء مصر – القوام على حماية حقوق المواطنين العامة والخاصة وكفالة احترام سيادة القانون وفى إطار ما قرره نص الدستور فى المادة (69) على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول.
ومن حيث إن وزير الداخلية قد رفض بقراره الصادر بوقف تنفيذه الحكم المطعون فيه منح جواز سفر أو تجديده للدكتورة……. استناداً لما قدر أنه يمثل على ضوء ما تقدم أسباباً هامة تبرر ذلك.
وومن حيث إنه يبين من ظاهر الأوراق أن هذا التقرير الذى بنى عليه الوزير قراره يستند إلى أصول ثابتة بالاوراق وأنه يهدف ضمن ما يهدف إليه من أغراض إلى ما تستهدفه النيابة العامة من ترقبها عودة المطعون ضدها لسؤالها فى الاتهام المنسوب إليها ومن ثم فإنه يهدف إلى كفالة إقامة العدالة فيما يتعلق بما هو منسوب إلى المطعون ضدها من الاتهامات، ومن ثم فإن ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ هذا القرار يكون منتفياً، ويكون هذا الطلب واجب الرفض.
ومن حيث إن القرار الصادر من وزير الداخلية برفض منح جواز سفر أو تجديده للأستاذ….. إنما يستند حسبما جاء بمذكرات جهة الإدارة وبتقرير الطعن – إلى اعتبارين أحدهما أن المذكور يتبع الدكتورة…… فى أسفارها وتنقلاتها وتحركاتها، وثانيهما أنه كزوج لها قيم عليها وكان عليه أن يقوم سلوكها إن لم يك راضياً عن تصرفاتها.
ومن حيث إن دستور جمهورية مصر العربية ينص فى المادة (11) على أنه “تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية”.
ومن حيث إن مقتضى هذا النص أن الأصل فى العلاقة بين الرجل والمرأة هو المساواة فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وذلك فى الحدود التى تقررها أحكام الشريعة الإسلامية ودون إخلال بما تقوم عليه مبادئها السمحة فى تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة بما تستقيم معه أحوال الأسرة الإسلامية، ومؤدى ذلك أن الزوج لا يسأل عن أى خطأ يقع من الزوجة ما لم يثبت أنه قد أسهم فى وقوعه أو استمراره أو قد اتخذ موقفاً ايجابياً أو سلبياً يمكن أن يشكل بذاته فى حقه ما يستوجب المساءلة.
ومن حيث إن الشريعة الإسلامية التى هى المصدر الأول للتشريع تجعل للرجل القوامة على المرأة وتوجب عليه مباشرة هذه القوامة، بما يقتضيه ذلك من وجوب التدخل الإيجابى من الزوج لمنع الزوجة من التردى فى الانسياق وراء تصرفات أو أفعال أو سلوك أو الدعوة والعمل من أجل فكر خاطئ إذا كان يضر المصلحة الفردية لشخصها أو لأسرتها ويتعارض فى المبادئ والأسس العامة للشريعة الإسلامية لأن من واجب الزوج من باب أولى منع زوجته من الانزلاق إلى أفعال وسلوك يؤدى بها إلى التردى فى طريق ارتكاب جرائم جنائية. فإذا ما ضعف الزوج أمام المسار الخاطئ للزوجة وسكت عن مباشرة واجب التقويم أن استطاعة أو فصم عرى الزوجية إن لم يستطعه وبقى مصاحباً لها سلبياً دون مباشرته قوامته وأداء مسئوليته شرعاً عليها كان بذلك مرتكباً لخطأ ذاتى غير ذلك المنسوب للزوجة يشكل فى حقه ما يوصف على الأقل بالمسايرة أو التأييد لمسلك الزوجة غير القويم.
ومن حيث إن الثابت فى حق السيد الأستاذ……… إنه كان يتحرك مع زوجته فى كل تنقلاتها ويتابع كل ما تقوم به من نشاط دون اعتراض منه أو توجيه أو نقد أو رفض ظاهر وثابت لما تقوم به من نشاط تتحرك بسببه مسئوليتها الجنائية على النحو الذى قررته محكمة القيم فى أحكامها كما سلف بيانه، ومن ثم فإنه يكون بذلك قد ارتكب ما يبرر القرار المطعون فيه ويقيمه على صحيح سببه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ وألزمت المطعون ضدهما المصروفات.
وسوم : حرية التعبير , حرية النشر