الخط الساخن : 01118881009
(35)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1966
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
القضية رقم 1568 لسنة 8 القضائية
( أ ) تعبئة عامة. “استيلاء”. رقابة القضاء على أعمال الإدارة.
نص المادة 24 من القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة التي تخول الجهة الإدارية المختصة أن تصدر قراراً بالاستيلاء على العقارات وشغلها – القانون لم يضع أي شرط أو يورد أي قيد على سلطة الإدارة في اتخاذ هذا التدبير إلا أن يكون لازماً للمجهود الحربي – النظر في مشروعية قرار الاستيلاء يكون على أساس أن سلطة الإدارة في هذا الشأن مطلقة لا يحدها إلا التزام الغاية التي استهدفها القانون.
(ب) تعبئة عامة. “استيلاء”.
عدم اشتراط خلو العقار المستولى عليه لصحة قرار الاستيلاء – أساس ذلك.
(جـ) تعبئة عامة. “استيلاء”.
صدور قرار بالاستيلاء على العقار على الرغم من سابقة شغل الجهة الإدارية مصدرة القرار لذات العقار بطريق الإيجار – جواز ذلك متى جدت مبررات بعد قيام الرابطة العقدية بين جهة الإدارة ومالك العقار.
1 – يتبين من الرجوع إلى القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة أن من بين التدابير التي خولت المادة 24 منه للجهة الإدارية المختصة أن تصدر قراراً بها الاستيلاء على العقارات أو شغلها حيث أوضحت بعد ذلك المواد 25، 26، 27 إجراءات تنفيذ هذا الاستيلاء وطريقة تحديد التعويض المقابل، وبالاطلاع على المواد المذكورة يبين واضحاً أن القانون المشار إليه لم يضع أي قيد على سلطة الإدارة في اتخاذ هذا التدبير إلا أن يكون لازماً للمجهود الحربي فمن ثم فإنه يتعين وقد خلت تلك النصوص من أية شروط أو قيود يتعلق التصرف الإداري بتحقق واحد منها أو أكثر يتعين أن يكون النظر في مشروعية القرار الإداري الذي صدر مستنداً إليها على أساس أن سلطة الإدارة في هذا الشأن مطلقة من كل قيد لا يحدها إلا التزام الغاية التي استهدفها القانون وخولها تلك السلطة من أجل تحقيقها، ذلك أن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وإن اتحدت في طبيعتها بالنسبة لجميع التصرفات الإدارية إلا أنها لا شك تختلف في مداها بحسب الشروط والقيود التي تلازم السلطة المخولة لمصدر القرار ومتى تحررت هذه السلطة من كل قيد أو شرط كما هو الحال في قانون التعبئة الذي يعالج الخطير من المسائل المتعلقة بالمجهود الحربي فليس للقانون الإداري في هذه الحالة أن يقيد هذه السلطة بغير قيد من القانون أو يخصصها بغير مخصص منه.
2 – إنه يبدو خطأ الحكم المطعون فيه الصادر بإلغاء قرار الاستيلاء موضوع الطعن بمقولة إنه يشترط لصدور هذا القرار خلو العقار المستولى عليه ما دامت إدارة التعبئة تشغل هذا العقار قبلاً بطريق الإيجار فإن القرار الصادر بالاستيلاء يرد على غير محل مستنداً في ذلك إلى وجود مثل هذا الشرط في بعض القوانين الأخرى لما في هذا الاستناد من إضافة شرط غير وارد في القانون الذي صدر القرار استناداً إليه.
3 – إن الإدارة إذا قدرت بما لها من سلطة في هذا الشأن وهي في هذا المجال الذي يتصل بالمجهود الحربي وبأمن القوات المسلحة إنما تتمتع بحرية واسعة لا يحدها في ذلك حسبما سلف البيان إلا عيب إساءة استعمال السلطة وهو ما خلت الأوراق من أية واقعة يمكن أن تقوم قرينة عليها، إذ قدرت أن شروط عقد الإيجار وما صحب هذا الوضع من إشكالات أصبحت تتعارض مع ظروفها وأوضاعها الجديدة، كان لها بمقتضى هذه السلطة أن تدرء كل ما من شأنه أن يعوق سير الأعمال بها أو يخل بالسرية الواجبة لها، وأن تقضي على مصدر القلق ومبعث الخوف، فإن هي عادت بعد أن ألغت قرار الاستيلاء السابق إلى إصدار القرار المطعون فيه لمواجهة تلك الظروف الجديدة مستندة إلى الأسباب سالفة الذكر مستهدفة الغرض المشار إليه ودون أن يثبت أنها مست المزايا المالية المقررة للمدعية بموجب عقد الإيجار السابق حيث احتفظت لها بهذه المزايا كاملة غير منقوصة فإن قرارها الصادر في هذا الخصوص يكون قد صدر والحالة هذه مطابقاً للقانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعنين في أن المدعية عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين فريد ومحمد إسماعيل كامل أقامت الدعوى رقم 609 لسنة 15 القضائية ضد السيد وزير الحربية وذكرت فيها أنه بتاريخ 15/ 1/ 1955 صدر أمر وزير الحربية بالاستيلاء على العمارة الكائنة بشارع التحرير رقم 140 بالدقي والمملوكة لها ولولديها القاصرين لتشغلها إدارة التعبئة وقدر للعمارة إيجار قدره 49 جنيهاً و350 مليماً، ولما كان هذا الإيجار يقل بكثير عن أجر المثل فقد رفعت الطالبة الدعوى رقم 1498 لسنة 1955 كلي مصر لرفع الإيجار إلى 750 جنيه شهرياً ثم تنازلت عنها بعد أن توصلت إلى تسوية ودية مع الوزارة وصدر أمر السيد وزير الحربية بإلغاء أمر الاستيلاء السابق وإبرام عقد إيجار مع الطالبة بأجرة قدرها 594 جنيهاً شهرياً وظلت إدارة التعبئة شاغلة للعمارة التي كانت قد تسلمتها تنفيذاً لأمر الاستيلاء المشار إليه منذ 21/ 3/ 1955 وذلك بناء على ذلك العقد على أن المدعية فوجئت بإعلانها في شهر إبريل سنة 1961 بقرار قد صدر من السيد وزير الحربية بالاستيلاء على العمارة لتشغلها إدارة التعبئة وعلمت أن سبب صدور هذا القرار هو سبق إبداء رغبتها في بناء أدوار ثلاثة بأعلى العمارة وعدم موافقة إدارة التعبئة على ذلك، فسارعت إلى وزارة الحربية لتتعهد بعدم البناء في العمارة طوال المدة التي تظل إدارة التعبئة شاغلة لها، ورغم ذلك لم يلغ هذا الأمر، ولما كان الإبقاء على هذا القرار بعد ذلك ينطوي على تعسف واضح في استعمال السلطة، وفي تنفيذه خطر داهم لا يمكن تداركه، فقد أقامت الدعوى الراهنة تطلب أولاً وقف تنفيذ القرار وفي الموضوع الحكم بإلغائه مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وردت الحكومة على الدعوى فشرحت بعض أوجه نشاط إدارة التعبئة وما تقوم به من أعمال تختص بكيان البلاد وسلامتها وسلامة قواتها المسلحة ومجهودها الحربي سواء في أيام السلم أو أيام الحرب وأوضحت أن الوضع في إدارة التعبئة يقتضي قيام السرية التامة ولما كانت نصوص عقد الإيجار وهو عقد مطبوع تتنافى مع هذه السرية فيما تنص عليه من إباحة الدخول والخروج للمالكة ومندوبيها وعمالها، وهو ما لم تتوان المالكة في استعماله فكانت تتردد على العمارة كثيراً هي وعمالها ومندوبيها كما أن العقد يعطيها الحق عند التنبيه بالإخلاء بأن يدخل راغبو الاستئجار يومياً بين الساعة الثالثة والسادسة مساء لمعاينة شقق العمارة فإن هذه النصوص تتنافى مع طبيعة الغرض من استئجار العمارة فكان واجباً على جهة الإدارة أن تعمل على تغيير هذا الوضع وقد تم ذلك بقرار الاستيلاء المطعون فيه ولم يترتب على هذا القرار أي ضرر أو شبه ضرر للمدعية مما تنتفي معه كل مصلحة للمدعية لها في هذا الطعن إذ لم يغير الوضع إلا في صيانة أسرار إدارة التعبئة والقوات المسلحة وهي بهذا القرار عملت في حدود واجب تفرضه عليها المادة 31 من القانون رقم 87 لسنة 1960 إذ خولت لها أن تصدر قرارات لتأمين سلامة المنشآت العسكرية والقوات المسلحة ولا جدال في أن أول واجبات الإدارة إعمال هذا النص وبجلسة 17/ 7/ 1961 حكمت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ثم أصدرت حكمها في الموضوع بجلسة 3/ 7/ 1962 قاضياً “برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء قرار وزارة الحربية رقم 291 بتاريخ 1/ 3/ 1961 بالاستيلاء على العمارة رقم 140 شارع التحرير بالدقي المملوكة للمدعية وولديها القاصرين فريد ومحمد إسماعيل كامل وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش أتعاباً للمحاماة. وقد أقامت المحكمة قضاءها في طلب وقف التنفيذ على ما ثبت لها بحسب ظاهر الأوراق من أن الدعوى تقوم على أسانيد جدية تبرر إجابة المدعية إلى طلبها ولما يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه من نتائج يتعذر تداركها فيما لو أهدر عقد الإيجار الذي يربطها بجهة الإدارة ويعبث بالإيجار المتفق عليه ويتعطل صرفه وهو المورد الوحيد لها ولولديها القاصرين المشمولين بوصايتها بغير مبرر وما يشوب ذلك كله من اعتداء على حق ملكيتهم وهو من الحقوق المقدسة والتي كلفت دساتير البلاد حمايتها وأسست المحكمة حكمها في الموضوع بعد أن رفضت الدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة بمقولة توافر هذه المصلحة التي تتمثل في خشية المساس بالأجرة المتفق عليها، أسست المحكمة قضاءها بإلغاء القرار بعد أن رفضت الدفع على أن مفهوم نصوص القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة، أن المشرع منح جهات الإدارة حق الاستيلاء على المواد التموينية والمنقولات والعقارات العامة والخاصة وكل ما يلزم للمجهود الحربي ويبين من الفقرات المختلفة لنص المادة 24 من هذا القانون أن المشرع يفترض دائماً أن الشيء المراد الاستيلاء عليه منقولاً كان أو عقاراً بعيد عن يد جهة الإدارة فجعل من إدارة الاستيلاء وسيلة تتمكن بها من إدخالها في سلطانها تحقيقاً للمصلحة العامة ما دامت لازمة للمجهود الحربي وأنه مما يؤيد هذا الفهم معنى الاستيلاء في القوانين الأخرى المعمول بها في البلاد ويؤكده أيضاً أن الاستيلاء لغة هو نزع الشيء من صاحب اليد عليه مالكاً أو منتفعاً قهراً عنه وهو في الأصل عمل غير مشروع لا يقره القانون إلا أن المشرع أجازه لسلطات خاصة لمواجهة ظروف معينة استجابة لدواعي الصالح العام وتغليبه لها على مصالح الأفراد لأسباب جدية واعتبارات وجيهة منها السرعة التي تقتضيها الظروف الداعية للاستيلاء تفادياً من البطء في إجراء المفاوضة مع صاحب اليد على العقار أو المنقول وقهره على التخلي عنه تفادياً للأسباب التي قد يلجأ إليها ليعطل تحقيق المصلحة العامة وجاءت المادة 25 بعد ذلك مؤكدة هذا المعنى في خصوص تنفيذ قرار الاستيلاء والتعويض عنه فأوجبت أن يكون ذلك بالاتفاق الودي أولاً وإلا تم الاستيلاء جبراً على التفصيل الموضح بالفقرات الأخيرة من هذه المادة ومن مقتضى هذا الفهم أنه إذا كان العقار في حيازة جهة الإدارة وتحت يدها فعلاً وتستغله بطريق الإيجار فإنه يمتنع عليها عندئذ أن تلجأ إلى الاستيلاء على هذا العقار استناداً إلى الرخصة التي خولها إياها القانون رقم 87 لسنة 1906 المشار إليه لانعدام سبب هذا الاستيلاء مما يجعل قرارها في ذلك مخالفاً للقانون، ومن ثم فإنه متى كان الثابت أنه قد تم الاتفاق والتراضي بين المدعية وبين إدارة التعبئة على تأجير عمارتها منذ سنة 1955 بإيجار معين وأن إدارة التعبئة تضع يدها على هذه العمارة وتشغلها منذ ذلك التاريخ دون أي تدخل من المدعية ولا إزعاج منها لأنها كانت تخضع دائماً لأمر إدارة التعبئة وتنفذ أوامرها وتوجيهاتها دون أي اعتراض منها، فإنه تأسيساً على ذلك يمتنع على وزارة الحربية إصدار قرار الاستيلاء على عمارة المدعية وولديها القاصرين لأن هذا الاتفاق الودي السابق والذي يتمثل في عقد الإيجار القائم بينها وبين إدارة التعبئة طول هذه المدة، يفقد قرار الاستيلاء ركن السبب ويجعله وارداً على غير محل وبذلك يكون مخالفاً للقانون، وأنه لا اعتداد بما تتذرع به جهة الإدارة من أسباب مختلفة ساقتها لتبرير قرارها المطعون فيه إذ لم تقدم أي دليل عليها وكذلك الحال في رغبة المدعية في بناء الطوبق الثلاثة فإنها ما كادت تعلم أن جهة الإدارة غير راضية عنها حتى سارعت بالتنازل عنها كتابة مما ينفي ما تثيره الإدارة في هذا الخصوص وأن الزعم بأن شروط عقد الإيجار تتنافى مع السرية الواجبة لأعمال إدارة التعبئة هو زعم لا أساس له من الواقع لأن الأسباب القائمة على السرية والرغبة في تأمين سلامتها كلها كانت قائمة طوال عقد الإيجار بل كانت قائمة عندما عدلت الوزارة عن الاستيلاء الأول سنة 1955 واستبدلته بعقد الإيجار على التفصيل السابق شرحه مما يجعل التذرع بهذه السرية نوعاً من الجدل الذي لا يستقيم مع واقعة الحال. وغني عن البيان أن خطورة الأعمال التي تختص بها إدارة التعبئة وما تستلزمه هذه الخطورة من ضرورة إحاطتها بالسرية التامة والأمان الكامل كل ذلك غير منكور ولا جدال فيه ولكنه أمر بعيد عن مجال هذه المنازعة والتلويح به في هذا المجال نوع من الشطط حتى الدفاع والاسترسال فيه لا يجدي جهة الإدارة فما دام العقار تحت يدها وتشغله بالفعل فليس الاستيلاء هو الذي يؤمن أعمالها ويحيطها بالسرية بل لذلك وسائل أخرى كتشديد الحراسة وحظر الدخول على غير المختصين أما مجرد تغيير الوصف القانوني لسبب الحيازة فهو أمر آخر لا شأن له فيما ترمي إليه جهة الإدارة وانتهت المحكمة من كل ما تقدم إلى أن القرار المطعون فيه يكون قد صدر والحالة هذه مخالفاً للقانون وقضت بإلغائه على نحو ما سلف بيانه وقد طعنت الحكومة في هذين الحكمين بانية طعنها في الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ على عدم توافر الشروط التي تطلبها القانون لقبول هذا الطلب فليس ثمة مطاعن جدية على القرار فضلاً عن عدم توافر ركن الاستعجال وأقامت طعنها في الحكم الصادر بالإلغاء على أن إدارة التعبئة من الإدارات العسكرية التي تقوم بأعمال في غاية الخطورة والأهمية والسرية ويتحتم عدم إفشائها أو إذاعتها تأميناً لمصالح البلاد الأساسية فهي تختص طبقاً لما ورد بالقرار الوزاري رقم 586 لسنة 1953 بجمع الإحصائيات اللازمة عن القوات المسلحة والقوات الاحتياطية واليد العاملة الاقتصادية وعمل البحوث الإحصائية الخاصة بالتعبئة وتحصيلها واستخلاص مدلولاتها ونتائجها وتقوم كذلك بإعداد البيانات والمعلومات اللازمة للتعبئة الاقتصادية وكل ما له صلة باقتصاديات الحرب في جميع أنحاء الدولة وعهد إليها بحصر الخامات الإستراتيجية والمواد اللازمة للحرب وتعيين المصانع والورش والمعامل التي تساهم مباشرة في المجهود الحربي وغير ذلك من الأعمال ذات الصلة الوثيقة باقتصاديات البلاد وشئون الدفاع عنها وما من شك في أنه يجب أن تكون تلك البيانات والأعمال والإحصائيات في مكان أمين بعيدة عن متناول الأيدي حتى لا تذاع أو تفشى فتفقد أهميتها وتصاب البلاد من جراء ذلك بأضرار جسيمة بل إن سرية هذه الأعمال قد تأكدت بصدور القانون رقم 87 لسنة 1960 بإعادة تشكيل وتنظيم إدارة التعبئة فنص في المادة 35 منه على معاقبة كل من يقوم بإفشاء البيانات والمعلومات الخاصة بالتعبئة كما نص في المادة 31 على أن للجهة الإدارية المختصة أن تصدر قرارات لتأمين سلامة المنشآت العسكرية والقوات المسلحة بل إن المشرع أصدر في سنة 1962 القرار الجمهوري رقم 154 لسنة 1962 في شأن إحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة ونصت المادة الأولى منه على أن “تحال الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 189 لسنة 58 والقانون رقم 87 لسنة 1960 إلى محاكم أمن الدولة. وقد أبانت المذكرة الإيضاحية لهذا القرار الهدف من إصداره بقولها “صدر قانون التعبئة العامة الموحد رقم 87 لسنة 1960 وخول وزير الحربية سلطة الاستيلاء والتكليف لضمان تموين القوات المسلحة وأعطى إدارة التعبئة حق الحصول على البيانات والمعلومات والإيضاحات. ولما كان الهدف من القيام بعمليات الاستيلاء والتكليف والحصول على البيانات اللازمة للتعبئة من كافة المصادر هو تموين القوات المسلحة بالقوى المادية والبشرية التي ينبغي أن تساهم في خدمة المجهود الحربي بكامل قواها وإمكانياتها. لذلك فإن هذه العمليات تعتبر في عداد الدعامات التي يتوقف عليها أمن وسلامة القوات المسلحة في جميع الأوقات وأبان الحروب على وجه أخص. وبالتالي فإن الإخلال بأحكام القوانين المنظمة لهذه العمليات يشكل أكبر الأخطار على أمن الدولة وسلامتها من الناحية الحربية وتعتبر الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذه القوانين جرائم تتعلق بأمن الدولة وتختص بنظرها والمعاقبة عليها محاكم أمن الدولة في إقليمي الجمهورية” ولما كان لا بد بعد أن صدرت التشريعات السابقة التي أسندت إلى إدارة التعبئة اختصاصات هامة تتصل بمصالح البلاد العليا والأساسية أن تستولي وزارة الحربية على العقار المملوك للمطعون ضدها والذي تشغلها إدارة التعبئة لتأمين سلامة القوات المسلحة وصيانة المعلومات والبيانات العسكرية من خطر الإذاعة والإفشاء وحرصاً على الصالح العام. ويكون الحكم المطعون فيه إذ تجاهل كل هذه الاعتبارات المستمدة من أوراق الدعوى قد أخطأ في تطبيق القانون ولا صحة لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه يمتنع على وزارة الحربية إصدار قرار بالاستيلاء على عمارة المدعية المطعون ضدها لوجود اتفاق سابق بينها وبين إدارة التعبئة على تأجير العمارة منذ سنة 1955 بإيجار معين ولأن إدارة التعبئة تضع يدها على هذه العمارة وتشغلها منذ ذلك التاريخ دون أي تدخل من المدعية. لا صحة لذلك كله لأن وجود عقد الإيجار السابق لا يمنع وزارة الحربية من إصدار القرار المطعون فيه بالاستيلاء على العمارة إذا تبينت أن الحقوق المخولة للمدعية بمقتضى هذا العقد تهدد السرية الواجب مراعاتها للأعمال التي تقوم بها إدارة التعبئة إذ أن هذا العقد يمنح المدعية حقوقاً ويفرض على إدارة التعبئة التزامات لا تتلاءم وطبيعة ما تقوم به هذه الإدارة من أعمال وتجعلها غير مطمئنة على سرية أعمالها كما أنه لا صحة لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه كانت قائمة طوال سريان عقد الإيجار الذي ألغاه قرار الاستيلاء إذ الثابت أن اختصاصات إدارة التعبئة قد تضاعفت وازدادت عما كانت عليه وقت إنشائها في سنة 1955 وتداولت القوانين وتعاقبت القرارات الوزارية منذ ذلك التاريخ تعهد إلى إدارة التعبئة بأعمال جديدة واختصاصات متشعبة وجوهرية في السنوات اللاحقة لقيام العلاقة التأجيرية بل إن المشرع لم يتبين خطورة هذه الأعمال وأهميتها إلا في سنة 1960 حيث أضفى على جميع ما تقوم به هذه الإدارة من أعمال صفة السرية ونص على معاقبة كل من يحاول إذاعة شيء منها أو إفشائها ورخص حسبما سبق البيان لوزارة الحربية أن تصدر من القرارات ما تراه لازماً لسلامة المنشآت العسكرية والقوات المسلحة ومن بينها الاستيلاء على العقارات كما صدر في سنة 1962 القرار الجمهوري المشار إليه بإحالة الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قوانين التعبئة إلى محاكم أمن الدولة، وعلى هذا يتضح أن القرار المطعون فيه قائم على أسباب جدية تبرره وأضاف الطعن أنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار الاستيلاء قد أخل بالمركز القانوني للمطعون ضدها وولديها القاصرين ذلك أن لجنة الطوارئ المختصة بتقدير الإيجار قدرت إيجاراً شهرياً للعقار قدره 475 جنيهاً و200 مليم وهو بعينه الإيجار الذي كان متفقاً عليه في العقد السابق فلم يحدث أي إخلال بالمزايا المالية التي كانت تتمتع به المدعية “المطعون ضدها” بموجب عقد الإيجار وقد قامت إدارة التعبئة بصرف هذه الأجرة بانتظام إليها.
ومن حيث إنه يتبين من الرجوع إلى القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة أن من بين التدابير التي خولت المادة 24 منه للجهة الإدارية المختصة أن تصدر قراراً بها الاستيلاء على العقارات أو شغلها حيث أوضحت بعد ذلك المواد 25، 26، 27 إجراءات تنفيذ هذا الاستيلاء وطريقة تحديد التعويض المقابل، وبالاطلاع على المواد المذكورة يبين واضحاً أن القانون المشار إليه لم يضع أي شرط أو يورد أي قيد على سلطة الإدارة في اتخاذ هذا التدبير إلا أن يكون لازماً للمجهود الحربي فمن ثم فإنه يتعين وقد خلت تلك النصوص من أية شروط أو قيود يتعلق التصرف الإداري بتحقيق واحد منها أو أكثر يتعين أن يكون النظر في مشروعية القرار الإداري الذي صدر مستنداً إليها على أساس أن سلطة الإدارة في هذا الشأن مطلقة من كل قيد لا يحدها إلا التزام الغاية التي استهدفها القانون وخولها تلك السلطة من أجل تحقيقها، ذلك أن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وإن اتحدت في طبيعتها بالنسبة لجميع التصرفات الإدارية إلا أنها لا شك تختلف في مداها بحسب الشروط والقيود التي تلازم السلطة المخولة لمصدر القرار فمتى تحررت هذه السلطة من كل قيد أو شرط كما هو الحال في قانون التعبئة الذي يعالج الخطير من المسائل المتعلقة بالمجهود الحربي فليس للقاضي الإداري في هذه الحالة أن يقيد هذه السلطة بغير قيد من القانون أو يخصصها بغير مخصص منه.
وعلى هذا يبدو خطأ الحكم المطعون فيه الصادر بإلغاء قرار الاستيلاء موضوع الطعن بمقولة إنه يشترط لصدور هذا القرار خلو العقار المستولى عليه وأنه ما دامت إدارة التعبئة تشغل هذا العقار قبلاً بطريق الإيجار فإن القرار الصادر بالاستيلاء يرد على غير محل مستنداً في ذلك إلى وجود مثل هذا الشرط في بعض القوانين الأخرى، لما في هذا الاستناد من إضافة شرط غير وارد في القانون الذي صدر القرار استناداً إليه.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن شرط خلو العقار الوارد في بعض القوانين الأخرى والذي علق عليه المشرع ممارسة سلطة الاستيلاء، يجب فهم المقصود منه بألا يكون أحد – مالكاً أو مستأجراً – شاغلاً للعقار عند صدر قرار الاستيلاء عليه حتى لا يترتب على هذا القرار إخراج شاغله جبراً عنه، ولما كان العقار المستولى عليه بمقتضى القرار المطعون فيه مشغولاً بالفعل بحيازة إدارة التعبئة التي صدر لمصلحتها القرار المذكور وهي حيازة مشروعة بحكم قرار الاستيلاء السابق على القرار المطعون فيه ثم بحكم عقد الإيجار الذي تلاه حسبما توضح في بيان وقائع الدعوى، فمن ثم يكون قد تحقق هذا الشرط المقول به. هذا كله مع أن النصوص التي صدر القرار استناداً إليها قد خلت حسبما سبق القول من شرط كهذا ويتعين تأسيساً على ما تقدم النظر في مشروعية القرار المذكور على أساس أن سلطة مصدره مطلقة وغير مقيدة بأي قيد إلا أن تكون قد استهدفت الأغراض التي تغياها القانون بأن يكون القرار قد صدر لخدمة المجهود الحربي، وذلك إنما يكون بالنظر إلى الأسباب التي اقتضت إصداره فإذا ثبت أن هذه الأسباب تتصل حقيقة بذلك المجهود فإن القرار يكون قد صدر والحالة هذه مطابقاً للقانون مستهدفاً الغاية التي توخاها مبرء من عيب عدم المشروعية.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن هذا القرار إنما صدر بقصد التحلل من شروط عقد الإيجار المبرم بين المدعية وإدارة التعبئة والتي تقرر للمدعية حقوقاً وترتب على إدارة التعبئة التزامات أصبحت لا تتلاءم وطبيعة حال هذه الإدارة، وغدت مصدر قلق ومبعث خوف، يخشى معه من أن تتسرب أعمالها للخارج مع ما يجب أن يتوافر لها من سرية، إذ يبيح هذا العقد للمدعية حرية الدخول في المكان المؤجر لمعاينته والتأكد من حالته كما يفرض على إدارة التعبئة السماح في حالة الإخلاء – لمن يرغب التأجير معاينة المكان كل يوم. كما يلزمها كذلك بألا تضع به أي خزانة حديدية بدون تصريح سابق من المالكة التي تعين المكان الذي يجب وضع الخزانة فيه وغير ذلك من الشروط التي قدرت الإدارة أنها لم تعد تتلاءم مع طبيعة نشاطها وتخل بما يجب أن يتوافر لهذا النشاط من سرية بعد أن تضاعفت مسئولياتها وازدادت أعمالها وكلها تتصل بأمن القوات المسلحة وسلامتها مما اضطرتها إلى إصدار القرار المطعون فيه لحماية السرية الواجب توافرها لهذه الأعمال ضدها وأن المالكة المدعية لم تكف عن تقديم الكثير من الطلبات المستندة إلى نصوص العقد المشار إليه والتي كانت السبب في خلق الكثير من الإشكالات والمتاعب بينها وبين إدارة التعبئة.
ومن حيث إنه يتبين من استعراض التشريعات التي صدرت في شأن تنظيم إدارة التعبئة وبيان اختصاصها أن هذه الإدارة قد حملت الخطير من المسئوليات ذات الصلة الوثيقة بالمجهود الحربي وبقدر خطورة هذه المسئوليات بقدر ما دقت نظرة المشرع إليها فخولت السلطات التي تيسر مهمتها وتمكنها من النهوض برسالتها وتحفظ لأعمالها سريتها يتضح ذلك من الاطلاع على القانون رقم 87 لسنة 1960 الذي فرض في المادة 35 منه عقوبات على إفشاء البيانات والمعلومات الخاصة بالتعبئة، وخول الجهة الإدارية المختصة في المادة 31 منه سلطة إصدار القرارات اللازمة لتأمين سلامة المنشآت العسكرية والقوات المسلحة، ثم صدور أمر رئيس الجمهورية رقم 154 لسنة 1962 بإحالة الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى محاكم أمن الدولة نظراً لما في الإخلال بأحكامه من أخطار على أمن الدولة وسلامتها من الناحية الحربية، وإذا كان ذلك فإن الإدارة إذا قدرت بما لها من سلطة في هذا الشأن، وهي في هذا المجال الذي يتصل بالمجهود الحربي وبأمن القوات المسلحة إنما تتمتع بحرية واسعة لا يحدها في ذلك حسبما سلف البيان إلا عيب إساءة استعمال السلطة هو ما خلت الأوراق من أية واقعة يمكن أن تقوم قرينة عليها، إذا قدرت أن شروط عقد الإيجار وما صحب هذا الوضع من إشكالات أصبحت تتعارض مع ظروفها وأوضاعها الجديدة، كما لها بمقتضى هذه السلطة أن تدرأ كل ما من شأنه أن يعوق سير الإعمال بها أو يخل بالسرية الواجبة لها، وأن تقضي على مصدر القلق ومبعث الخوف، فإن هي عادت بعد أن ألغت قرار الاستيلاء السابق إلى إصدار القرار المطعون فيه لمواجهة تلك الظروف الجديدة مستندة إلى الأسباب سالفة الذكر مستهدفة الغرض المشار إليه ودون أن يثبت أنها مست المزايا المالية المقررة للمدعية بموجب عقد الإيجار السابق حيث احتفظت لها بهذه المزايا كاملة غير منقوصة فإن قرارها الصادر في هذا الخصوص يكون قد صدر والحالة هذه مطابقاً للقانون.
وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر وأهدر هذه الظروف الواقعية وتلك الأوضاع القانونية الجديدة التي طرأت على نشاط إدارة التعبئة بعد إلغاء قرار الاستيلاء السابق صدوره في سنة 1955 والاستعاضة عنه بعقد الإيجار إذا أهدر الحكم هذه الظروف وتلك الأوضاع التي تطلبت إصدار القرار المطعون فيه سنة 1961 يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ويتعين لذلك إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى بشقيها.
“فلهذه الأسباب”
حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقمي 1754 لسنة 7 القضائية و1568 لسنة 8 القضائية وفي موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدعوى بشقيها وألزمت المدعية بالمصروفات.
وسوم : الادارية العليا