الخط الساخن : 01118881009
السنة التاسعة – العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) – صـ 1071
(97)
جلسة30 من مايو 1964
برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبى المستشارين.
القضية رقم 1416 لسنة 7 القضائية
( أ ) كنائس – قرار مجلس الوزراء بتأجير قطعة أرض إلى الجمعية الخيرية القبطية لإقامة كنيسة عليها – لا يحد من سلطة وزارة الداخلية في استلزام شروط التصريح بإقامتها.
(ب) قرار إداري – سلطة وزارة الداخلية في المحافظة على الأمن وتوقي الإخلال به – تقيدها في إصدار قراراتها بما يحقق هذه الأغراض – خضوع قراراتها في هذا الشأن لرقابة القضاء الإداري.
(جـ) كنائس – التصريح بإقامتها – رفض وزارة الداخلية التصريح بإقامة الكنيسة بدعوى الخشية من حدوث احتكاك بين المسلمين والأقباط – غير مسلم ما دام المكان الذي ستقام فيه توجد فيه كنائس لطوائف أخرى أقل عدداً من الطائفة طالبة التصريح ولم يحدث أي إخلال بالأمن أو النظام.
1 – أن معارضة وزارة الداخلية في إقامة الكنيسة على المكان الذي أذن بتأجيره مجلس الوزراء إلى الجمعية الخيرية القبطية لإقامة كنيسة عليه وذلك بالقرار الصادر في 21/ 4/ 1954 إنما كان مردها – على حد قولها – إلى أمور تعلق بالأمن والسكينة لقرب الكنيسة المراد إقامتها من المدارس والمساكن والجوامع والمحلات العمومية مما قد يتسبب عنه احتكاك بين الطوائف الدينية المختلفة وإقلاق راحة السكان وإزعاج المنشآت العامة وهي كلها أمور تخضع لتقديرها عند النظر في الترخيص من عدمه ولا يحد من سلطتها هذه قرار مجلس الوزراء المشار إليه الذي هو بحسب طبيعته ينصب على تأجير الأرض بالإيجار الأسمى دون ما تعرض لوضع آخر بل إنه اشترط توافر الشروط اللازمة للتصريح فهو لا يعتبر تصريحاً بإقامة الكنيسة وليس من شأنه أن يلزم الوزارة بإصدار ترخيص بإنشاء هذه الكنيسة.
2 – أن وزارة الداخلية قد أولاها القانون السلطات الكفيلة بالمحافظة على الأمن وتوقي الإخلال به فتصدر قراراتها بما يحقق تلك الأغراض دون انحراف أو خطأ في التقدير وإلا كانت خاضعة فيما يتعلق بتلك القرارات لرقابة القضاء الإداري.
3 – إذا كان ما ساقته الوزارة تبريراً للقرار المطعون فيه هو خشية الفتنة لاحتمال حدوث احتكاك بين المسلمين والأقباط فإنه قول غير سديد ذلك أنه ليس هناك أحياء خاصة بالأقباط وأخرى خاصة بالمسلمين بل إنهم جميعاً يعيشون جنباً إلى جنب وتوجد كنائس في أحياء غالبية سكانها العظمى من المسلمين كما وأن هذه الكنائس مقامة في وسط أمكنة آهلة بالسكان وبالقرب من المدارس والمؤسسات العامة والمنشآت الخاصة بل وبعضها مقام بجوار الجوامع ومع ذلك فلم تقع الفتنة أو حصل من إجراء هذا أي إخلال بالنظام أو الأمن وهذا راجع إلى سماحة الدين الإسلامي والتفهم الواعي لحرية العقيدة التي حرصت الجمهورية العربية المتحدة على تقريرها وإعلانها في كل مناسبة.. والمكان الذي ستقام عليه الكنيسة موضوع النزاع يقع في منطقة توجد بها كنائس لطوائف أخرى أقل عدداً من طائفة الأقباط الأرثوذكس وعلى مقربة من الكنيسة المراد إقامتها وأن الشكويين اللتين قدمتا للاعتراض على بناء هذه الكنيسة قد انحصر فيهما سبب الاعتراض على الجرس الذي سيدق فيها مما يتسبب عنه إزعاج وبعد أن وضح للشاكين حقيقة الأمر بالعمل على منع أي إزعاج لهم تنازلوا عن شكواهم على النحو السابق ذكره، هذا إلى أن الكنيسة المراد إقامتها تقع في قسم أول بورسعيد وهو خال من كنائس لطائفة الأقباط الأرثوذكس ويبلغ عددهم في هذا الحي حوالي 4 آلاف وأما الكنيستان الأخريان للطائفة المذكورة فتقع في أقسام أخرى وتبعدان عن هذه الكنيسة بحوالي كيلو مترين وأن مجموع أفراد الطائفة المذكورة في مدينة بورسعيد حوالي تسعة آلاف.
لكل ما تقدم يكون القرار الصادر بعدم الترخيص في إقامة الكنيسة على المكان الصادر بشأنه قرار من مجلس الوزراء في 21/ 4/ 1954 قد صدر مخالفاً للقانون وبناء على أسباب لا تؤدي إلى المنع أو عدم الترخيص بإقامة الكنيسة المذكورة.
إجراءات الطعن
في 6 من يوليه سنة 1961 أودع السيد المحامي نائباً عن السيد رئيس الجمعية الخيرية القبطية الأرثوذكس ببورسعيد سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 9/ 5/ 1961 في الدعوى رقم 1403 لسنة 10 القضائية المرفوعة من السيد رئيس الجمعية المذكورة ضد وزارة الداخلية والقاضي “برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات”. وطلب السيد الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن “قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر بمنع بناء كنيسة في الأرض المخصصة لها بموجب قرار مجلس الوزراء المؤرخ 31/ 4/ 1954 مع إلزام الوزارة المصروفات وأتعاب المحاماة”. وبعد اتخاذ الإجراءات التي يوجبها القانون في مثل هذه الحالة عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على هذه المحكمة التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن الطاعن رفع على المطعون عليه الدعوى رقم 1403 لسنة 10 القضائية طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من الإدارة بمنع بناء الكنيسة في الأرض المخصصة لها بموجب قرار مجلس الوزراء المؤرخ في 21 من إبريل سنة 1954، وقال في بيان دعواه إن السيد رئيس مجلس الوزراء وعد الطالب بصفته المذكورة بمنحه قطعة أرض معينة من طرح البحر في بورسعيد لبناء كنيسة للجمعية عليه وسارت الإجراءات على خير وجه حتى انتهت في 21 من إبريل سنة 1954 بصدور قرار من مجلس الوزراء بمنح الجمعية هذه الأرض لبناء الكنيسة عليها وأخذت الجمعية من جانبها في الاستعداد للبناء بموافقة الإدارة إلى أن فوجئت في أواخر يناير سنة 1956 بمعاون الإدارة يخطرها بأن قسم الرأي للوزارة لم يوافق على بناء الكنيسة. ويعيب الطاعن على هذا القرار مخالفة القانون ذلك أن كل قيد على بناء الكنائس باطل لصريح معارضته للمساواة المقررة بين الموظفين بموجب القانون العام وبموجب إعلان حقوق الإنسان الذي وافقت عليه الحكومة المصرية، ولأن قرار مجلس الوزراء المشار إليه قد قرر حقاً للجمعية وأنشأ لها مركزاً قانونياً لم يعد يصح المساس به وهو في حد ذاته دليل دافع على عدم وجود أسباب جدية لقرار المنع اللاحق. والأوضاع لم تتغير منذ صدور قرار مجلس الوزراء المذكور وإنما الذي تغير هي الأمزجة والأهواء التي لا يصح أن ترقى إلى حرم ساحة القضاء، وقد يكون لأحد المواطنين اعتراض على بناء الكنيسة، وبداهة أنه لا يجوز شرعاً ولا قانوناً تعليق حريات وحقوق فريق من المواطنين على مجرد مزاج غيرهم من أبناء وطنهم اللهم إلا إذا كان المقصود هو تقسيم المواطنين إلى فريقين فريق السادة وفريق آخر الأمر الذي لا يقره الدستور أو القانون”.
أجابت الجهة الإدارية المطعون ضدها على الدعوى بأن التحريات الإدارية أوردت بأن الأرض المزمع بناء الكنيسة عليها هي أرض فضاء مساحتها 863 متراً ملك الحكومة وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 21/ 4/ 1954 على تأجيرها للجمعية القبطية الأرثوذكسية لإقامة كنيسة عليها لمدة تسع سنوات بإيجار أسمى قدره جنيه واحد في السنة وبالاشتراطات المعتادة في مثل هذه الأحوال. وجاء بخطاب قلم الأملاك أن الأرض سلمت للجمعية في 13/ 6/ 1954 وأن المحاضر وعقود الإيجار أرسلت إلى مصلحة الأملاك في 16/ 9/ 1965 للاعتماد ولم ترد من المصلحة لوجود مخالفة في البناء. وثبت من معاينة السيد/ معاون البوليس أن الأرض المزمع بناء الكنيسة عليها تبعد عن مسجد السيد/ عبد الرحمن لطفي بمسافة 210 متراً وعن مدرسة الطاهر الابتدائية بمسافة 42 متراً، وعن مدرسة أنشئت حديثاً بمسافة 130 متراً وقال سيادته أن جرس الكنيسة سيكون له تأثير على إقامة الصلاة بالمسجد وعلى الدراسة بالمدرستين…” ثم تقول الحكومة أن الأرض المذكورة تقع في منطقة عامرة بالسكان من المسلمين وبعض الأجانب على اختلاف دياناتهم، وتلقت الوزارة شكوى من أفراد عديدين من المسلمين بصفتهم ملاكاً وسكاناً يلتمسون عدم الموافقة على بناء الكنيسة في الموقع المذكور لما ستسببه من إقلاق لراحة السكان في منطقة هادئة أعدت للسكن وهو وإن لم يوجد بقسم أول بورسعيد كنائس لطائفة الأقباط الأرثوذكس إلا أن للطائفة المذكورة كنيستين بقسم ثان بورسعيد على بعد حوالي كيلو مترين من المكان المزمع بناء الكنيسة الجديدة عليه – وقد أثبتت التحريات أن الكنيستين المذكورتين تكفيان لحاجة الطائفة المذكورة والتي يبلغ عددها حوالي تسعة آلاف فرداً من ذلك العدد 4415 يقيمون في قسم أول، هذا إلى أن الأرض المزمع بناء الكنيسة عليها تبعد عن كازينو الغزل بمسافة 238 متراً وعن لوكاندة هاوس أ ف د ي بالم مسافة 250 متراً وهما من المحلات العامة، وقد وافقت محافظة بورسعيد على إقامة الكنيسة بشرط وضع جرس من النوع الصغير بها بحيث لا يزعج المنشآت العامة والجيران. وقد ذكر الطاعن في الطلب الذي تقدم به لقسم أول بورسعيد بعد اطلاعه على الشكاوى المشار إليها أن الكنيسة المطلوب بنائها هي كنيسة صغيرة وسيركب بها جرس صغير لا يستعمل إلا في أوقات الصلاة وفي مواعيد لا تتعارض مع أوقات الدراسة”. وذكر أيضاً رئيس الجمعية في مذكرة أخرى قدمها إلى الجهة الإدارية أن مسجد السيد/ عبد الرحمن لطفي واقع على بعد بضعة أمتار من كاتدرائية أجنبية بها جرس كبير يدق أكثر من مرة يومياً وصوته يسمع على بعد كيلو مترين، وأن مسجد الدمياطي مشيد منذ مدة قريبة بجوار الكنيسة القبطية، وهناك زاويتان لا يفصلهما عن كنيستي الأقباط سوى شارع برغم ذلك فلم يحدث أي احتكاك بين المسلمين والأقباط – هذا فضلاً عن أن الجمعية القبطية ببورسعيد هي أول جمعية خيرية أنشأت مدارس ابتدائية في بورسعيد وقامت بتعليم أغلبية المسلمين والأقباط…” وإزاء ذلك كله رأت الوزارة الاتصال بمجلس الدولة للإفادة عما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 21/ 4/ 1954 يلزم الوزارة بإصدار ترخيص ببناء كنيسة تقوم عليها الاعتراضات المنصوص عنها أنفاً – وقد استعرض مجلس الدولة موضوع هذه الكنيسة وانتهى إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه قد أوجب توافر الشروط القانونية الواجب اتباعها في هذا الصدد والقرار المذكور بحسب طبيعته ينصب على تأخير الأرض بإيجار أسمى دون ما تعرض لموضوع آخر بل إنه اشترط توافر الشروط اللازمة للتصريح، وأنه إذا كان الترخيص بإنشاء الكنائس والمعابد هو إجراء موكول لوزارة الداخلية فيكون لها وحدها تقدير الملاءمة للتصريح بإنشاء هذه الدور من عدمه لما يتطلبه إنشاؤها وإقامة الشعائر الدينية فيها من تنظيم يرتبط باعتبارات خاصة بالأمن والسكينة وما إليها وبشرط أن يكون قرارها في هذا الصدد غير مشوب بعيب التعسف في استعمال السلطة..”.
وبتاريخ 9 من مايو سنة 1961 قضت المحكمة المذكورة “برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات” بانية حكمها على أنه “لاعتبارات تتعلق بالصالح العام قضى الخط الهمايوني الصادر من الباب العالي في فبراير سنة 1958 بوجوب الحصول على ترخيص بإقامة الكنيسة أو المعبد، والقول بأن قرار مجلس الوزراء الصادر بتأجير الأرض قد حوى في طيه التصريح بإقامة الكنيسة هو قول غير سديد لأن هذا القرار قاصر على التأجير لإقامة الكنيسة إذا توافرت الشروط القانونية الأخرى. وليس ثمة في هذه القواعد ما يدعو إلى القول بأن هناك تفرقة في المعاملة ونقض لمبدأ المساواة بين جميع المواطنين إذ ليس هناك قيود على حرية العقيدة ولا إقامة الشعائر وكل ما هناك إنما هو قدر من الرقابة منح للدولة لتضمن للجميع الحرية الدينية في جو من الهدوء والسكينة، والجهة الإدارية قد رفضت الترخيص في بناء الكنيسة بناء على أسباب صحيحة قدرتها الإدارة بما لها من حق التقدير مبتغية وجه الصالح العام خشية حصول فتن بين المسلمين والأقباط مما قد يخل بالنظام والأمن العام، ولهذه الأسباب أما سببها الصحيح الثابت من الأوراق وهي تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها الإدارة من رفض طلب الترخيص في الموقع المذكور ولم تنحرف في ذلك سلطتها العامة ولم ينطو قرارها على أية شائبة من إساءة استعمال السلطة ودليل ذلك أنها عرضت على المدعي أن يختار قطعة أرض أخرى لإقامة الكنيسة عليها على أن يكون في اختياره الجديد ما يزيل الأسباب التي رفضت الجهة الإدارية الترخيص بسببها”.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أغفل التعرض للمستندات التي قدمت دالة على أن اعتراض من اعترض من الجيران إنما كان نتيجة عرضية لظرف خاص، فلم يلبث أن زال السبب حتى انهارت النتيجة فقدمت عرائض موقعاً عليها من جميع الجيران ومن جميع أعيان البلد المسلمين ونوابها وأعضاء الاتحاد القومي منها مرحبين ببناء الكنيسة في هذا المكان الأمر الذي يقطع بأن اعتراض بعضهم السابق لم يكن قط اعتراضاً جدياً يصح أن يبني عليه القرار المطعون فيه، أما القول بأن جرس الكنيسة المنتظر سيكون له تأثير على الصلاة في الجامع والدراسة في المدرسة فمردود عليه بأن الجرس ليس من المحتم أن يوضع في تلك الكنيسة ودرج أصحاب الكنائس على مد هذه الذريعة بالامتناع عن وضع الجرس وإعطاء التعهد مقدماً بذلك حتى خلت كل الكنائس الحديثة البناء – تقريباً – من هذه الأجراس.. وقد آن الأوان أخيراً لأن تكف الإدارة عن التمسك بأحكام الخط الهمايوني بعد أن تطورت العقلية والمفاهيم والروح الاجتماعية كثيراً عما كانت عليه يوم صدور ذلك الخط منذ نيف ومائة سنة.. وما كان أجدر بالإدارة من أن تلاحظ كيف تتجاوز في هذا البلد الجوامع وكنائس الطوائف المسيحية الأخرى التي تضرب أجراسها كل نصف ساعة ومع ذلك لم يحدث أي إخلال بالأمن.. والجرس لا يضرب لدى الأقباط الأرثوذكس إلا نادراً جداً وفي وقت لا يتفق لا مع الصلاة في الجامع ولا مع الدراسة في المدرسة ثم هو حين يضرب فإنه لا يمكن أن يؤذي إحساس مواطنين أفاضل يعرفون أن لهم في الوطن أخوة يعبدون الله على طريقتهم ويشاطرونهم السراء والضراء.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم ذكره أن اعتراض الحكومة إنما ينصب على المكان الذي يراد بناء الكنيسة عليه للاعتبارات التي أوردتها والسابق الإشارة إليها وأن هذا من حقها القانوني – كذا تقول وزارة الداخلية بوصفها الحفيظة على الأمن مما يخضع الأمر في الترخيص لسلطتها التقديرية وهي بهذا لا تصادر حرية العبادة وإنما تكفل لها الاطمئنان والسكينة وتحفظ لها القدسية والاحترام، وهي في سبيل تيسير الأمر على الطائفة في ممارسة العبادة وقد طلبت منها اختيار مكان آخر لإقامة الكنيسة عليه بدلاً من المكان الأول.
ومن حيث إنه يبين من مجموع الأوراق والمكاتبات المتعلقة بهذا الموضوع:
أن معارضة وزارة الداخلية في إقامة الكنيسة على المكان الذي أذن بتأجيره مجلس الوزراء إلى الجمعية الخيرية القبطية لإقامة كنيسة عليه وذلك بالقرار الصادر في 21/ 4/ 1954 إنما كان مردها – على حد قولها – إلى أمور تتعلق بالأمن والسكينة لقرب الكنيسة المراد إقامتها من المدارس والمساكن والجوامع والمحلات العمومية مما قد يتسبب عنه احتكاك بين الطوائف الدينية المختلفة وإقلاق راحة السكان وإزعاج المنشآت العامة وهي كلها أمور تخضع لتقديرها عند النظر في الترخيص من عدمه ولا يحد من سلطتها هذه قرار مجلس الوزراء المشار إليه الذي هو بحسب طبيعته ينصب على تأخير الأرض بالإيجار الأسمى دون ما تعرض لوضع آخر بل إنه اشترط توافر الشروط اللازمة للتصريح فهو لا يعتبر تصريحاً بإقامة الكنيسة وليس من شأنه أن يلزم الوزارة بإصدار ترخيص بإنشاء هذه الكنيسة وهذا الذي أخذت به وزارة الداخلية كان بعد استطلاع رأي مجلس الدولة والموافقة عليه.
ومن حيث إنه توجد ضمن الأوراق المقدمة مذكرة مؤرخة 7/ 4/ 1955 موقعة من رئيس الإدارة بمحافظة بورسعيد – وهي سابقة على القرار الصادر بعدم الموافقة على الترخيص في البناء – وقد جاء فيها: “أن الوزارة طلبت إجراء البحوث الإدارية المعتادة عن تلك الكنيسة وفقاً لمذكرة الوزارة المرفقة بكتابها رقم 59/ 27/ 8 في 13/ 10/ 1954 وقد تم استيفاء التحريات على الوجه الآتي: –
(1) الأرض المرغوب بناء الكنيسة عليها هي من أرض الفضاء ملك الحكومة وقد وافق مجلس الوزراء في 21/ 4/ 1954 على تأجيرها للجمعية لإقامة كنيسة عليها لمدة تسع سنوات بإيجار أسمى قدره جنيه واحد في السنة وبالاشتراطات المعتادة في مثل هذه الأحوال.
(2) تبعد الأرض عن المساجد الموجودة بالناحية بحوالي مائتين وعشرة أمتار من مسجد السيد عبد الرحمن لطفي، ومقدار 42 متراً عن مدرسة الظاهر الابتدائية، وحوالي 130 متراً عن مدرسة أنشئت حديثاً. وأجراس هذه الكنيسة تؤثر على إقامة الشعائر الدينية بالمسجد وعلى الدراسة بالمدرستين المذكورتين.
(3) الأرض المراد بناء الكنيسة عليها تقع في مناطق عمرانية بها مساكن يقيم فيها سكان من المسلمين وبعض الأجانب على اختلاف دياناتهم وقد تقدم من ملاك وسكان الناحية المسلمين شكويان في 20/ 11/ 1954 و23/ 1/ 1955 معترضون على إقامة الكنيسة في هذا المكان اكتفاء بما لدى الطائفة من كنائس أخرى وإزاء هذه الشكوى قدم السيد/ رئيس الجمعية مذكرة قال فيها أن الجرس الذي سيركب في الكنيسة سيكون جرساً واحداً صغيراً تأثيره بسيط بالنسبة لأجراس المدارس الموجودة في المنطقة.
(4) لا يوجد للطائفة طالبة الترخيص كنيسة بهذه الجهة.. وأنه حسب بيان مكتب الإحصاء عدد أفراد الطائفة القاطنون بقسم أول بورسعيد الواقع فيه الأرض المراد إنشاء الكنيسة عليه يبلغ 4415. وللجمعية كنيستان أقربهما للمنطقة المطلوب الترخيص في إقامة كنيسة عليها تبعد بحوالي كيلو متراً.. والكنيستان المذكورتان تفي بحاجة الطائفة في الوقت الحاضر إذ يبلغ عدد أفرادها 9556 – هذا إلى إن الكنيسة المراد إقامتها تبعد عن كازينو الغزل بحوالي 238 متراً وعن لوكاندة هاوس أ ف د ي بالم بحوالي 250 متراً.. وقد تأشر على هذه المذكرة بالموافقة على إقامة الكنيسة على الأرض التي صدر قرار مجلس الوزراء بتأجيرها للجمعية لإنشاء الكنيسة عليها والتي تسلمت فعلاً للجمعية. على أن يراعى في التصريح بالبناء أن يكون الجرس من النوع الصغير الذي لا يزعج.. وقد كانت هذه التحريات والبيانات بناء على طلب وزارة الداخلية ولمعرفة رأي محافظة بورسعيد في إقامة الكنيسة من عدمه.
ومن حيث إنه يتضح من تصفح الشكويين المقدمتين واللتين انبنى عليهما في حقيقة الواقع – عدم الموافقة على الترخيص في بناء الكنيسة موضوع المنازعة الحالية أن أوجه الاعتراض على إقامة الكنيسة في المكان المرخص به من مجلس الوزراء تتركز وتنحصر في عدم ملاءمة المكان الذي سيقام عليه الكنيسة لما يتسبب عن دق الأجراس من إزعاج للسكان هذا إلى المنطقة محاطة بأكثر من أربع كنائس تدق فيها الأجراس وهو مثار للشكوى من قبل مما لا يحتمل معه المزيد من الإقلاق وأنه توجد كنيستان للطائفة المذكورة تفي بالحاجة بالنسبة لعددهم في مدينة بورسعيد.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قدمت حافظة بمستندات أمام محكمة القضاء الإداري من بينها تنازل صادر من مقدم إحدى الشكويين السيد/ عبد الفتاح المصري عن شكواه السابقة ويقرر في هذا التنازل بأنه ليس لديه أي مانع لإقامة الكنيسة على الموضع المقرر لها أصلاً.. وكذلك قدمت في الحافظة المذكورة إقرار موقع عليه من أشخاص عديدين من ملاك وسكان عمارات مجاورة للأرض المراد إقامة الكنيسة عليها يؤيدون فيه إقامة هذه الكنيسة، وجل الموقعين على هذا الإقرار من المسلمين المثقفين وهم إما مالك أو موظف.
ومن حيث إنه لا مراء في أن وزارة الداخلية قد أولاها القانون السلطات الكفيلة بالمحافظة على الأمن وتوقي الإخلال به فتصدر قراراتها بما يحقق تلك الأغراض دون انحراف أو خطأ في التقدير وإلا كانت خاضعة في ما يتعلق بتلك القرارات لرقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إن الأسباب التي بني عليها القرار المطعون فيه على ما يبدو من الأوراق تنحصر في خشية الوزارة من حدوث إقلاق لما يحيط بتلك الكنيسة من مدارس ومساجد ومؤسسات بسبب ما قد يشيد فيها من أجراس تدق بيه آونة وأخرى وقد كان ذلك موضوع بعض الشكاوى تقدمت إلى الجهة الإدارية من بعض الأفراد.
ومن حيث إنه يبين من دفاع الطاعن أن الأمر انعقد بين القائمين على بناء تلك الكنيسة على وضع جرس صغير يدق في فترات محدودة لإقامة الشعائر الدينية وكان من نتيجة ذلك أن تنازل الشاكين عن الشكاوى التي قدمت منهم.
ومن حيث إن ما ساقته الوزارة تبريراً للقرار المطعون فيه هو خشية الفتنة لاحتمال حدوث احتكاك بين المسلمين والأقباط فإنه قول غير سديد ذلك أنه ليس هناك أحياء خاصة بالأقباط وأخرى خاصة بالمسلمين بل إنهم جميعاً يعيشون جنباً إلى جنب وتوجد كنائس في أحياء غالبية سكانها العظمى من المسلمين كما وأن هذه الكنائس مقامة في وسط أمكنة آهلة بالسكان وبالقرب من المدارس والمؤسسات العامة والمنشآت الخاصة بل وبعضها مقام بجوار الجوامع ومع ذلك فلم تقع الفتنة أو حصل من إجراء هذا أي إخلال بالنظام أو الأمن وهذا راجع إلى سماحة الدين الإسلامي والتفهم الواعي لحرية العقيدة التي حرصت الجمهورية العربية المتحدة على تقريرها وإعلانها في كل مناسبة.. والمكان الذي ستقام عليه الكنيسة موضوع النزاع يقع في منطقة توجد بها كنائس لطوائف أخرى أقل عدداً من طائفة الأقباط الأرثوذكس وعلى مقربة من الكنيسة المراد إقامتها وأن الشكويين اللتين قدمتا للاعتراض على بناء هذه الكنيسة قد انحصر فيهما سبب الاعتراض على الجرس الذي سيدق فيها مما يتسبب عنه إزعاج وبعد أن وضح للشاكين حقيقة الأمر بالعمل على منع أي إزعاج لهم تنازلوا عن شكواهم على النحو السابق ذكره، هذا إلى أن الكنيسة المراد إقامتها تقع في قسم أول بورسعيد وهو خال من كنائس لطائفة الأقباط الأرثوذكس ويبلغ عددهم في هذا الحي حوالي 4 آلاف وأما الكنيستان الأخريتان للطائفة المذكورة فتقع في أقسام أخرى وتبعدان عن هذه الكنيسة بحوالي كيلو مترين وأن مجموع أفراد الطائفة المذكورة في مدينة بورسعيد حوالي تسعة آلاف.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار الصادر بعدم الترخيص في إقامة الكنيسة على المكان الصادر بشأنه قرار من مجلس الوزراء في 21/ 4/ 1954 قد صدر مخالفاً للقانون وبناء على أسباب لا تؤدي إلى المنع أو عدم الترخيص بإقامة الكنيسة المذكورة ويكون الحكم المطعون فيه إذ نحا غير هذا النحو فقد أخطأ الصواب ويتعين لذلك الحكم بإلغائه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام الحكومة المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
وسوم : جمعيات