الخط الساخن : 01118881009
جلسة 7 من أكتوبر سنة 2012
برئاسة السيد المستشار/ سمير مصطفى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ ناجي عبد العظيم، سعيد فنجري، صفوت أحمد عبد المجيد وسيد حامد نواب رئيس المحكمة.
(75)
الطعن رقم 1565 لسنة 81 القضائية(1)
نقض “التقرير بالطعن وإيداع الأسباب. ميعاده” “أسباب الطعن. ما يقبل منها”. قوة قاهرة.
انقطاع العمل بالمحكمة نتيجة الأحداث المواكبة لثورة 25 يناير سنة 2011. عذر قهري. يحول بين الطاعنين وتقديم الأسباب في الميعاد. مبادرتهما بتقديمها فور زوال المانع مستوفاة لشرائطها القانونية. أثره: قبول الطعن شكلاً.
(2) إعدام. نيابة عامة. محكمة النقض “سلطتها”.
قبول عرض النيابة العامة لقضايا الإعدام ولو تجاوزت الميعاد المقرر في القانون. اتصال محكمة النقض بالدعوى الصادر فيها حكم بالإعدام بمجرد عرضها عليها. دون أن تتقيد بالرأي الذي انتهت إليه النيابة في عرضها.
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب “موانع العقاب” “الغيبوبة الناشئة عن فقدان الشعور”. جريمة “أركانها”. دفوع “الدفع بانعدام المسئولية الجنائية”. موانع المسئولية. قانون “تطبيقه”. عقوبة “تطبيقها”.
الاضطراب النفسي الذي يفقد المتهم الإدراك أو الاختيار من موانع المسئولية. المادة 62 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية.
دفاع الطاعن بأنه كان في حالة اضطراب نفسي وقت ارتكاب الجريمة. جوهري. لو صح امتنع عقاب المتهم. رفض المحكمة الدفع استناداً للمادة 62 عقوبات قبل التعديل. خطأ في تطبيق القانون.
مثال غير سائغ للرد على الدفع بانتفاء مسئولية المتهم لإصابته بمرض نفسي.
(4) إثبات “خبرة”. دفوع “الدفع بانعدام المسئولية الجنائية”. حكم “تسبيبه. تسبيب معيب”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”. إجراءات “إجراءات المحاكمة”. نقض “أسباب الطعن. ما يقبل منها”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الحالة العقلية”.
تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية. لمحكمة الموضوع بعد الاستعانة بأهل الخبرة.
اطراح الحكم طلب الطاعن بفحص حالته العقلية بمعرفة المختص فنياً بما لا يسوغ. قصور. أثره؟
مثال لتسبيب معيب للرد على طلب الطاعن العرض على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية.
(5) إثبات “اعتراف”. دفوع “الدفع ببطلان الاعتراف”. حكم “تسبيبه. تسبيب معيب”. إجراءات “إجراءات المحاكمة”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”.
الدفع ببطلان الاعتراف تحت تأثير السكر. جوهري. على المحكمة مناقشته والرد عليه.
الاعتراف. وجوب صدوره عن إرادة مميزة وحرة. ثبوت معاناة المتهم من نوبة جنون أو كونه سكراناً. أثره. لا قيمة لاعترافه. تقدير انتفاء التمييز وما يترتب عليه من إهدار قيمة الاعتراف. موضوعي.
تعويل الحكم على اعتراف الطاعن وقصوره في الرد على الدفع ببطلان الاعتراف وعدم تحقيق المحكمة دفاعه أو الاستعانة برأي فني. قصور وإخلال بحق الدفاع.
مثال.
(6) إثبات “شهود”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب معيب”. إجراءات “إجراءات المحاكمة”. بطلان. نقض “حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون” “أسباب الطعن. ما يقبل منها”.
وجوب بناء الأحكام الجنائية على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه. علة ذلك؟
عدم جواز الافتئات على الأصل المقرر بالمادة 289 إجراءات. علة واستثناء ذلك؟
مثال لتسبيب معيب للرد على طلب دفاع الطاعن أصلياً البراءة واحتياطياً إعادة سماع شهود الإثبات لتغيير الهيئة.
(7) دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما يقبل منها”.
طلب الدفاع أصلياً البراءة واحتياطياً سماع شهود الإثبات أمام الهيئة الجديدة. اعتباره طلباً جازماً. التزام المحكمة بإجابته ما لم تنته إلى البراءة. تبرير رفض سماع الشهود لسبق سماعهم أمام هيئة سابقة. غير سائغ. علة ذلك؟
رفض المحكمة طلب سماع شهود الإثبات بما لا يسوغ. إخلال بحق الدفاع. أثره؟
(8) نقض “أثر الطعن”. وحدة الواقعة وحسن سير العدالة. يوجبان امتداد أثر نقض الحكم للطاعن الثاني.
1- لما كان الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ الثامن من ديسمبر سنة 2010 بالإعدام شنقاً، ومصادرة السلاح والذخيرة، فقرر المحكوم عليهما بالطعن عليه في الميعاد، إلا أنهما لم يُقدما أسباباً لطعنهما، إلا بتاريخ السابع من فبراير سنة 2011، بعد فوات الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من ملف الطعن أنه قام عذر هو انقطاع العمل بالمحكمة – حسب الشهادة المُقدمة – نتيجة الأحداث المواكبة لثورة 25 يناير سنة 2011 حال دون تقديم الأسباب في الميعاد، وبادر الطاعنان بتقديمها فور زوال المانع موقعاً عليها من محام مقبول أمام محكمة النقض، فإن طعنهما يكون مقبول شكلاً.
2- لما كانت النيابة العامة وإن عرضت القضية على محكمة النقض بمذكرة دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يُستدل منه على أنه روعي في عرضها الميعاد المُقرر بالمادة 34 سالفة الذكر، إلا أن تجاوز هذا الميعاد وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتستبين من نفسها – دون أن تتقيد بالرأي الذي انتهت إليه النيابة في عرضها – ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب ويستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبوله.
3- لما كان الحكم حصل دفع الطاعن الأول بانتفاء مسئوليته لإصابته بمرض نفسي وقت اقتراف الجريمة ورد عليه في قوله: “وحيث إنه عن الدفع بعدم مسئولية المتهم الأول عن أفعاله لإصابته بحالة ذهول متقطع واكتئاب وجداني ….. فمردود بأن من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية هي من الأمور التي تستقل بها هذه المحكمة وهي غير مُلزمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة في هذا الشأن ما دامت قد وضحت لديها الدعوى، وكان المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هو المرض الذي من شأنه أن يُعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسئولية” رد الحكم على طلب الدفاع بعرض المتهم على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بقوله: “إن اعتراف المتهم يتفق وماديات الدعوى، وأن مسلكه قبل وأثناء المحاكمة يدل على سلامة قواه العقلية، فضلاً على أنه لم يقدم شهادة طبية دالة على المرض”. لما كان ذلك، وكان قد صدر القانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 من مايو سنة 2009، والذي استبدل بنص المادة 62 من قانون العقوبات النص الآتي: “لا يُسأل جنائياً الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه، ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة”، ومن ثم فإن القانون رقم 71 لسنة 2009 سالف البيان – والذي أضاف إلى موانع المسئولية “الاضطراب النفسي للمتهم” إذا أفقده الاختيار أو الإدراك – هو الساري وقت اقتراف المتهم للواقعة. لما كان ذلك، فإن دفاع الطاعن بأنه كان في حالة اضطراب نفسي وقت الجريمة يكون دفاعاً جوهرياً في خصوص هذه الدعوى، إذا صح امتنع عقابه عن الفعل المسند إليه، وإذ أسست المحكمة قضاءها برفض هذا الدفع على سريان المادة 62 عقوبات – غير المنطبقة على الواقعة – فإن حكمها يكون قد تعيب بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان.
4- من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية، إن كانت في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا إنه كان يتعين عليها ليكون قضاؤها سليماً أن تُعين خبيراً للبت في هذه الحالة وجوداً وعدماً، لما يترتب عليها من قيام أو امتناع عقاب المتهم، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبني عليها قضاءها برفض هذا الطلب، وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية والنفسية سليمة، ولما كان ما تساند إليه الحكم في تبرير رفض طلب الطاعن إلى طلبه فحص حالته العقلية بمعرفة المختص فنياً، لا يُسوغ ما انتهى إليه في هذا الشأن، ذلك أنه لا يصح أن تُقيم قضاءها على مجرد قول مرسل، بغير دليل تستند إليه، إذ إن عدم تقديم الطاعن لشهادة طبية تفيد مرضه، واعترافه، وموقفه أثناء المحاكمة كل ذلك لا يدل بذاته – في خصوص الدعوى المطروحة – على سلامة الطاعن وقت ارتكاب الجريمة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائماً على أساس سليم أن تُحقق دفاع الطاعن عن طريق المختص فنياً للبت في حالة الطاعن العقلية والنفسية في وقت وقوع الفعل أو ترد عليه بما ينفيه بأسباب سائغة، أما وهي لم تفعل اكتفاءً بما قالته في هذا الشأن فإن الحكم يكون معيباً بالقصور بما يوجب نقضه.
5- لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع بأنه كان في حالة سكر في الوقت الذي صدر فيه اعترافه لتناوله والطاعن الثاني حبوباً مخدرة مع المجني عليه، وقد جاء بتقرير الصفة التشريحية للأخير أنه عُثر بالعينات الحشوية للمجني عليه ودمائه على عقار الديازيبام أحد مشتقات البنزوديازيبين واقتصر الحكم في الرد على هذا الدفع على قوله: “لما كان المتهمان قد ضبطا في اليوم التالي لارتكابهما الواقعة الأمر الذي يكون معه قد زال آثار المخدر المقول بتناوله ويكون الاعتراف قد جاء والمتهمون في حالة وعي كامل، وتأخذ معه المحكمة بهذه الاعتراف الأمر الذي يكون معه الدفع على غير سند جدير بالرفض”. لما كان ذلك، وكان يتعين أن يكون الاعتراف صادراً عن إرادة مميزة وحرة، فإذا ثبت أن المتهم كان يُعاني من نوبة جنون أو كان سكراناً فلا قيمة لاعترافه، وقاضي الموضوع هو المنوط بالقول بانتفاء التمييز وما يترتب عليه من إهدار قيمة الاعتراف، وكان الحكم على الرغم أنه عول على اعتراف الطاعن في إدانته إلا أنه اقتصر في الرد على هذا الدفع على مطلق القول بأن الاعتراف في اليوم التالي لتناول المخدر، ومن ثم فإنه قد زال أثر تناول المخدر دون أن تحقق المحكمة هذا الدفاع أو تستعين برأي فني لبيان حقيقة تناول الطاعن للمخدر، ونوعه، ومدى تأثيره على إدراك الطاعن وتمييزه وصولاً إلى توافر حالة السكر من عدمه ودرجتها، ومدى تأثيرها على الاعتراف أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور، فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع.
6- لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن دفاع الطاعن طلب في ختام مرافعته أصلياً البراءة واحتياطياً إعادة سماع شهود الإثبات لتغير الهيئة وقد عرض الحكم لهذا الطلب ورد عليه في قوله “وحيث إنه عن طلبات الحاضر عن المتهم الأول، فإن المحكمة لا ترى موجباً لإجابته لتلك الطلبات سيما وأنه بهيئة سابقة قد سمعت شهود الإثبات ….. ومن ثم ترى أن تلك الطلبات ما هي إلا تعطيل الفصل في الدعوى من جانب محامي المتهم الأول فلا يسعها إلا أن ترفض تلك الطلبات لأنها غير منتجة في الدعوى”. لما كان ذلك، وكان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم، وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه إذ إن أساس المحاكمة هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي تُوحي بها أقوال الشاهد أو لا تُوحي، ومن التأثير الذي تُحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، بما ينبني عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشاهد ما دام سماعه ممكناً، ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة، واستقامته، وصراحته، أو مراوغته واضطرابه هي من الأمور التي تُعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها، وكان لا يجوز الافتئات على هذا الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية الواجبة الإتباع أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من القانون ذاته، والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت، إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، فإذا لم تفعل، تُوجب عليها أن تُبرر سبب عدم سماعه بأسباب سائغة.
7- لما كان طلب الدفاع في ختام مرافعته أصلياً الحكم بالبراءة واحتياطياً استدعاء شهود الإثبات لمناقشتهم أمام الهيئة الجديدة التي فصلت في الدعوى يعد طلباً جازماً تلتزم المحكمة بإجابته متى كانت لم تنته إلى القضاء بالبراءة، وكانت المحكمة قد بررت رفض الاستجابة لهذا الطلب بسبق سماع الشهود أمام هيئة سابقة وقيام الدفاع بمناقشتهم. فإن ذلك لا يُسوغ لرفضها إجابة الطلب المذكور، لما هو مقرر من أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يُخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق، ما دام باب المرافعة مازال مفتوحاً – وهو الحال في هذه الدعوى – وإن التحقيقات التي جرت في جلسة سابقة بمعرفة هيئة أخرى لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على المحكمة، شأنها في ذلك شأن محاضر التحقيق الأولية. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد رفضت طلب سماع شهود الإثبات بما لا يسوغه فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه.
8- من المقرر أن نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة للطاعن الأول يوجب طعنه للطاعن الثاني لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه طعن الأول وأوجه طعن الثاني.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: 1- قتلا ….. عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتله وأعدا لذلك سلاحاً أبيض “بلطة” وآخر ناري “فرد خرطوش” وأدوات “حبال” واستدرجاه إلى بقعة نائية، حيث أوثقاه وهدداه بالسلاح الناري ثم انهالا عليه ضرباً بالسلاح الأبيض المذكور وأضرما النيران فيه فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد اقترنت هذه الجناية بثلاث جنايات أخريات سبقتها، أولهن: أنهما في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا المبلغ المالي المبين مقداره بالتحقيقات والمملوك للمجني عليه وكان ذلك ليلاً حال حملهما لأسلحة ظاهرة، وثانيهن: أنهما في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر هتكا عرض المجني عليه بالقوة وتحت وطأة تهديد السلاح بأن قام ثانيهما بحسر ملابسه عنه وحك قضيبه في دبره حال كون الأول على مسرح الجريمة يشد من أزره، وثالثهن: أنهما في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر وضعا النار عمداً بمكان معد للسكنى هو عشة خفراء مملوكة لمديرية الزراعة بكفر الشيخ بأن أشعلا النار في مكوناتها من أخشاب وقش باستخدام مصدر حراري ذي لهب مكشوف “قداحة” فحدث الحريق المبين آثاره بالتحقيقات والذي أودي بحياة المجني عليه. 2- حازا بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن “فرد خرطوش صناعة محلية”. 3- حازا ذخائر “عدد اثنين طلقة” مما تستعمل على السلاح الناري موضوع الوصف السابق دون أن يكون مرخص لهما في حيازتها. 4- حازا بغير ترخيص أو مسوغ من ضرورة حرفية أو مهنية سلاحاً أبيض “بلطة”. وأحالتهما إلى محكمة جنايات ….. لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى ورثة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ ….. على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قررت بجلسة ….. بإحالة أوراق الدعوى لفضيلة المفتي لإبداء الرأي فيما نسب للمتهمين، وحددت جلسة ….. للنطق بالحكم وفيها قررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة ….. وبتلك الجلسة قضت المحكمة المذكورة حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 2، 252/ 1، 257، 268/ 1، 316 من قانون العقوبات، والمواد 1/ 1، 6، 25 مكرر/ 1، 26/ 1، 5، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 والبند رقم “7” من الجدول رقم (1) والجدول رقم (2) الملحق بالقانون الأول، وتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات، بمعاقبتهما بالإعدام شنقاً ومصادرة السلاح الناري المضبوط والذخيرة والسلاح الأبيض وإحالة الدعوى المدنية على المحكمة المدنية المختصة.
وعرضت النيابة العامة القضية بمذكرة مشفوعة بالرأي.
وطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ….. إلخ.
المحكمة
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ الثامن من ديسمبر سنة 2010 بالإعدام شنقاً، ومصادرة السلاح والذخيرة، فقرر المحكوم عليهما بالطعن عليه في الميعاد، إلا أنهما لم يُقدما أسباباً لطعنهما، إلا بتاريخ السابع من فبراير سنة 2011، بعد فوات الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959، في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من ملف الطعن أنه قام عذر هو انقطاع العمل بالمحكمة – حسب الشهادة المُقدمة – نتيجة الأحداث المواكبة لثورة 25 يناير سنة 2011، حال دون تقديم الأسباب في الميعاد، وبادر الطاعنان بتقديمها فور زوال المانع موقعاً عليها من محام مقبول أمام محكمة النقض، فإن طعنهما يكون مقبول شكلاً.
ومن حيث إن النيابة العامة، وإن عرضت القضية على محكمة النقض بمذكرة دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يُستدل منه على أنه روعي في عرضها الميعاد المُقرر بالمادة 34 سالفة الذكر، إلا أن تجاوز هذا الميعاد، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتستبين من نفسها – دون أن تتقيد بالرأي الذي انتهت إليه النيابة في عرضها – ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب ويستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبوله.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه والطاعن الثاني بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترنة بجرائم السرقة ليلاً مع التعدد وحمل السلاح، وهتك العرض بالقوة والحريق العمد، كما دانهما بجرائم إحراز سلاح ناري وذخائر بغير ترخيص وإحراز سلاح أبيض بغير مقتض قد شابه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن رد بما لا يصلح على دفعه، بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض نفسي وقت ارتكابه ما نسب إليه من جرائم، وعلى دفاعه بطلب عرضه على أهل الخبرة لفحص حالته العقلية وتحديد مسئوليته عن الجريمة، وعلى الدفع ببطلان اعترافه لكونه كان في حال سكر أفقده شعوره وإدراكه، لتناوله حبوب مخدرة مع الطاعن الثاني والمجني عليه، بدلالة ما كشف عنه تقرير الصفة التشريحية للأخير من العثور بعينة الدماء على عقار الديازيبام أحد مشتقات البنزوديازيبين، والتفتت المحكمة عن طلب إعادة سماع شهود الإثبات، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن سرد واقعات الدعوى ومضمون الأدلة التي استند إليها في قضائه ومن بينها اعتراف الطاعن الأول بتحقيقات النيابة، حصل دفع الطاعن الأول بانتفاء مسئوليته لإصابته بمرض نفسي وقت اقتراف الجريمة ورد عليه في قوله: “وحيث إنه عن الدفع بعدم مسئولية المتهم الأول عن أفعاله لإصابته بحالة ذهول متقطع واكتئاب وجداني ….. فمردود بأن من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية هي من الأمور التي تستقل بها هذه المحكمة وهي غير مُلزمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة في هذا الشأن ما دامت قد وضحت لديها الدعوى، وكان المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هو المرض الذي من شأنه أن يُعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسئولية” رد الحكم على طلب الدفاع بعرض المتهم على مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بقوله: “إن اعتراف المتهم يتفق وماديات الدعوى، وأن مسلكه قبل وأثناء المحاكمة يدل على سلامة قواه العقلية، فضلاً على أنه لم يقدم شهادة طبية دالة على المرض”. لما كان ذلك، وكان قد صدر القانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 من مايو سنة 2009، والذي استبدل بنص المادة 62 من قانون العقوبات النص الآتي: “لا يُسأل جنائياً الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه، ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة”، ومن ثم فإن القانون رقم 71 لسنة 2009 سالف البيان – والذي أضاف إلى موانع المسئولية “الاضطراب النفسي للمتهم” إذا أفقده الاختيار أو الإدراك – هو الساري وقت اقتراف المتهم للواقعة. لما كان ذلك فإن دفاع الطاعن بأنه كان في حالة اضطراب نفسي وقت الجريمة يكون دفاعاً جوهرياً في خصوص هذه الدعوى، إذا صح امتنع عقابه عن الفعل المسند إليه، وإذ أسست المحكمة قضاءها برفض هذا الدفع على سريان المادة 62 عقوبات – غير المنطبقة على الواقعة – فإن حكمها يكون قد تعيب بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان. لما كان ذلك، وكان تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية، إن كانت في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا إنه كان يتعين عليها ليكون قضائها سليماً أن تُعين خبيراً للبت في هذه الحالة، وجوداً وعدماً، لما يترتب عليها من قيام أو امتناع عقاب المتهم، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد في القليل أسباباً سائغة تبني عليها قضاءها برفض هذا الطلب، وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم، أن قواه العقلية والنفسية سليمة، ولما كان ما تساند إليه الحكم في تبرير رفض طلب الطاعن إلى طلبه فحص حالته العقلية بمعرفة المختص فنياً، لا يُسوغ ما انتهى إليه في هذا الشأن، ذلك أنه لا يصح أن تُقيم قضاءها على مجرد قول مرسل، بغير دليل تستند إليه، إذ إن عدم تقديم الطاعن لشهادة طبية تفيد مرضه، واعترافه، وموقفه أثناء المحاكمة كل ذلك لا يدل بذاته – في خصوص الدعوى المطروحة – على سلامة الطاعن وقت ارتكاب الجريمة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائماً على أساس سليم أن تُحقق دفاع الطاعن عن طريق المختص فنياً للبت في حالة الطاعن العقلية والنفسية في وقت وقوع الفعل أو ترد عليه بما ينفيه بأسباب سائغة، أما وهي لم تفعل اكتفاءً بما قالته في هذا الشأن فإن الحكم يكون معيباً بالقصور بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع بأنه كان في حالة سكر في الوقت الذي صدر فيه اعترافه لتناوله والطاعن الثاني حبوباً مخدرة مع المجني عليه، وقد جاء بتقرير الصفة التشريحية للأخير أنه عُثر بالعينات الحشوية للمجني عليه ودمائه على عقار الديازيبام أحد مشتقات البنزوديازيبين واقتصر الحكم في الرد على هذا الدفع على قوله: “لما كان المتهمان قد ضبطا في اليوم التالي لارتكابهما الواقعة الأمر الذي يكون معه قد زال آثار المخدر المقول بتناوله ويكون الاعتراف قد جاء والمتهمون في حالة وعي كامل، وتأخذ معه المحكمة بهذه الاعتراف الأمر الذي يكون معه الدفع على غير سند جدير بالرفض”. لما كان ذلك، وكان يتعين أن يكون الاعتراف صادراً عن إرادة مميزة وحرة، فإذا ثبت أن المتهم كان يُعاني من نوبة جنون أو كان سكراناً فلا قيمة لاعترافه، وقاضي الموضوع هو المنوط بالقول بانتفاء التمييز وما يترتب عليه من إهدار قيمة الاعتراف، وكان الحكم على الرغم أنه عول على اعتراف الطاعن في إدانته إلا أنه اقتصر في الرد على هذا الدفع على مطلق القول بأن الاعتراف في اليوم التالي لتناول المخدر، ومن ثم فإنه قد زال أثر تناول المخدر دون أن تحقق المحكمة هذا الدفاع أو تستعين برأي فني لبيان حقيقة تناول الطاعن للمخدر، ونوعه، ومدى تأثيره على إدراك الطاعن وتمييزه وصولاً إلى توافر حالة السكر من عدمه ودرجتها، ومدى تأثيرها على الاعتراف أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور، فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن دفاع الطاعن طلب في ختام مرافعته أصلياً البراءة واحتياطياً إعادة سماع شهود الإثبات لتغير الهيئة وقد عرض الحكم لهذا الطلب ورد عليه في قوله “وحيث إنه عن طلبات الحاضر عن المتهم الأول، فإن المحكمة لا ترى موجباً لإجابته لتلك الطلبات سيما وأنه بهيئة سابقة قد سمعت شهود الإثبات .. ومن ثم ترى أن تلك الطلبات ما هي إلا تعطيل الفصل في الدعوى من جانب محامي المتهم الأول فلا يسعها إلا أن ترفض تلك الطلبات لأنها غير منتجة في الدعوى”. لما كان ذلك، وكان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم، وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه إذ إن أساس المحاكمة هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي تُوحي بها أقوال الشاهد أو لا تُوحي، ومن التأثير الذي تُحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، بما ينبنى عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشاهد ما دام سماعه ممكناً، ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة، واستقامته، وصراحته، أو مراوغته واضطرابه هي من الأمور التي تُعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها، وكان لا يجوز الافتئات على هذا الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية الواجبة الإتباع أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من القانون ذاته، والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت، إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، فإذا لم تفعل، تُوجب عليها أن تُبرر سبب عدم سماعه بأسباب سائغة. لما كان ذلك، وكان طلب الدفاع في ختام مرافعته أصلياً الحكم بالبراءة واحتياطياً استدعاء شهود الإثبات لمناقشتهم أمام الهيئة الجديدة التي فصلت في الدعوى يعد طلباً جازماً تلتزم المحكمة بإجابته متى كانت لم تنته إلى القضاء بالبراءة، وكانت المحكمة قد بررت رفض الاستجابة لهذا الطلب بسبق سماع الشهود أمام هيئة سابقة وقيام الدفاع بمناقشتهم. فإن ذلك لا يُسوغ لرفضها إجابة الطلب المذكور، لما هو مقرر من أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يُخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق، ما دام باب المرافعة ما زال مفتوحاً – وهو الحال في هذه الدعوى – وإن التحقيقات التي جرت في جلسة سابقة بمعرفة هيئة أخرى لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على المحكمة، شأنها في ذلك شأن محاضر التحقيق الأولية. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد رفضت طلب سماع شهود الإثبات بما لا يسوغه فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة للطاعن الأول وللطاعن الثاني لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه طعن الأول وأوجه طعن الثاني.
وسوم : احكام نقض