الخط الساخن : 01118881009
السنة 46 – صـ 488
جلسة 8 من مارس سنة 1995
برئاسة السيد المستشار/ ناجي اسحق نقديموس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد عبد الرحمن وإبراهيم عبد المطلب وحسين الجيزاوي ومجدي أبو العلا نواب رئيس المحكمة.
(75)
الطعن رقم 5732 لسنة 63 القضائية
(1) نقض “أسباب الطعن. عدم تقديمها”.
عدم تقديم الطاعن أسباباً لطعنه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) حكم “بياناته” “تسبيبه. تسبيب غير معيب. جريمة “أركانها”. تعذيب.
إيراد الحكم بيان الواقعة بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التعذيب التي دان الطاعنين بها والأدلة على ثبوتها في حقهم. لا قصور.
(3) تعذيب. قانون “تفسيره”. جريمة. مأمورو الضبط القضائي. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
المتهم المقصود في حكم المادة 126 عقوبات. هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة ولو كان ذلك أثناء البحث والتحري عن الجرائم.
قيام مأمور الضبط القضائي بتعذيب المتهم لحمله على الاعتراف بالجريمة. مؤثم على مقتضى المادة 126 عقوبات. أياً كان الباعث على ذلك.
(4) تعذيب. اعتراف. قانون “تفسيره”. جريمة. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم اشتراط حصول الاعتراف فعلاً لتطبيق حكم المادة 126 عقوبات.
كفاية أن يقع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
(5) تعذيب. قانون “تفسيره”. موظفون عموميون. اختصاص. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
جريمة التعذيب المنصوص عليها في المادة 126 عقوبات. لا يشترط لتحققها أن يكون القائم بالتعذيب مختصاً بإجراء الاستدلالات أو التحقيق بشأن الواقعة المؤثمة التي ارتكبها المتهم. كفاية أن يكون للموظف العام سلطة بموجب وظيفته العامة تسمح له بتعذيب المتهم لحمله على الاعتراف.
(6) محكمة الموضوع “سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”. إثبات “بوجه عام”.
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. وإطراح ما يخالفها من صور. ما دام استخلاصها سائغاً.
(7) إثبات “خبرة”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. تعذيب.
لا محل للنعي على الحكم إشارته في مدوناته أن دفاع المتهمين ناقش الطبيب الشرعي واضع تقرير الصفة التشريحية ولم تخرج أقواله عما أثبته. ما دام لم يعول على تلك الأقوال.
(8) علاقة السببية. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. تعذيب.
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها؟ تقديرها. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة.
(9) إثبات “بوجه عام” “شهود” “خبرة”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير حق لمحكمة الموضوع.
قعود الطاعنين عن إثارة التناقض بين الدليلين القولي والفني أمام محكمة الموضوع. عدم قبول إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
(10) محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
دفاع الطاعنين بعدم صحة الواقعة. موضوعي. كفاية استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها المحكمة.
(11) موظفون عموميون. تعذيب. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. جريمة “أركانها”. قصد جنائي. باعث. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
القصد الجنائي في جريمة التعذيب المنصوص عليها في المادة 126 عقوبات. تحققه بتعمد الموظف العام أو المستخدم العمومي تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك.
تقدير توافر ذلك القصد. موضوعي.
مثال لاستدلال سائغ على توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين في جريمة تعذيب.
(12) فاعل أصلي. مسئولية جنائية. تضامن. قصد جنائي. اتفاق جنائي. جريمة “أركانها”. تعذيب. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
الاتفاق. تعريفه؟ وجه الاستدلال به. موضوعي.
التدليل على اتفاق المتهمين من نوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصْد الآخر في إيقاعها ووحدة الحق المعتدى عليه. أثره: اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية تعذيب المجني عليه بقصد حمله على الاعتراف متضامنين في المسئولية، سواء عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف.
(13) محكمة الموضوع “سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”. إثبات “بوجه عام”.
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. وإطراح ما يخالفها من صور. ما دام استخلاصها سائغاً.
(14) إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود؟
تضارب الشاهد في أقواله أو مع غيره من الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(15) إثبات “معاينة”. نقض “المصلحة في الطعن”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
نعى الطاعن بعدم جواز ندب المحكمة للنيابة العامة لإجراء المعاينة. غير مجد. ما دام الحكم لم يعول في قضائه على نتيجة تلك المعاينة.
(16) إثبات “اعتراف” “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين. ما دامت قد اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(17) دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
طاعة الرئيس لا تمتد إلى ارتكاب الجرائم. ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم أن القانون يعاقب عليه.
الدفاع الظاهر البطلان. لا يستوجب رداً.
(18) مسئولية جنائية. موانع العقاب “حالة الضرورة”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
حالة الضرورة التي تسقط المسئولية. هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس وشيك الوقوع. وجوب أن تكون الجريمة هي الوسيلة الوحيدة لدفع ذلك الخطر.
مثال لتسبيب سائغ في إطراح دفاع الطاعن بأنه كان مكرهاً على تنفيذ أوامر رؤسائه وإتيان الأفعال التي يؤثمها القانون.
(19) إثبات “شهود”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
الشهادة. ورودها على الحقيقة المراد إثباتها بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
(20) إثبات “اعتراف”. استدلال. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال. لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات.
(21) إثبات “اعتراف”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. تعذيب.
عدم التزام المحكمة نص اعتراف المتهم وظاهره. لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها.
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية وروده على وقائع تستنتج منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة.
(22) إجراءات “إجراءات المحاكمة”. استجواب.
صحة مناقشة المتهم في الاتهام المسند إليه والأدلة القائمة عليه. رهن بقبوله. المادة 274 إجراءات.
(23) إجراءات “إجراءات التحقيق” “إجراءات المحاكمة”. أمر إحالة. نيابة عامة. بطلان.إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق بعد اتصالها بالمحكمة. غير جائز. للمتهم أن يطلب من المحكمة استكمال ما فات النيابة العامة من تحقيقات وإبداء دفاعه بشأنها أمامها.
(24) محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. تعذيب.
خطأ الحكم فيما هو غير مؤثر في عقيدة المحكمة. لا يعيبه.
مثال.
(25) إجراءات “إجراءات المحاكمة”. تزوير. إثبات “بوجه عام”. محضر الجلسة.
اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة. إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير. يقتضيه واجبها في فحص الدليل الأساسي في الدعوى. إغفالها ذلك. يعيب الإجراءات. علة ذلك؟
(26) تزوير “تزوير الأوراق الرسمية”. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
مجرد تغيير الحقيقة في المحرر الرسمي بطريق الغش. بوسيلة مما نص عليها القانون. تتحقق به جريمة التزوير في المحررات الرسمية.
(27) تزوير “تزوير الأوراق الرسمية”. جريمة “أركانها”. قصد جنائي. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تحدث الحكم استقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير. غير لازم. ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه.
(28) تزوير “تزوير الأوراق الرسمية”. قصد جنائي. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية. مناط تحققه؟
(29) نقض “المصلحة في الطعن”. قصد جنائي.
نعي الطاعن خطأ المحكمة في تأويل وتفسير العبارات والألفاظ التي بني عليها دفاعه بعدم توافر القصد الجنائي لديه. غير مقبول. ما دام لم يكن له تأثير على عقيدة المحكمة.
(30) حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. تعذيب
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
1 – لما كان الطاعن الرابع…. ولئن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد، إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول طعنه شكلاً.
2 – لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “أن المتهمين….، ….، ….، ….، …. وقت عمل الأول والثاني ضابطي شرطة وعمل الثالث مساعد شرطة وعمل كل من الرابع والخامس جندي شرطة بسجن….، قاموا بتعذيب المجني عليه…. أثناء حبسه احتياطياً بالسجن في الجناية رقم…. جنايات مركز….، وذلك لحمله على الاعتراف بارتكاب الجريمة المسندة إليه وللإدلاء بأسماء شركاء له، وتم التعذيب بكيه بأسياخ حديدية قام المتهمان الرابع والخامس بتسخينها في النار بمخبز السجن وبإطفاء لفافات التبغ المشتعلة في مواضع مختلفة من جسده وبضربه بأجسام صلبة راضة، فأحدثوا به حروق بالوجه والذراعين والبطن والظهر والإليتين والساقين مع الدرجات الثلاث الأول، وكدمات بالذراعين والفخذ الأيسر والقدمين وبأنسجة فورة الرأس، أدت إلى حدوث تسمم دموي توكسيمي والتهام رئوي مضاعف من جراء تقيح الأنسجة بمواضع هذه الإصابات المتعددة وصاحب ذلك صدمة للمجني عليه، مما أدى إلى موته. وأن المتهم السادس…. طبيب السجن الذي وقع الكشف الطبي على المجني عليه ارتكب تزويراً لدى تحريره تقريراً بنتيجة هذا الكشف، بأن لم يثبت به إصابات الحروق النارية، كما استعمل التقرير المزور بتقديمه لإدارة السجن مع علمه بتزويره”.
وأورد الحكم على ثبوت الواقعة – بهذه الصورة – في حق الطاعنين وباقي المتهمين، أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهم الخامس…. بتحقيقات النيابة العامة، وما جاء بمعاينتها لمحل الحادث، وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه، وما ورد بتقرير الكشف الطبي المحرر بمعرفة المتهم السادس. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى – على السياق المتقدم – يعد كافياً في الإلمام بها وبالظروف التي أحاطت بها، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها، وأن ما ساقه من أدلة للتدليل على ثبوتها في حقهما، وهي أدلة سائغة من شأنه أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وهو ما يتحقق به غرض الشارع من إيجاب بيان الواقعة وأدلتها على النحو الذي تطلبه القانون.
3 – لما كان المتهم في حكم الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات، هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى على مقتضى المادتين 21، 29 من قانون الإجراءات الجنائية، ما دامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعاً في ارتكاب الجريمة التي يقوم أولئك المأمورون بجمع الاستدلالات فيها، ولا مانع من وقوع أحدهم تحت طائلة نص المادة 126 من قانون العقوبات إذا ما حدثته نفسه بتعذيب ذلك المتهم لحمله على الاعتراف أياً ما كان الباعث له على ذلك، ولا وجه للتفرقة بين ما يدلي به المتهم في محضر تحقيق تجريه سلطة التحقيق، وما يدلي به في محضر جمع الاستدلالات، ما دام القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بنوع معين من الدليل وله الحرية المطلقة في استمداده من أي مصدر في الدعوى يكون مقتنعاً بصحته، ولا محل للقول بأن الشارع قصد حماية نوع معين من الاعتراف لأن ذلك يكون تخصيصاً بغير مخصص ولا يتسق مع إطلاق النص.
4 – من المقرر أنه لا يشترط لانطباق حكم المادة 126 عقوبات حصول الاعتراف فعلاً، وإنما يكفي – وفق صريح نصها – أن يقع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
5 – من المقرر أنه لا يشترط لتطبيق نص المادة 126 من قانون العقوبات، أن يكون الموظف العام الذي قام بتعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف، مختصاً بإجراءات الاستدلال أو التحقيق بشأن الواقعة المؤثمة التي ارتكبها المتهم أو تحوم حوله شبهة ارتكابها أو اشتراكه في ذلك، وإنما يكفي أن تكون للموظف العام سلطة بموجب وظيفته العامة تسمح له بتعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف، وأياً ما كان الباعث له على ذلك.
6 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
7 – لما كان الحكم المطعون فيه ولئن أشار في مدوناته أن الدفاع عن المتهمين قام بمناقشة الطبيب الشرعي واضع تقرير الصفة التشريحية، وأن أقواله لم تخرج عما أثبته بالتقرير، إلا أنه لم يعول على تلك الأقوال، أو يحصل منها ما لا يتفق وما قرره الطبيب الشرعي بمحضر جلسة المحاكمة، أو يتعارض مع ما نقله الحكم من تقرير الصفة التشريحية – على النحو المار بيانه – ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الشأن.
8 – من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي وقعت منهما وبين النتيجة التي أدت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: “ومن حيث إنه عما أثاره الدفاع من عدم توافر رابطة السببية بين الأفعال التي بدرت من المتهمين وبين وفاة المجني عليه، فإن هذه الرابطة قد توافرت استناداً لما قطع به الدليل الفني في الدعوى وهو تقرير الصفة التشريحية من أن الإصابات الموجودة بجثة المجني عليه تحدث على التصوير الذي قرره شهود الإثبات في خصوص كيفية اعتداء المتهمين على المجني عليه وعلى النحو وبالآلات التي ذكر الشهود أن المتهمين الخمس الأوائل استخدموها في الاعتداء على المجني عليه، وأن إصابات الحروق هي التي أدت إلى إصابة المجني عليه بالتسمم الدموي التوكسيمي وبالالتهابات الرئوية لتقيح بعضها مما أفضى إلى موته، الأمر الدال على أن ما ارتكبه المتهمون من خطأ تمثل في تعذيب المجني عليه وإحداث إصابات به أثناء التعذيب هو الذي تسبب وأفضى إلى موته” وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم في شأن توافر علاقة السببية بين الأفعال التي اقترفها الطاعنان والتي نشأ عنها إصابة المجني عليه بالحروق النارية التي أدت إلى حدوث النتيجة وهي وفاته، وبما يتفق وصحيح القانون، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الخصوص يكون غير سديد.
9 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن إصابات المجني عليه جميعها قد مضى عليها بضعة أيام وفي تاريخ قد يتفق وتاريخ الواقعة، فإن ما عولت عليه من أقوال شهود الإثبات بشأن تحديد تاريخ الواقعة يكون متفقاً مع الدليل الفني المستمد من تقرير الصفة التشريحية – على النحو السالف بيانه – إذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم ينازعا في تاريخ الواقعة أو يدفعا بقيام التناقض بين أقوال الشهود – في هذا الخصوص – والتقرير الطبي الشرعي، فإنه لا تقبل منهما المجادلة في ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
10 – لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى، وما ساقه من الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ثبوتها في حق الطاعنين، إنما يفصح عن اقتناع المحكمة بصحة الواقعة، فإنه لا تثريب عليها إن هي لم تعرض بالرد على دفاع الطاعنين بشأن عدم صحتها، إذ لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بالرد عليه رداً صريحاً وإنما يكفي أن يكون الرد مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها المحكمة.
11 – من المقرر أن القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها في المادة 126 من قانون العقوبات، يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك، وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض، متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان الحكم قد رد على الدفع المبدى من الطاعنين بشأن انتفاء القصد الجنائي لديهما وأطرحه استناداً إلى ما استظهرته المحكمة بأسباب سائغة من الظروف التي أحاطت بالواقعة، والدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات، وما قرره المتهم الثاني بتحقيقات النيابة العامة أن تعدياً وقع على المجني عليه، وأن الاعتداء لم يكن بقصد إيذائه، وإنما تجاوز نشاطهما في الاعتداء على المجني عليه إلى قصد إجباره وحمله على الاعتراف بالجريمة التي اتهم فيها، ومن ثم يكون الحكم قد دلل على توافر القصد الجنائي للجريمة المنصوص عليها في المادة 126 من قانون العقوبات في حق الطاعنين.
12 – من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية، فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديه. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته – على السياق المتقدم – يعد كافياً في استظهار اتفاق المتهمين جميعاً على ضرب وتعذيب المجني عليه، من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كلاً منهم قصد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية تعذيب المجني عليه بقصد حمله على الاعتراف والذي أدى إلى موته، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية، سواء عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف.
13 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
14 – لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم، ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بنيت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصته من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
15 – لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على نتيجة المعاينة التي تمت بواسطة النيابة العامة تنفيذاً للقرار الصادر من المحكمة بندبها للقيام بذلك الإجراء، وإنما عول على المعاينة التي أجرتها النيابة العامة لمكان الحادث أثناء التحقيقات، فإنه لا جدوى للنعي على الحكم في هذا الخصوص.
16 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع، فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال المحكوم عليه الخامس، لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى، وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
17 – من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم، وأنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان مما لا يستأهل من المحكمة رداً.
18 – من المقرر أن حالة الضرورة تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به، كما أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم، وأنه ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – على السياق المتقدم – يستفاد منه الرد على دفاع الطاعن من أنه كان مكرهاً على تنفيذ أوامر رؤسائه وإتيان الأفعال التي يؤثمها القانون، ويسوغ به إطراحه لدفعه بارتكاب الواقعة صدوعاً تلك الأوامر، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة القصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون غير سديد.
19 – من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن تكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قالة الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
20 – من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات.
21 – من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم، أن تلتزم نصه وظاهره، بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها ولا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة.
22 – لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة سألت الطاعن عن التهمة المسندة إليه فأنكرها، ولم يطلب منها مناقشته في الاتهام المسند إليه والأدلة القائمة عليه، وهو إجراء وإن كان يحظر على المحكمة القيام به طبقاً للفقرة الأولى من المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أنه يصح بناء على طلب المتهم نفسه يبديه بالجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته.
23 – لما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على اعتبار الإحالة من مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي، ويجوز للمتهم أن يطلب منها استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها.
24 – من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم في هذا الشأن ما أثبته في مدوناته من أن الطاعن أنكر ما أسند إليه من اتهامات عند سؤاله بتحقيقات النيابة العامة، إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون خطأ لا تأثير له على عقيدة المحكمة فيما اقتنعت به بشأن صحة الواقعة المسندة إلى الطاعن، والأدلة التي ساقتها على ثبوتها في حقه.
25 – من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على المحرر محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة، لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى اعتباراً بأن تلك الورقة هي الدليل الذي يكمل شواهد التزوير.
26 – من المقرر أن مجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون في الأوراق الرسمية، تتحقق معه جريمة التزوير بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها.
27 – من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير، ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه.
28 – من المقرر أنه يتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية، متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة.
29 – لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى وإيراده لأدلتها وفي مقام التدليل على ثبوت جريمة التزوير في المحرر الرسمي في حق الطاعن – على السياق المتقدم – كافياً في إثبات تزوير الطاعن للتقرير الطبي الخاص بالمجني عليه وأنه تعمد عدم إثبات إصابات الأخير الناشئة عن الحروق النارية، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التزوير في المحرر الرسمي التي دانه بها، كما أفصح في هذا المقام عن عدم اطمئنان المحكمة لكافة الاعتبارات التي ساقها الطاعن في دفاعه بشأن عدم استطاعته تحديد الجروح النارية التي كان المجني عليه مصاباً بها، ولا ينال من سلامة الحكم في هذا الخصوص ما يثيره الطاعن بشأن خطأ المحكمة في تأويل وتفسير العبارات أو الألفاظ التي بني عليها دفاعه بعدم توافر القصد الجنائي لديه، إذ أن ذلك الخطأ – بفرض حصوله – لا تأثير له على وجدان المحكمة وتكوين عقيدتها بشأن توافر القصد الجنائي في حق الطاعن.
30 – من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم، هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وهو ما برئ منه الحكم.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم أولاً: المتهمون من الأول إلى الخامس: بصفتهم موظفين عموميين (ضباط وجنود بسجن…. العمومي) عذبوا…. المتهم – المحبوس احتياطياً على ذمة القضية رقم…. لحمله على الاعتراف بالجريمة المسندة إليه في تلك القضية بأن شدوا وثاقه بحبل من القماش وأوسعوه ضرباً بعصا وسير من الجلد وقاموا بكيه في مواضع مختلفة من جسمه بلفافات تبلغ مشتعلة وأسياخ من الحديد المحمي في النار فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهم الأول: هتك عرض المجني عليه سالف الذكر بالقوة بأن أولج عصا في دبره على النحو الوارد بالتحقيق. ثالثاً: المتهم السادس: ( أ ) بصفته موظفاً عاماً (طبيب سجن…. العمومي) ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو التقرير الطبي الخاص بالمجني عليه السالف الذكر حال تحريره المختص بوظيفته وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن تعمد عند توقيعه الكشف الطبي على المجني عليه المذكور بالسجن على خلاف الحقيقة عدم إثبات ما به من حروق نارية في ذلك التقرير. (ب) استعمل المحرر المزور السالف الذكر بأن قدمه لإدارة سجن…. العمومي مع علمه بتزويره. وأحالتهم إلى محكمة جنايات الفيوم لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى ورثة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بإلزامهم بأن يؤدوا لهم مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 126/ 1، 2، 211، 213، 214، 234/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من القانون نفسه بالنسبة للمتهم السادس والمادة 17 للمتهمين جميعاً أولاً: بمعاقبة المتهمين الأول والثاني والثالث بالسجن لمدة خمس سنوات لكل منهم ثانياً: بمعاقبة المتهمين الرابع والخامس بالسجن لمدة ثلاث سنوات لكل منهما. ثالثاً: بمعاقبة المتهم السادس بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وعزله من وظيفته لمدة سنتين. رابعاً: بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة لنظرها.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض…. إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن الرابع…. ولئن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد، إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول طعنه شكلاً.
أولاً: أسباب الطعن المقدمة من الطاعنين الأول والثاني:
ينعى الطاعنان الأول والثاني على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف تعذيباً أدى إلى موته، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم لم يورد واقعة الدعوى في بيان كاف تحقق به أركان الجريمة المسندة إلى الطاعنين والظروف التي أحاطت بها، إذ لم يعرض لبيان وقائع الاتهام المنسوب إلى المجني عليه والإجراءات التي اتخذت ضده من قبل السلطات ودفاعه بشأن ذلك الاتهام سواء بالاعتراف أو الإنكار، حتى يبين وجه استدلاله على أن تعذيب المجني عليه كان بقصد حمله على الاعتراف، ولم يدلل الحكم تدليلاً كافياً على قيام العلاقة بين ارتكاب الجريمة ومباشرة الطاعنان لوظيفتهما، إذ تفطن المحكمة إلى أن الطاعنين وقت وقوع الأفعال المنسوبة إليهما، كانا يعملان ضابطين للمباحث بسجن….، وينحصر اختصاصهما الوظيفي في الجرائم والمخالفات التي تقع من المسجونين داخل السجن، ولا يمتد اختصاصهما إلى الجرائم المحبوس من أجلها نزلاء السجن والتي وقعت بخارجه كما هو الحال بالنسبة للجريمة التي ارتكبها المجني عليه والتي وقعت منه خارج السجن، بما لا تتوافر معه أركان الجريمة التي دان الحكم الطاعنين بها، وأن الواقعة في صورتها الصحيحة لا تعدو أن تكون جريمة استعمال قسوة أو ضرب أفضى إلى موت، وعول الحكم في إدانة الطاعنين – ضمن ما عول – على ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية وما جاء بأقوال الطبيب الشرعي بجلسات المحاكمة، والتي أورد الحكم في مدوناته أنها لا تخرج عن مضمون ما ثبت بذلك التقرير، في حين أن تلك الأقوال التي استند إليها الحكم لا تتفق وما قرره الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة، إذ أن الثابت بأقواله أنه لا يستطيع الجزم باحتمال إصابة المجني عليه بالتهاب رئوي قبل دخوله السجن، كما قرر بأنه لم يطلع على أوراق المجني عليه بالسجن أو يرسل أية عينات من الأجزاء المصابة أو دم أو إفرازات المجني عليه للتحليل، وهو ما يخالف ما أثبته الطبيب في تقريره من أن الوفاة نشأت عن مضاعفات تقيح الإصابات، ويقطع علاقة السببية بين الأفعال المنسوبة إلى الطاعنين ووفاة المجني عليه، كما عول الحكم على أقوال الشهود، برغم أن ما شهودا به من حصول واقعة التعذيب في تاريخ….، يتعارض مع الدليل الفني المستند من التقرير الطبي الشرعي، إذ أثبت الطبيب في تقريره بتاريخ…. وجود حروق من الدرجة الأولى والدرجة الثانية بجسم المجني عليه، وهو ما يستحيل معه حدوث تلك الحروق بالمجني عليه في تاريخ….، لما هو متعارف عليه في علم الطب الشرعي من أن إصابات الحروق من الدرجتين الأولى والثانية لا يبقي لها أثر أكثر من أربع وعشرين ساعة، وأغفل الحكم الرد على دفاع الطاعنين بشأن عدم صحة الواقعة وانقطاع رابطة السببية بين الأفعال المسندة إليهما ووفاة المجني عليه، وعدم توافر القصد الخاص في جريمة التعذيب لحمل المجني عليه على الاعتراف إذ أن الاعتداء عليه – لو صح – فقد كان بغرض منعه من الاستمرار في الهياج والاقتصار عن تنفيذ قرار مأمور السجن بوضعه في الحجز الانفرادي لخطورته، وأنه لا صلة للطاعنين بالوقائع المسندة إلى المجني عليه أو بالجهة المنوط بها التحقيق بشأنها، ولم يدلل الحكم على وجود اتفاق بين الطاعنين وباقي المتهمين على ضرب المجني عليه وتعذيبه أو توافر ظرف سبق الإصرار على ذلك، بما لا يستقيم معه مساءلة المتهمين جميعاً عن وفاة المجني عليه، إذ أن إصاباته متعددة وقد ساهم بعضها في إحداث الوفاة والبعض الآخر لم يساهم في إحداثها. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “أن المتهمين…. و…. و…. و…. و…. وقت عمل الأول والثاني ضابطي شرطة وعمل الثالث مساعد شرطة وعمل كل من الرابع والخامس جندي شرطة بسجن….، قاموا بتعذيب المجني عليه…. أثناء حبسه احتياطياً بالسجن في الجناية رقم….، وذلك لحمله على الاعتراف بارتكاب الجريمة المسندة إليه وللإدلاء بأسماء شركاء له، وتم التعذيب بكيه بأسياخ حديدية قام المتهمان الرابع والخامس بتسخينها في النار بمخبز السجن وبإطفاء لفافات التبغ المشتعلة في مواضع مختلفة من جسده وبضربه بأجسام صلبة راضة، فأحدثوا به حروق بالوجه والذراعين والبطن والظهر والإليتين والساقين مع الدرجات الثلاث الأول، وكدمات بالذراعين والفخذ الأيسر والقدمين وبأنسجة فورة الرأس، أدت إلى حدوث تسمم دموي توكسيمي والتهام رئوي مضاعف من جراء تقيح الأنسجة بمواضع هذه الإصابات المتعددة وصاحب ذلك صدمة للمجني عليه، مما أدى إلى موته وأن المتهم السادس…. طبيب السجن الذي وقع الكشف الطبي على المجني عليه ارتكب تزويراً لدى تحريره تقريراً بنتيجة هذا الكشف، بأن لم يثبت به إصابات الحروق النارية، كما استعمل التقرير المزور بتقديمه لإدارة السجن مع علمه بتزويره”. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة – بهذه الصورة – في حق الطاعنين وباقي المتهمين، أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهم الخامس…. بتحقيقات النيابة العامة، وما جاء بمعاينتها لمحل الحادث، وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه، وما ورد بتقرير الكشف الطبي المحرر بمعرفة المتهم السادس. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى – على السياق المتقدم – يعد كافياً في الإلمام بها وبالظروف التي أحاطت بها، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها، وأن ما ساقه من أدلة للتدليل على ثبوتها في حقهما، وهي أدلة سائغة من شأنه أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وهو ما يتحقق به غرض الشارع من إيجاب بيان الواقعة وأدلتها على النحو الذي تطلبه القانون، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان المتهم في حكم الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات، هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى على مقتضى المادتين 21، 29 من قانون الإجراءات الجنائية، ما دامت قد حامت حوله شبهة أن ضلعاً في ارتكاب الجريمة التي يقوم أولئك المأمورون بجمع الاستدلالات فيها، ولا مانع من وقوع أحدهم تحت طائلة نص المادة 126 من قانون العقوبات إذا ما حدثته نفسه بتعذيب ذلك المتهم لحمله على الاعتراف أياً ما كان الباعث له على ذلك، ولا وجه للتفرقة بين ما يدلي به المتهم في محضر تحقيق تجريه سلطة التحقيق، وما يدلي به في محضر جمع الاستدلالات، ما دام القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بنوع معين من الدليل، وله الحرية المطلقة في استمداده من أي مصدر في الدعوى يكون مقتنعاً بصحته، ولا محل للقول بأن الشارع قصد حماية نوع معين من الاعتراف لأن ذلك يكون تخصيصاً بغير مخصص ولا يتسق مع إطلاق النص، وكان لا يشترط لانطباق حكم هذه المادة حصول الاعتراف فعلاً، وإنما يكفي – وفق صريح نصها – أن يقع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن ما أتاه الطاعنان من أفعال على المجني عليه، كان بمناسبة اتهامه في القضية رقم….، وأن إيقاعهما تلك الأفعال إنما كان بقصد حمله على الاعتراف، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بقالة القصور في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعنان بشأن عدم اختصاصهما الوظيفي بالجريمة التي وقعت من المجني عليه وإجراءات التحقيق المتعلقة بها وانتفاء العلاقة بين وظيفتهما وارتكاب الجريمة المسندة إليهما، وأطرحه في قوله “ومن حيث إنه عن الدفع بعدم توافر صفة الموظف العام المختص التي يستلزمها تطبيق نص المادة 126 عقوبات في حق كل من المتهمين الخمس الأول، فمردود بأنه لما كانت جريمة التعذيب المنصوص عليها في تلك المادة هي جريمة السلطة ضد الأفراد، فإنه لا يشترط لتوافر هذه الصفة في مرتكبها، أن يكون القائم بالتعذيب مختصاً باستجواب المجني عليه فيها، وإنما يكفي وجود علاقة بين ارتكاب الجريمة ومباشرة الوظيفة، أي أن يكون الجاني أثناء ارتكابها قائماً بأعمال وظيفته، وأن يستخدم سلطة وظيفته في اقترافها، وأن يكون له بحكم هذه الوظيفة اتصالاً بالمجني عليه، والثابت من أوراق الدعوى أن هذه الشروط الثلاثة متوافرة في حق كل من المتهمين الخمس، مما يشكل قناعة المحكمة إلى توافر الصفة الوظيفية التي يستلزمها تطبيق نص المادة 126 عقوبات لدى كل منهم، وأن جريمتهم قد وقعت استناداً إلى سلطة وظيفة كل منهم، سيما وأن المجني عليه كان مقيد الحرية بداخل السجن الذي يعمل به كل منهم وقت ارتكاب الحادث”.
لما كان ذلك، وكان لا يشترط لتطبيق نص المادة 126 من قانون العقوبات، أن يكون الموظف العام الذي قام بتعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف، مختصاً بإجراءات الاستدلال أو التحقيق بشأن الواقعة المؤثمة التي ارتكبها المتهم أو تحوم حوله شبهة ارتكابها أو اشتراكه في ذلك.
وإنما يكفي أن تكون للموظف العام سلطة بموجب وظيفته العامة تسمح له بتعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف، وأياً ما كان الباعث له على ذلك، وبالتالي فإن ما ساقه الحكم – على النحو السالف بيانه – يكون كافياً في التدليل على توافر الاختصاص الوظيفي للطاعنين وصلته بأفعال التعذيب التي وقعت منهما على المجني عليه بقصد حمله على الاعتراف، ويتفق والتطبيق القانوني الصحيح. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه، أن الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى كما استقرت في وجدان المحكمة، أن الطاعنين وباقي المتهمين قاموا بتعذيب المجني عليه بقصد حمله على الاعتراف، والذي أدى إلى موته وساقت المحكمة من الأدلة السائغة وسائر العناصر الأخرى التي كانت مطروحة عليها، ما يؤيد اقتناعها بالصورة الصحيحة لواقعة الدعوى على النحو المار بيانه، كما عرضت المحكمة لما أثاره الدفاع عن الطاعنين والمتهمين الثالث والرابع والخامس من أن الواقعة بفرض صحتها تشكل جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها في المادة 129 من قانون العقوبات، وأطرحته تأسيساً على ما ثبت لها من الأوراق، أن الاعتداء على المجني عليه قد وقع عليه بصفته متهماً في الجناية رقم….، ولم يكن ذلك الاعتداء لمجرد إلحاق الأذى به وإنما كان بهدف حمله على الاعتراف بما أسند إليه من اتهام في تلك القضية، ويجاوز الأفعال المعاقب عليها بالمادة 129 من قانون العقوبات، ويندرج تحت طائلة العقاب بالمادة 126 من القانون ذاته، بما يكشف عن اقتناع المحكمة بتوافر كافة العناصر القانونية للواقعة المؤثمة والمعاقب عليها بالمادة سالفة الذكر والتي دانت الطاعنين بها، وبالتالي فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في شأن اختصاصهما الوظيفي وصلته بالجريمة التي وقعت منهما، وفي الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل مؤدى التقرير الطبي الشرعي في قوله “وقد انتهى تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه….، أنه وجد بها حروق متعددة بعضها تقيح منتشرة بالوجه والذراعين والظهر والبطن والإليتين والساقين مستديرة الشكل قطرها حوالي نصف سم، وأيضاً حروق متعددة بعضها تقيح منتشرة بالذراعين والبطن والظهر والإليتين والساقين طولية تتراوح أطوالها ما بين أربعة إلى ثمانية سم وعرضها يتراوح ما بين واحد إلى اثنين سم وكدمات بالجبهة الوحشية من العضد الأيسر والأيمن وبظهر اليدين وببطن القدمين وبالجبهة الأنسية من الفخذ الأيسر وانسكابات غزيرة شاملة لأنسجة فروة الرأس، وأن هذه الحروق حيوية من الدرجات الثلاث الأول ذات طبيعة نارية تحدث من ملامسة الجسم لسطح جسم ساخن، وقد مضى عليها بعضة أيام وفي تاريخ قد يتفق وتاريخ الواقعة، وانتهى التقرير إلى أنه لا يجود ما يتعارض فنياً وإمكان حدوثها نتيجة ملامسة الجسم لأسياخ حديدية ساخنة ولفافات تبغ مشتعلة، وأن الكدمات الموجودة ذات طبيعة رضية وتحدث من المصادمة بجسم صلب راض أياً كان نوعه وقد مضى عليها بضعة أيام وفي تاريخ قد يتفق وتاريخ الواقعة، وخلص التقرير إلى أن وفاة المجني عليه ناشئة من تسمم دموي توكسيمي والتهاب رئوي مضاعف لتقيح الأنسجة بمواضع الإصابات المتقيحة الموصوفة بالجثة وما صاحب ذلك من صدمة”.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه ولئن أشار في مدوناته أن الدفاع عن المتهمين قام بمناقشة الطبيب الشرعي واضع تقرير الصفة التشريحية، وأن أقواله لم تخرج عما أثبته بالتقرير، إلا أنه لم يعول على تلك الأقوال، أو يحصل منها ما لا يتفق وما قرره الطبيب الشرعي بمحضر جلسة المحاكمة، أو يتعارض مع ما نقله الحكم من تقرير الصفة التشريحية – على النحو المار بيانه – ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي وقعت منهما وبين النتيجة التي أدت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: “ومن حيث إنه عما أثاره الدفاع من عدم توافر رابطة السببية بين الأفعال التي بدرت من المتهمين وبين وفاة المجني عليه، فإن هذه الرابطة قد توافرت استناداً لما قطع به الدليل الفني في الدعوى وهو تقرير الصفة التشريحية من أن الإصابات الموجودة بجثة المجني عليه تحدث على التصوير الذي قرره شهود الإثبات في خصوص كيفية اعتداء المتهمين على المجني عليه وعلى النحو وبالآلات التي ذكر الشهود أن المتهمين الخمس الأوائل استخدموها في الاعتداء على المجني عليه، وأن إصابات الحروق هي التي أدت إلى إصابة المجني عليه بالتسمم الدموي التوكسيمي وبالالتهابات الرئوية لتقيح بعضها مما أفضى إلى موته، الأمر الدال على أن ما ارتكبه المتهمون من خطأ تمثل في تعذيب المجني عليه وإحداث إصابات به أثناء التعذيب هو الذي تسبب وأفضى إلى موته”.
وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم في شأن توافر علاقة السببية بين الأفعال التي اقترفها الطاعنان والتي نشأ عنها إصابة المجني عليه بالحروق النارية التي أدت إلى حدوث النتيجة وهي وفاته، وبما يتفق وصحيح القانون، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن إصابات المجني عليه جميعها قد مضى عليها بضعة أيام وفي تاريخ قد يتفق وتاريخ الواقعة، فإن ما عولت عليه من أقوال شهود الإثبات بشأن تحديد تاريخ الواقعة يكون متفقاً مع الدليل المستمد من تقرير الصفة التشريحية – على النحو السالف بيانه – إذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم ينازعا في تاريخ الواقعة أو يدفعا بقيام التناقض بين أقوال الشهود – في هذا الخصوص – والتقرير الطبي الشرعي، فإنه لا تقبل منهما المجادلة في ذلك لأول مرة أمام النقض. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى، وما ساقه من الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ثبوتها في حق الطاعنين، إنما يفصح عن اقتناع المحكمة بصحة الواقعة، فإنه لا تثريب عليها إن هي لم تعرض بالرد على دفاع الطاعنين بشأن عدم صحتها، إذ لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بالرد عليه رداً صريحاً وإنما يكفي أن يكون الرد مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها المحكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعنين بشأن انقطاع رابطة السببية بين الأفعال المسندة إليهما ووفاة المجني عليه، وأطرحه بما يسوغ به إطراحه، على النحو الذي سبق تناوله بالرد عند معالجة وجه الطعن المتعلق بذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها في المادة 126 من قانون العقوبات، يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك، وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض، متى كان استخلاصها سليماً مستنداً من أوراق الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع المبدى من الطاعنين بشأن انتفاء القصد الجنائي لديهما وأطرحه استناداً إلى ما استظهرته المحكمة بأسباب سائغة من الظروف التي أحاطت بالواقعة، والدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات، وما قرره المتهم الثاني بتحقيقات النيابة العامة أن تعدياً وقع على المجني عليه، وأن الاعتداء لم يكن بقصد إيذائه، وإنما تجاوز نشاطهما في الاعتداء على المجني عليه إلى قصد إجباره وحمله على الاعتراف بالجريمة التي اتهم فيها، ومن ثم يكون الحكم قد دلل على توافر القصد الجنائي للجريمة المنصوص عليها في المادة 126 من قانون العقوبات في حق الطاعنين، ولا ينال من ذلك ما يثيره الطاعنان بأسباب طعنهما من افتراض حصول الاعتداء على المجني عليه بغرض إجباره على الالتزام بتنفيذ القوانين والقرارات الصادرة بشأن تنظيم السجون، إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون دفاعاً لم تر فيه المحكمة ما يغير من وجه الرأي الذي انتهت إليه، أو يؤثر في عقيدتها بشأن واقعة الدعوى التي اقتنعت بها، والأدلة التي اطمأنت إليها فالتفتت عنه، أما ما يثيره الطاعنان بشأن انقطاع صلتهما بالوقائع المسندة إلى المجني عليه أو بالجهة المنوط بها التحقيق بشأنها، فمردود بما سبق تناوله بالرد على وجه الطعن المتعلق بذلك، وبالتالي فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في مدوناته من وقائع الدعوى وأدلتها، أن الطاعنين والمتهمين الثالث والرابع والخامس، وهم من الضباط وصف الضباط والجنود والعاملين بسجن….، كانوا موجودين على مسرح الجريمة داخل ذلك السجن، وأن الطاعنين والمتهم الثالث تعدوا على المجني عليه بالضرب وقاموا بتعذيبه بإطفاء لفافات التبغ المشتعلة في جسمه، وكيه بأسياخ حديدية محماة في النار، وأن المتهمين الرابع والخامس أحضرا الأسياخ الحديدية وقاما بتسخينها بطاقة النار الخاصة بمخبز السجن وتسليمها للطاعنين لكي المجني عليه بها، كما أن المتهم الرابع تعدى على المجني عليه بالضرب، وأن ذلك الضرب والتعذيب كان بقصد حمله على الاعتراف بالجريمة التي اتهم بارتكابها، وقد أدى التعذيب إلى موت المجني عليه، وكان من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية، فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تتوافر لديه. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته – على السياق المتقدم – يعد كافياً في استظهار اتفاق المتهمين جميعاً على ضرب وتعذيب المجني عليه، من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كلاً منهم قصد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية تعذيب المجني عليه بقصد حمله على الاعتراف والذي أدى إلى موته، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية، سواء عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف، وهو ما لم يخطئه الحكم، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الثالث:
ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أدى إلى موته، قد شابه تناقض وقصور في التسبيب وبطلان في الإجراءات وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم عول – ضمن ما عول – في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات برغم تناقض أقوالهم، إذ أن ما شهد به الشاهد….، يناقض ما قرره الشاهد….، وأن أقوال الشاهد…. تتعارض مع أقوال الشاهد….، وشهد بعض الشهود بأن الطاعن حضر بعد الانتهاء من اعتداء المتهمين على المجني عليه، وشهد البعض الآخر بأن الطاعن تعدى على المجني عليه بيده وبقطعة من الجلد وأخرى من الخشب، كما شهد فريق من الشهود بأنه كان يحمل أسياخ حديدية محماة ويناولها للمتهمين الأول والثاني، وهو ما يتعذر معه استخلاص الصورة الحقيقية للواقعة المنسوبة إليه، ودفع الطاعن بقيام التناقض بين الدليلين القولي والفني، إذ قرر المتهم الخامس بأن الطاعن تعدى على المجني عليه بقطعة من الخشب، وقرر شاهدان آخران بأنه تعدى عليه بقطعة من الجلد، وهو ما يتعارض مع تقرير الصفة التشريحية، إذ خلا ذلك التقرير من بيان وجود إصابات رضية بكتف المجني عليه الأيمن وأن باقي الإصابات حدثت من استعمال أجسام صلبة راضة، بما لا يتفق والقول بأنه اعتدى على المجني عليه بجلدة، ولم يعرض الحكم لهذا الدفع أو يعني برفع التناقض بين الدليلين القولي والفني، برغم أنه تمسك بانتفاء علاقة السببية بين ما نسب إليه من فعل وحدوث النتيجة وهي وفاة المجني عليه، كما تمسك بطلب إجراء المحكمة معاينة لسجن….، إلا أنها ندبت النيابة العامة لإجراء تلك المعاينة وهو ما لا يجوز طبقاً للقانون، وعول الحكم في إدانة الطاعن على اعتراف المتهم الخامس…. في حين أنه لا يصح الأخذ باعتراف متهم على متهم آخر، ودفع الطاعن بانعدام مسئوليته الجنائية لأنه لم تكن لديه الفرصة للتفكير والتروي بشأن الأوامر التي صدرت إليه من رؤسائه في العمل مما أفقده إرادته، ولم يعرض الحكم لهذا الدفع إيراداً ورداً، كما أغفل الرد على دفاعه بشأن انتفاء القصد الجنائي لديه استناداً إلى أن صفته الوظيفية لا تخوله الحق في تعذيب المجني عليه، ودون أن تتجه إرادته إلى اقتراف فعل من أفعال التعذيب ولا مصلحة له في تحقيق الغرض من تلك الأفعال وهو الحصول على اعتراف من المجني عليه – مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم، ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بنيت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصته من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن التعارض بين الدليلين القولي والفني، وانتفاء علاقة السببية بين ما نسب إليه من فعل وحدوث النتيجة وهي وفاة المجني عليه، مردود بما سبق الرد عليه بأوجه الطعن المقدمة من الطاعنين الأول والثاني، من أن ما ساقه الحكم المطعون فيه في مدوناته، كافياً في استظهار قيام الاتفاق بين المتهمين جميعاً على ضرب المجني عليه وتعذيبه بقصد حمله على الاعتراف، وقد أدى ذلك إلى موته، وقد دلل الحكم على مساهمة الطاعن في أفعال الضرب والتعذيب التي وقعت على المجني عليه والتي أدت إلى وفاته، وأنه كان فاعلاً أصلياً في ارتكاب تلك الجريمة، ومن ثم فإن الطاعن يكون مسئولاً عن موت المجني عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها، وبالتالي فإن منعاه على الحكم في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على نتيجة المعاينة التي تمت بواسطة النيابة العامة تنفيذاً للقرار الصادر من المحكمة بندبها للقيام بذلك الإجراء، وإنما عول على المعاينة التي أجرتها النيابة العامة لمكان الحادث أثناء التحقيقات فإنه لا جدوى للنعي على الحكم في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع، فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال المحكوم عليه الخامس، لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى، وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم، وأنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان مما لا يستأهل من المحكمة رداً. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن التفات الحكم عن الرد على الدفع بانتفاء القصد الجنائي لديه، مردود بما سبق الرد عليه بأوجه الطعن المقدمة من الطاعنين الأول والثاني، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثالثاً: أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الخامس:
ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أدى إلى موته، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على الدفع بامتناع مسئوليته طبقاً للمادتين 61، 63 من قانون العقوبات، لوقوعه تحت تأثير إكراه معنوي، وأنه قام بتنفيذ أمر رئيسه اعتقاداً منه بمشروعيته باعتبار أنه جندي مجند واجب عليه إطاعة أوامر رؤسائه، إلا أن المحكمة أغفلت الرد على الدفع بتوافر حالة الإكراه المعنوي، وأطرحت الدفع بانطباق المادة 63 من قانون العقوبات بما لا يسوغ به إطراحه، وعول الحكم في إدانة الطاعن على شهادة الشرطي…. واعترافه، في حين أن ما قرره ذلك الشاهد هو مجرد سرد لواقعة مادية ليس من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه من توافر أركان الجريمة في حقه، كما أن ما أدلى به من أقوال لا يعد اعترافاً صريحاً بما نسب إليه من اتهام. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه عرض للدفع المبدى من الطاعن بشأن انعدام مسئوليته استناداً إلى أن ما اقترفه من أفعال كان تنفيذاً لأوامر رؤسائه وأطرحه في قوله “فإن هذا الدفع يستند إلى نص المادة 63 عقوبات، ولما كانت الشروط التي يستلزمها هذا النص لعدم تجريم أفعال المتهم تستلزم أن يعتقد أن أوامر رؤسائه الصادرة له واجبة النفاذ، أو أنه ينفذ ما أمرت به القوانين أو ينفذ فعلاً يعتقد بمشروعيته، فتأسيساً على ذلك وعلى ضوء بشاعة الأفعال الصادرة من المتهمين قبل المجني عليه، فيبدو من الواضح عقلاً ومنطقاً أن أي من هذه الحالات لا تتوافر للمتهم سيما وأن البين من وقائع الدعوى أنه اقترف ما ارتكبه دون أن يحاول أن يثبت من مشروعيته أو أن يتحرى عن سلامته، وبالتالي لا يمكن أن يستفيد المتهم من النص القانوني المتقدم، وتقضي المحكمة برفض هذا الدفع”. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالة الضرورة تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به، كما أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم، وأنه ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – على السياق المتقدم – يستفاد منه الرد على دفاع الطاعن من أنه كان مكرهاً على تنفيذ أوامر رؤسائه وإتيان الأفعال التي يؤثمها القانون، ويسوغ به إطراحه لدفعه بارتكاب الواقعة صدوعاً لتلك الأوامر، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة القصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن تكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قالة الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال الشاهد…. في بيان واف يتلاءم مع ما أورده من أقوال باقي شهود الإثبات، والتي من شأنها في مجموعها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من ثبوت للواقعة في حق الطاعن بعناصرها القانونية كافة، فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وأن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم، أن تلتزم نصه وظاهره، بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها ولا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع – في أسباب طعنه – أن ما حصله الحكم من اعترافه بتحقيقات النيابة له أصله الثابت بالأوراق، ولم يحد عن نص ما أدلى به من أقوال بتلك التحقيقات، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة ذلك الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
رابعاً: أسباب الطعن المقدمة من الطاعن السادس:
ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعماله مع العلم بتزويره، قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان أمر الإحالة استناداً إلى أنه سئل بتحقيقات النيابة العامة باعتباره شاهداً بعد حلف اليمين القانونية، ولم يوجه إليه اتهام بالتزوير، مما حال دون إبداء دفاعه بشأن ما أسند إليه من اتهام، وبرغم ذلك أثبت الحكم في مدوناته – على خلاف الثابت بالأوراق – أنه سئل بتحقيقات النيابة العامة وأنكر ما أسند إليه من اتهامات، وأغفلت المحكمة إثبات اطلاعها على التقرير الطبي موضوع جريمتي التزوير المسندة إليه، ولم تعرض ذلك المحرر على الطاعن والمدافع عنه للاطلاع عليه، وتمسك الطاعن في دفاعه بأنه لم يتعمد عدم إثبات الحروق النارية التي أصيب المجني عليه بها بالتقرير الطبي الذي قام بتحريره أو إن ذلك كان من قبيل النسيان كما جاء بأمر الإحالة وورد بأدلة الثبوت، وإنما ذكر بالتحقيقات ما مفاده أنه غم عليه الأمر فلم يتمكن من تحديد نوع الجروح التي أثبتها بتقريره عند الكشف الطبي الظاهري على المجني عليه، إذ أن تلك الجروح كانت مغطاة بمادة الميكروكروم ولم يكن لديه من الأجهزة العلمية التي تساعد في الكشف عن نوع الجروح، وقد قرر الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة أن الحروق هي نوع من الجروح، وأن ما خلص إليه الحكم في مدوناته من أن تعليل الطاعن بأنه سهى عليه إثبات الحروق، يخالف الثابت بأقواله في الأوراق، ولم يعن الحكم باستظهار القصد الجنائي لدى الطاعن، برغم أن دفاعه بتحقيقات النيابة بشأن عدم استطاعته تحديد ماهية الجروح التي وضعها بالتقرير الطبي، مفاده أن ما وقع منه لا يعدو أن يكون مجرد إهمال لا يتوافر به القصد الجنائي لجريمة التزوير في المحرر الرسمي، وهو ما لم يعرض له الحكم إيراداًً ورداً، كما أغفل الرد على دفاعه بشأن انتفاء جريمة التزوير بالترك، وأن ما أورده الحكم في أسبابه بشأن ارتكاب الطاعن لجريمتي التزوير في التقرير الطبي واستعماله، يتناقض مع استناده إلى ذلك التقرير في إدانة المتهمين الآخرين بشأن ما تضمنه من الإصابات التي وجدت بالمجني عليه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة سألت الطاعن عن التهمة المسندة إليها فأنكرها، ولم يطلب منها مناقشته في الاتهام المسند إليه والأدلة القائمة عليه، وهو إجراء وإن كان يحظر على المحكمة القيام به طبقاً للفقرة الأولى من المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أنه يصح بناء على طلب المتهم نفسه يبديه بالجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على اعتبار الإحالة من مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي، ويجوز للمتهم أن يطلب منها استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها، فإنه لا محل للقول بوجود ضرر يستدعي بطلان أمر الإحالة، وإلا ترتب على البطلان إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق من بعد اتصالها بالمحكمة وهو غير جائز، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح الدفع ببطلان أمر الإحالة، يكون قد أصاب صحيح القانون، ولا وجه للنعي عليه في هذا الخصوص، كما لا ينال من سلامة الحكم في هذا الشأن ما أثبته في مدوناته من أن الطاعن أنكر ما أسند إليه من اتهامات عند سؤاله بتحقيقات النيابة العامة، إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون خطأ لا تأثير له على عقيدة المحكمة فيما اقتنعت به بشأن صحة الواقعة المسندة إلى الطاعن، والأدلة التي ساقتها على ثبوتها في حقه. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على المحرر محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة، لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى اعتباراً بأن تلك الورقة هي الدليل الذي يكمل شواهد التزوير، ومن ثم فإن عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور المدافع عن الطاعن لإبداء رأيه فيها وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى التي دارت مرافعته عليها، إلا أنه لما كان الثابت من المفردات المضمومة أن التقرير الطبي المؤرخ…. – موضوع جريمة التزوير – مرفق بالأوراق دون تحريز، وهو ما يتأدى منه أن ذلك التقرير كان معروضاً على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون صحيحاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت جريمة التزوير في المحرر الرسمي – التقرير الطبي الخاص بالمجني عليه – وتوافر القصد الجنائي لدى الطاعن في قوله “وحيث إنه عما أسند للمتهم السادس، فإن الثابت من الاطلاع على ما سطره بتقرير الكشف الطبي على المجني عليه أنه أغفل تماماً إثبات إصابات الحروق المتعددة والكثيرة التي أصيب بها، وهذه الإصابات التي أغفلها هي غالبية إصاباته، وهي إصابات جسيمة لأنها وليدة حروق من الدرجات الثلاث ومنتشرة بجميع أجزاء الجسم كاشفة عن بشاعة التعذيب الذي تعرض له المجني عليه، مصورة بصدق كم هذا التعذيب ومداه، ومن ثم فإن تعليل المتهم أنه سهى عليه إثباتها بالتقرير الطبي تعلل لا يتسم بالصدق، فلا يقبل السهو في عدم إثبات غالبية إصابات المصاب، وهي إصابات من نوع لا يخفى على الشخص العادي، وبالتالي لا يمكن أن يخفى على الطبيب الدارس، ومن هذه الأمارات والمظاهر الخارجية، فإن المحكمة تستدل من عدم إثبات المتهم لغالبية إصابات المجني عليه أنه توافر له قصد تزوير ذلك التقرير بإثبات إصابات المجني عليه على نحو غير الحقيقة أي إثبات وقائع مزورة به في صورة وقائع صحيحة، ولما كان القصد الجنائي هو أمر يضمره الجاني في سريرته، فإن المحكمة بحدسها القانوني وتقديرها للمظاهر الخارجية التي أحاطت بما ارتكبه المتهم تستشف منها أنه قد تعمد عدم إثبات الإصابات الكاملة للمجني عليه بالتقرير الرسمي، وتحرير هذا التقرير على نحو مزور واستعماله بعد ذلك، ما تطمئن معه لثبوت الاتهام المسند في حقه، ودفاع محاميه بأن التقرير بالصورة التي حرر بها يضمن وصفاً إجمالياً يشمل كافة الإصابات على اعتبار أنها جميعاً من قبيل الجروح، وهو محاولة للإفلات بالمتهم من العقاب لا وزن له في التقدير القانوني السليم”. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون في الأوراق الرسمية، تتحقق معه جريمة التزوير بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها، متى كان المقصود به تغيير مضمون المحرر بحيث يخالف حقيقته النسبية وبدون أن يتحقق ضرر خاص يلحق شخصاً بعينه من وقوعها، وأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً احتمال حصول ضرر بالمصلحة العامة، إذ يترتب على العبث بالورقة الرسمية مما لها من القيمة في نظر الجمهور باعتبارها مما يجب بمقتضى القانون تصديقه والأخذ بما فيه، كما أنه من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير، ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، ويتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية، متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة واستقلالاً في الحكم عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى وإيراده لأدلتها وفي مقام التدليل على ثبوت جريمة التزوير في المحرر الرسمي في حق الطاعن – على السياق المتقدم – كافياً في إثبات تزوير الطاعن للتقرير الطبي الخاص بالمجني عليه وأنه تعمد عدم إثبات إصابات الأخير الناشئة عن الحروق النارية، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التزوير في المحرر الرسمي التي دانه بها، كما أفصح في هذا المقام عن عدم اطمئنان المحكمة لكافة الاعتبارات التي ساقها الطاعن في دفاعه بشأن عدم استطاعته تحديد الجروح النارية التي كان المجني عليه مصاباً بها، ولا ينال من سلامة الحكم في هذا الخصوص ما يثيره الطاعن بشأن خطأ المحكمة في تأويل وتفسير العبارات أو الألفاظ التي بني عليها دفاعه بعدم توافر القصد الجنائي لديه، إذ أن ذلك الخطأ – بفرض حصوله – لا تأثير له على وجدان المحكمة وتكوين عقيدتها بشأن توافر القصد الجنائي في حق الطاعن، وبالتالي فلا محل لما ينعاه على الحكم في هذا الخصوص بقالتي القصور في التسبيب والفساد في التدليل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم، هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وهو ما برئ منه الحكم، إذ أن تدليل الحكم على تزوير التقرير الطبي الذي حرره الطاعن لعدم إثباته الجروح النارية التي أصيب بها المجني عليه، لا يتعارض مع أخذ الحكم بذلك التقرير في خصوص ما ورد به من إصابات حدثت بالمجني عليه عند توقيع الكشف الطبي الظاهري عليه، باعتبار أن ذلك التقرير كان من بين عناصر الدعوى المطروحة على المحكمة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن بدعوى التناقض في التسبيب لا يكون له محل. لما كان ما تقدم. فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وسوم : تعذيب