الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
دائرة الثلاثاء ( أ )
المؤلفة برئاسة السيد المستشار/ سمير أنيس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عمر بريك وعبد التواب أبو طالب ومحمد سعيد ومحمد متولي عامر نواب رئيس المحكمة.
الطعن رقم 2743 لسنة 78 قضائية
جلسة 3/ 2/ 2009م
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه، دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي عرض القضية في ميعاد الستين يوماً المبينة بالمادة 34 من ذلك القانون – بعد تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 – إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد – بفرض حصوله – وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة النقض لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى مجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها – دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة العامة مذكرتها – ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه لم يدلل تدليلاً كافياً وسائغاً على توافر ظرف سبق الإصرار لديه كما وأنه استند في ثبوته قبله إلى ما جاء بأقواله بتحقيقات النيابة مع أن ما أورده الحكم منها بشأن استظهار نية القتل يدل على الطاعن أقدم على جريمته وهو في ثورة من الغضب ولازم لذلك انتفاء هذا الظرف، وأغفل الحكم – إيراداً ورداً – دفع الطاعن ببطلان الاعتراف المعزو إليه بتحقيقات النيابة لصدوره تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي الواقع عليه، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد مؤدى أدلة الثبوت فيها دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بقوله: “وحيث إنه وعن ظرف سبق الإصرار الذي هو حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني يستنتج من ظروف الدعوى وعناصرها فهو ثابت في الدعوى متوافر في حق المتهم من اعترافاته التفصيلية الصحيحة في تحقيقات النيابة العامة ومن توافر الباعث على القتل وهو الضغينة التي اختزنها المتهم في نفسه للمجني عليها حينما فاتحته في أمر زواجها منه لسترها لكونها حامل منه فقد نازعها في هذا الأمر ومن ساعتها عقد العزم وبيت النية على الانتقام منها بقتلها وقد أعمل فكره في هدوء وروية في تحديد الخطة التي رسمها والوسيلة التي استعملها في قتل المجني عليها وهي الخنق بالضغط اليدوي على العنق وكمم فاها وأنفها بالوشاح لكتم أنفاسها والتأكد أنها سلمت روحها مما يدل على أن المتهم قد ارتكب جريمته وهو هادئ البال بعيداً عن ثورة الغضب وبعد تفكير متأني وهادئ وتصميم محكم على تنفيذ ما انتواه وذلك بقصد الانتقام من المجني عليها جزاء لما طلبته منه وهو الزواج منها لسترها لكون ثمرة الخطيئة تحركت في أحشائها وهو ما يدل بيقين على توافر ظرف سبق الإصرار في حقه كما هو معرف قانوناً دلت عليه ظروف وملابسات الحادث وتصرفات المتهم”. لما كان ذلك، وكان من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار هو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال – مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها إلا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه، فضلاً عن أنه حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافى عقلاً مع هذا الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم عن سبق الإصرار فيما تقدم وإن توافرت له في ظاهر الأمر مقومات هذا الظرف كما هو معرف به في القانون، إلا أن ما ساقه الحكم في هذا الشأن من عبارات مرسلة ليس في حقيقته إلا ترديداً لوقائع الدعوى كما أوردها في صوره وبسطاً لمعنى سبق الإصرار وشروطه، ولا يعدو أن يكون تعبيراً عن تلك الحالة التي تقوم بنفس الجاني والتي يتعين على المحكم أن تستظهرها بما يدل عليها وأن تبين الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التي تكشف عنها مما كان ينبغي على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى ثبوت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، وذلك بعد أن خلت أدلة الدعوى المتمثلة في اعتراف الطاعن وأقوال الضابط مجري التحريات مما يدل على ذلك يقيناً، إذ أن مؤدى اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة أن الأخير تقابل مع المجني عليها بالطريق الزراعي عرضاً وأن الأخيرة هي التي طلبت منه لقائها بالحديقة المجاورة والتي اعتادا الجلوس بها لممارسة الرذيلة وهناك أنهت إليه خبر حملها سفاحاً منه وطلبت منه الزواج ستراً للفضيحة فرفض ذلك فانتابها الغضب منه إلا أنه سرعان ما حل الوئام والصفاء بينهما وتعاشرا جنسياً وبعد ذلك بخمس دقائق أعادت المجني عليها طلب الزواج من الطاعن فقرر آنذاك التخلص منها وقام بخنقها وأضاف أن فكرة إزهاق روح المجني عليها كانت وليدة اللحظة عندما أصرت المجني عليها على طلب الزواج منه ستراً للفضيحة، فإن ما أثبته الحكم في صدد سبق الإصرار لا يكفي للقول بأن الطاعن قد تدبر جريمته وفكر فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب المشاعر ولا انفعال النفس فإنه يكون قاصراً في استظهار ظرف سبق الإصرار فضلاً عن أن إثباته جاء مخالفاً للثابت بالأوراق إذ خلت مدونات الحكم المطعون فيه والمفردات المضمومة من توافر هذا الظرف المشدد، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد أورد في بيانه لواقعة الدعوى وفيما حصله من اعتراف الطاعن وكذا في التدليل على توافر نية القتل أنه “قد اشتاط غيظاً وهاجت نفسه ونفثت ما فيها من شر عقب تجديد طلب المجني عليها الزواج منه فهم بطرحها أرضاً وأطبق بيديه على عنقها وظل على ذلك حتى خارت قواها ولف وشاح على رقبتها وكمم فاها حتى أسلمت الروح”. وهذا الذي سلف لا يفيد ما سبق أن أورده الحكم في التدليل على ظرف سبق الإصرار أن الطاعن قد ارتكب جريمة القتل العمد وهو هادئ البال بعيداً عن ثورة الغضب ومن ثم يكون الحكم فوق ما تقدم مشوباً بالتناقض بين أسبابه. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أنكر التهمة وتمسك بأن الاعتراف المعزو إليه بتحقيق النيابة كان وليد إكراه، كما يبين من مطالعة جلسات 17 مايو، 14 يونيه، 5 سبتمبر لسنة 2007 أمام القاضي المختص بنظر المعارضة في أمر حبسه أن الطاعن أنكر التهمة ودفع ببطلان اعترافه بتحقيقات النيابة العامة للإكراه للتعذيب المادي والمعنوي وطلب إحالته للطلب الشرعي لبيان ما به من إصابات، ويبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن – ضمن ما استند إليه – إلى اعترافه بتحقيق النيابة دون أن يعرض الحكم إلى ما أثير بشأن ما شاب الاعتراف.
عليه أن يكون اختيارياً وهو لا يعتبر كذلك ولو كان صادقاً إذا صدر إثر ضغط أو إكراه كائناً ما كان قدره، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه ما دام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة على هذا الاعتراف، ولما كان الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعن على اعترافه بغير أن يرد على هذا الدفاع الجوهري ويقول كلمته فيه فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب ولا يغني عن ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول عرض النيابة العامة للقضية وطعن المحكوم عليه شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الزقازيق لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
وسوم : احكام نقض